|
بسم الله الرحمن الرحيم
١-هذه سلسلة تغريدات حول موضوع مهم وهو "تأملات في المبادئ الأخلاقيَّة في
النفس الإنسانية بين تأسيس الدين والإطراد الليبرالي في الحرية".
٢-أثير الجدل والنقاش قديمًا حول مصدر الأخلاق، هل هو الدين أم الإنسان
بثقافته وتجاربه الحياتية؟ اتجاهان يتفرعان عن هذه النقطة المحوريَّة.
٣-القول بأن مصدر المبادئ الأخلاقية الدين (والفطرة التي وضعها الله في
النفس البشرية)، يجعل هذه المبادئ ثابتة وراسخة وغير متغيرة أو نسبيَّة.
٤-أما القول بأن مصدرها بشري، وأنها صناعة الإنسان مثل بقية مصنوعاته، فهذا
يعني أنها مرحلية ومتغيرة ونسبية، فالحسن يمكن أن يتحول إلى قبيح!
٥-أخطر ما يمكن أن يوجه الليبرالي أو اللاديني هو سؤال الأخلاق، فحينما
يعبر عن قبح شيء في نفسه فإنه لا يجد له أساسًا عقليًا في الليبرالية.
٦-أي أنه لا يمكن أن يبرهن على الإحساس العميق بالقبح الذي يجده في فعل ما
من خلال منظومته الليبرالية، فهذه الرؤية لا تسعفه بالتدليل على إحساسه
٧-الدين يعطي الأخلاق ثباتا مطردا، فالأخلاق التي يكرسها الدين يجد الإنسان
في الغالب -وإن خالفها- في أعماق نفسه اتساقًا وتماهيًا وراحة معها.
٨-أقدس قضية في الليبرالية هي "الحرية"، فكان من الطبيعي أن تتصادم مع
الأخلاق التي يكرسها الدين، إذا الحرية في الليبرالية منهج مطرد وألا تناقض
٩-منهج إن لم تطرده ناقضت نفسك حتمًا، وأصبحت الفكرة مختلطة بالديني أو
بالتقاليد ونحوها، ولم تعد فكرة ليبرالية صادقة وصافية.
١٠-من الأسئلة التي طرحت دومًا ما يلي: هل يمكن أن يكون الليبرالية
أخلاقيًّا؟ هل يمكن الملحد أن يكون إنسان صاحب خلق ومستقيم وصادق ومحترم؟
١١-مثل هذه الأسئلة طرحها كبار الليبرالية والملاحدة من أمثال "ريتشارد
دوكينز"، مؤكدين أن الإنسان الملحد والليبرالي هو إنسان له خلق وصدق ..إلخ
١٢-لم ينازع المتدينون في وجود ملحدين أو ليبراليين يتحلون بالأخلاق
الحسنة، لكنهم ينازعونهم بأن هذه الأخلاق هي الإطراد الطبيعي لذلك المنهج.
١٣-فالأخلاق الحسنة لا تجد براهينها في الإلحاد أو في الليبرالية، وإنما
تجدها في الفطرة وفي الدين الذي يغذيها وينميها بقدر تمسك الإنسان به.
١٤-دعونا نأخذ مثالاً في القضايا الخلقية الحساسة التي لها أثرها الواضح في
المجتمع والأسرة، من مثل: العلاقات بين الجنسين (الذكور والإناث).
١٥-موقف الدين واضح من ذلك، فقد غرس أخلاقيات ومبادئ يحترم بها الطرفين
ويحمي بعضهما من ظلم وتعدي الآخر، لأنه مسبقا يعرف المآلات بدون وجود ذلك.
١٦-الاتجاه الليبرالي خلاف ذلك، فهو ينطلق من قضية محورية وهي الحرية، ومن
ثم فالعلاقات بين الجنسين لا يمكن أن توضع في أُطر وخلفيات دينية.
١٧-فقضية الاختلاط بين الجنسين من تجليات المبادئ الليبرالية، وخلافها من
تجليات التخلف والهمجية ونقص الثقة في الطرفين التي يتحلى بها الديني!
١٨-وكان من الطبيعي ووليدة للاختلاط أن توجد العلاقات المحرمة بين الجنسين،
وبطبيعة الحال فهذا أمر يتماهى مع الليبرالية بل هي تكرسه بعمق وحماس!
