(1)
***
ما فائدتي ؟ ما مكسبي ؟
هذه الاستفهامات دائما تَطْرق ذهنه ، لذا يُقدم رغباته على الناس أجمعين ،
فينسى أقرب الأقرباء وحاجاتِهم.
يَكْسِبُ الأصدقاء في طرفة عين ويفقدُهم ، علاقته الزوجية تنتهي بطلاق
عاطفي أو انفصال أليم ، يُكثر الشكاية من أيامه وأحيائه وأمواته ليُوقِع
المتعاطفين في شباكه ويمتصُّهم ، مزاجه متقلِّبٌ لا يستقرُّ ، فحين تلقاه
يكون ماء مُنعشا ـ وفي لحظات ودون مقدمات ـ يصبح حميما قاتلا!
(2)
***
تَمِيل إليه النُّفوس دون اختيار منها ، راكضةً خلف سِحره وسحر روحه ، من
رؤيته تدخل معه في أحاديث عميقة وكأنك تعاشره منذ أزمان ، وتشعر بزيادةٍ
حين تجالسه وفخر ، لكنه حَدِيد اللسان يُطلقه عليك فجأة ، فيتغيّر وجهك
وقلبك ، لكنك تعود متعكرا خاضعا.
(3)
***
يُحبّ العلاقات الواسعة ، فمن اللحظات النادرة أن تجده وحده ، غاديا أو
رائحا ، حتى إنه يُشْرِك أصحابه بعيدهم و قريبهم في أخص خصوصياته.
لكن من النادر أيضا أن يستمر في صحبتهم ، إنه سريع النِّقمة ، سريع الندم ،
فهو يخاف أن يهجره الناس ، ويغضب من هجرهم ، فيسيء إليهم أكثر ويتجاوز
حدودا مُحرّمة لعلَّهم أن يفهموا رسالته ويعودوا.
(4)
***
نِعَم الله تكاد تخرج من عينه ، لكنّه كثير التوجُّع والشكاية من الجو
والأنظمة والجيران والمدير وزوجته وأولاده وسيارته وكثرة المواد الحافظة
والديون والبناء والعمالة والخير والشر.
(5)
***
ينفر الناس من ظاهره وبعضهم يهابه ، وبعضهم يشعر بشراسته أو تكبره ، وبعضهم
يعزم على إيذائه.
وهو في بواطنه مهزوز حسّاس فيه طفولة ، يجهل كثيرا من عادات قومه ، يقدم
الناس على رغباته ليكسب وُدّهم ، الثناء ـ ولو كان كاذبا ـ يعلقه بين
النجوم ، والانتقاد ـ ولو كان صدقا ومحبّةً ـ يعرقل حياته ويدفنه ويعزم على
الانتقام من صاحبه.
(6)
***
يُحسن الاستماع للناس ، ويسعى في علاجهم قَدْرَ وُسْعه ، وربما نسي نفسه
والضروريِّ من حياته ، لذا صار لَجَأً للمهمومين المكروبين.
تُستكثر عليه النعمة ، وتظهر برّاقة على ملامحه وأملاكه ، وهو صيد بارز
للحَسَدَة ينالونه دُون عناء.
(7)
***
ترى بلاهة ظاهرة في وجهه ، وحين تُسْمع ضحكاته العالية وتعليقاته الساخرة ،
تقتحمه العيون وتحتقره النفوس ، ويتقرّب له أهل المطامع ، لكنهم يصدمون
بقوته في قول : (لا) ، وبدهائه وتكتُّمه ! فلا يَبثُّ في مجالسه إلا أسراره
الصغيرة ، فينتزع من الكثيرين أسرارهم الكبيرة.
(8)
***
صاحب ضَحْكة حاضرة ، ينشر الابتسامات على وجوه الكثيرين ، يخرج من المجالس
بخبرة ضعيفة أو مشوهة فهو لا يفقه لِمَ اجتمع الناس ؟ حريص على إخفاء جزء
كبير من نفسه ، وفي مواقع التواصل يحذف حسابه ويبدِّل شخصَّه حين يشعر أن
الناس كَثُرَتْ عليه.
(9)
***
يحرصُ عليه أصاحيبُهُ حرصا شديدا لأنه نُزْهتهم ، فكم شَرَحَ غُربتهم
بضحكات لا تقدر بثمن ، فكم سحبوه إلى العتبة وهو نائم ، وكم سافروا على
سيارته وتركوه وحيدا ، وكم خدعوه ليسدّد عشاءهم الفاخر ، ومع ذلك كلّه كان
يغفر زللهم ويخشى فراقهم!
(10)
***
يُقضِّي الكثير من الساعات خارج بيته ، لكن قلبه مغروس بين أبنائه ،
فحاجاتهم الصغيرة كبيرةٌ في رأيه وعقيدته ، يدير أعماله بنفسه ولو كانت ألف
عمل ، يَشْمتُ بك إذا أحبّك ويُكثر انتقادك ، ويَكْتم أنفاسك بكثير سؤاله
ليتعلّم من خبرتك.