١٩-ومن المتوقع أن تنشأ بعد تشريع إباحة العلاقات الجنسية بين الجنسين، أن
يكرس التعليم الليبرالي نفسه لخدمة هذه القضية ونشر والوعي حولها.
٢٠-ولذلك تجد في المدارس الغربية يعلم الأطفال كيفية ممارسة الجنس وتوزع في
المدرسة حبوب منع الحمل للفتيات والوقي الذكري للطلاب الذكور.
٢١-وأصبح من الغريب والشاذ أن تصل الفتاة للمرحلة الجامعية وهي لا زالت في
حالة البكورية، وكذلك الحال نفسه مع الشاب.
٢٢-ففي أمريكا مثلاً: يقول أندرو شابيرو -قبل أكثر من ٣٥ سنة- أنه في كل
سنة تحمل سفاحا أكثر من (١٠) آلاف فتاة لم تبلغ الرابعة عشر من عمرها!
٢٣-فما ترتب على الاختلاط الليبرالي بين الجنسين من آثار مدمرة على الجنسين
لا يمكن وصفه أو حده بداية من تفكيك الأسرة إلى تفكك الأخلاق.
٢٤-يقول اكتافيو باث: "المنظور الروحي للغرب يدعو للحزن، فالسائد الآن هو
الابتذال والسطحية وانحطاط العنصر الشهواني والتلذذ في خدمة التجارة".
٢٥-وطبقًا لنتائج المؤتمر الوطني الذي عقد في فرنسا قبل أربعين سنة -فكيف
الآن- جاء فيها: ٧٠٪ من الشابات الفرنسيات يعشن وحيدات وقلقات.
٢٦-طبعًا الليبرالية كمنهج استمر في التقدم في طريقة، وتجاوز قضية العلاقات
المحرمة بين الجنسين ليطرق أبواب علاقة جنسية آخر غير طبيعية.
٢٧-فبعد أن كان الشذوذ الجنسي يعتبر ممنوعًا ويصنف في الموسوعات النفسية
كمرض وانحراف وتشوه نفسي، أصبح بفضل الليبرالية ممارسة مشروعة وطبيعية!
٢٨-وتسابقت الدول الغربية في تشريعاتها لسن القوانين لتشريع الشذوذ الجنسي
(الرجال للرجال والنساء للنساء)، وفرضت لهم الحقوق الملزمة.
٢٩-ومن يتعدى على الشواذ بوصفهم مرضى فإنه يقع تحت طائلة العقاب القانوني
الليبرالي، ويشهر به، وإن كان له منصب ربما أجبر على ترك منصبه.
٣٠-وكما يقول بعض المراقبين فإن أخطر ما فعلته الليبرالية في هذا الباب
أنها سمحت للشواذ بأن يكونوا أسرة، وسمحت لهم بتبني الأطفال وتربيتهم.
٣١-ولذلك كثيرا ما ترى في الغرب -لمن عاش هناك- الرجل الأربعيني يسكن في
بيت ومعه رجل آخر خمسيني، هما نواة أسرة بالمواصفات الليبرالية الغربية!
٣٢-يخرجان للتبضع والتسوق والنزهة والفسحة، وأحيانا تجد معهما الطفل الواحد
أو أكثر، قد تم تبنيه من قبلهما ليتربى تربية ليبرالية "صالحة"!
٣٣-هل توقفت الماكينة الليبرالية عند هذا الحد في الهبوط اللاأخلاقي؟
بالطبع لا، فمسلسل الإطراد مستمر، لكن النهاية بكل تأكيد مجهولة!
٣٤-فبعد تشريع الاختلاط بين الجنسية والعلاقة بينهما، ثم القفز نحو إباحة
الشذوذ الجنسي، قفزت الليبرالية قفزة هائلة نحو العلاقة مع الحيوانات!!
٣٥-فهذه المحكمة العليا الكندية تجيز الممارسات الحميمية مع الحيوانات
الأليفة بشرط "عدم الإيلاج"!


٣٦-مع العلم أن تلك الممارسات القبيحة منتشرة في الغرب يعرفها من أقام
هناك، والصحف والقنوات تعرض بعضًا من أخبارها وأخبار أهلها وأصحابها.
٣٧-والنكتة أن المحكمة الكندية استندت على مبدأ "الأصل الإباحة وعدم
التجريم" فيما سكت عنه التشريع الإنجليزي الصادر من البرلمان في القرن 19م.
٣٨-فهذا قطار الانهيار القيمي والأخلاقي الغربي يسير بسرعة هائلة، ولن يكون
آخره قرار المحكمة العليا الكندية الأخير، فالمشكلة هي المنهج نفسه.
٣٩-فالليبرالية كمنهج للحياة في الغرب لا تتعارض مع هذه الممارسات، بل مع
ما هو أشد. ولا يحفظ الأخلاق مثل الدين الحق.
٤٠-هذه خطوات الليبرالية، بدأت بالعلاقات والاختلاط بين الجنسين، فإباحة
جنسية، ثم إباحة الشذوذ، ثم إباحية مع الحيوان، إنه الإطراد الليبرالي!
٤١-ولولا بقية آداب بقيت في الغرب وعند بعض المصلحين الاجتماعيين -وهي من
آثر اليهودية والمسيحية- لقفزت الليبرالية إلى ما هو أشد وأخطر وأفظع.
٤٢-فهاهم بعض الليبراليين الملحدين لا يَرَوْن بأسًا في العلاقة المحرمة
بين المحارم، بين الأب وابنته، وبين الأم وابنها، لأن خلفيتهم لا تحرمها
٤٣-فكل هذه الجرائم الخلقية التي تتصادم مع الفطرة والذوق السليم لن تجد ما
يحرمها في الفكرة الليبرالية، تحريمها في الدين والفطر السوية والعقول
٤٤-وقد طرح المفكر الغربي المعاصر المعروف "جوناثان هايت"، بعض الأمثلة
للفعل القبيح ومدى استنكاره في الإحساس الفطري، وعند الإنسان الليبرالية!
٤٥- المثال الأول الذي طرحه "جوناثان هايت"، لمعياريَّة الفعل الخاطئ هو
هذا⬇️

٤٦-هذا الفعل البغيض في ذاته عند معظم الناس جيدي التعليم -بحسب مفهوم
هايت- مثير للإشمئزاز، لكنه من الصعب أن يقال إنه خاطئٌ أخلاقيًّا.
٤٧-المثال الثاني الذي طرحه "جوناثان هايت"، لمعياريَّة الفعل الخاطئ أشد
قبحًا وانحطاطًا، وهو هذا⬇️

٤٨-هذا الذي طرحه "جوناثان هايت"، مثال صارخ في القبح وإثارة الاشمئزاز،
فمن المنحط المريض الذي سيضاجع دجاجة مثلجة ليطبخها ويأكلها بعد ذلك؟!
٤٩-يصف "جوناثان هايت" هذا الفعل بالمخزي، لكنه في الوقت نفسه يطرح هذا
التساؤل: هل كونه (مخزيًا) يجعله ذلك خاطئًا أخلاقيًّا؟
٥٠-بالطبع أي إنسان يستند إلى الدين والفطرة سيعرف أن هذا الفعل القبيح
المخزي والمستنكر يحرمه الدين وهو خاطئ أخلاقيًّا.
٥١- لكن "جوناثان هايت" يبين لنا أن الليبرالي له رأيٌ آخر تمامًا، فمضاحعة
دجاجة مثلجة ثم طبخها وأكلها لا يتعارض مع أخلاقيات ومبادئ الليبرالية
٥٢-وهذا جواب "جوناثان هايت" مبينًا إطراد الليبرالي، ونقطة الخطأ عنده كما
يرها معظم أهل الأرض.

٥٣-هذا هو النهج الليبرالي وهذه هي النتائج التي سيوصل أي مجتمع يسلك
طريقه، وحتى هذه العصر لم تبلغ اللحظة الليبرالية الغربية أوجها
اللاأخلاقي!
٥٤-وإذا ما عدنا من الليبرالية الغربية النسخة المقلدة=الليبرالية العربية،
وجدنا أنها إذا التزمت ذلك بصدق فإنها لن تكون أحسن حالاً.
٥٥-لكن الواقع يُبين أن الليبرالية العربية ليست صادقة ولا مطردة، وأحلامها
وأهدافها متدينة جدًا ومختزلة في حدود قريبة ضيقة جدًا.
٥٦-ومن أبرز أمراضها التناقض والازدواجية، وعدم الصدق في تبني المبادئ كما
هي، ولعل كلام العلماني اليساري بو علي ياسين يلخص هذه المأساة.
٥٧-يقول: "الرجل المثقف في مجتمعنا يدعو إلى المساواة ويطالب النرأة بأن
تكون ندا للرجل، لكنه نادرا ما يتزوج هذه المرأة المتساوية معه".
٥٨-ويتابع بوعلي ياسين حديثه: "إنه يقبلها صديقة ورفيقة وزميله لكنه يخافها
ويبتعد عتها كزوجة، ولذلك تراه يركض وراء المراهقات".
٥٩-أي عاقل يدرك أن الليبرالية هذه هي أعظم انتصار للرجل المستَغِل وهزيمة
ساحقة للمرأة بكافة أصنافها، بل هزيمة للبشرية والأخلاق والفطرة.
٦٠-يقول العلماني "بوعلي ياسين" عن المجتمعات والأسر المتدينة معترفًا:
"تفوز بإكليل السعادة الزوجية وهي جديرة أن تسمى فردوس الأزواج السعداء".
٦١-بعض المحللين يرون أن الليبرالية "المتوحشة" اقتصاديًا وسياسيًا،
والمنحلة أخلاقيا واجتماعيا، ليبرالية ملائمة تاريخيا للنفسية الغربية.
٦٢-فيقولون إنه لا حدود أخلاقية لليبرالية الغربية السياسية-الاقتصادية
والاجتماعية-الأخلاقية، فهي مسارات متوازية ومتناسقة تسير معا باتجاه واحد
٦٣-ولو أخذنا مثالاً واحدًا فقط يتعلق بالمزاج النفسي والخلقي والذوقي
المتعلق بأخباق الحب والعشق، سنرى فرقًا شاسعًا:

٦٤-ولذلك لا يمكن أن يكون هؤلاء أو الليبرالية الغربية قدوة صالحة للمسلمين
في الأخلاق والأدب والحب ونظام الحياة الأسرية والاجتماعية.
٦٥-إلا إذا أراد المسلمون إدخال الارتباك والقلق الاجتماعي والثقافي -كما
يقول المفكر الفرنسي جاك بيرك- إلى مجتمعاتهم الغنية عن تلك الليبرالية.
٦٦-وأخطر ما يربط الليبرالية الغربية بمجتمعاتنا هو الممارسات غير
الأخلاقية التي تفترض أن قيمهم أرقى وقيمنا أحط، ومن ثم لا بد من فرصها
علينا!
٦٧-فمع إدراك عقلائهم ما في قيمهم من تدهور أخلاقي إلا أنهم يصرون على
نشرها وتعميمها بقوة السلاح، وللأسف أن الليبرالية أدخلت مجتمعاتنا في حروب
٦٨-وأصبحت الليبرالية=التحرر جبرية تفرض على الآخرين، وخصوصًا قضية تحرير
المرأة التي جعلت شماعة الحروب الليبرالية!

٦٩-حيث استخدمت "حقوق المرأة" أداة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية،
وابتزازها وتغيير قيمها والضحية لهذه التدخلات البلاد والنساء بالدرجة
الأولى
٧٠-فانقلبت الليبرالية في قضايا المرأة من البعد والإطار الخلقي الحقوقي
إلى "تسييس الاختلافات بين الجنسين"، كما تقول سيلفيان أجاسينسكي.
٧١-الليبرالية أو غيرها من المبادئ الوضعية هي أفشل من أن تعرف الحسن
والقبيح، الخير والشر، ما يحرم وما يحل، فهذه هي وظيفة الدين والفطرة
السوية
٧٢-هي أفشل من أن تعرف ما يصلح للبشرية وما هو خيرها ومصلحتها، هذه الأبعاد
الحاسمة في حياة الناس لا يقوم بها إلا الدين الرباني وفطر النفوس.
٧٣-منهج الحياة: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق
بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".
٧٤-وفق الله الجميع لكل ما يحبه ويرضاه، وشكر الله للجميع حسن تفاعلهم، ولا
نستغني من إرشادهم وتوجيههم وتسديدهم،،، انتهى.