59- أكثر الذين رأوا الخريطة لم يقرؤوا المقالة التي نُشرت معها، وقد كتبها
الضابط الأميركي المتقاعد رالف بيترز (سأتحدث عنه بعد قليل) وقال فيها:
60- “لم تكن الحدود عادلة قط، ولعل أكثرها اعتباطيةً في العالم كله هي حدود دول
الشرق الأوسط التي تسبب من المتاعب أكثرَ مما يمكن امتصاصه محلياً”
61- “لن يستقر الشرق الأوسط إلا بمراجعة جذرية للحدود. لقد ضيّعنا فرصة ذهبية
بعد سقوط بغداد، فقد كان ينبغي تقسيم العراق إلى ثلاث دول على الفور”
62- “بعد التقسيم لن تجد الدولة السنية الضعيفة في الوسط خياراً سوى الانضمام
للدولة السنية التي ستبقى في سوريا بعد أن تنفصل عنها منطقة الساحل”
63- “قد يبدو تصحيح الحدود مستحيلاً الآن، ولكن مع مرور الوقت ومع الدماء التي
لا بد أن تُسفك سوف تظهر إلى الوجود حدودٌ طبيعية جديدة أكثر عدلاً”
64- لا نستطيع الجزم بأن تلك الخرائط تعكس رأياً رسمياً في السياسة الأميركية
الخارجية، وقد أخطأ الذين نشروها باسم “خطة أميركية لتقسيم المنطقة”
65- لكنها يمكن أن تكون مؤثرة في صناعة القرار بحسب أهمية كاتبها، ويبدو أن
كاتب مقالة “حدود الدم” التي تضمنت الخريطة السابقة من النوع المؤثر=
66- فهو ضابط أميركي متقاعد وباحث عسكري وإستراتيجي شهير ومن مؤيدي الحروب
التوسعية الأميركية ومن أكبر مناصري الحرب على العراق=
67- وقد خدم عشر سنوات في الاستخبارات العسكرية وكان يشغل منصباً بمكتب نائب
رئيس هيئة الأركان لشؤون الاستخبارات عند تقاعده من الخدمة عام 1998
68- رغم أن خريطة رالف بيترز لا تمثل رؤية رسمية إلا أنها استُعملت في
الأكاديمية الحربية الوطنية وفي دوائر التخطيط العسكرية الأميركية لعدة سنوات
69- كما عُرضت في برنامج تدريبي لكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو في روما في
شهر 9/2006 مما يدل على أنها أكثر من مجرد رأي شخصي.نكمل
مع الأحداث:
70- بدأت المعركة في العراق بعد شهرين من بداية هجوم داعش الجديد في الشرق
السوري الذي كرّست فيه احتلالها لحوض الفرات كله من جرابلس إلى البوكمال
71- بعد ذلك انفجرت العمليات في العراق وسيطرت داعش على وسطه بسرعة خيالية
فاتصلت مناطق سيطرتها شرقَ الحدود مع المناطق التي سيطرت عليها غربَها
72- وبذلك وُلدت أرضٌ جديدة متصلة عبر البلدين (سوريا والعراق) تخضع لتنظيم
يعتبره العالم -نظرياً- إرهابياً ومهدّداً لأمن وسلامة الإقليم
73- لماذا تركت داعش مناطق الشيعة في العراق ومناطق النظام في سوريا وركزت
حروبها وسيطرتها على مناطق السنة في العراق والمناطق المحررة في الشام؟
74- لو كان مشروع داعش مشروعاً محلياً لما قابلته تركيا وإيران وبقية دول
الإقليم بالسكوت والاستسلام رغم أنه يشكل في الظاهر خطراً عليها جميعاً
75- قاعدة: إن حراكاً بهذا الحجم أكبر من حجم الدول المحلية والإقليمية، ولن
يتم بمعزل عن تفاهمات مسبقة مع القوة الكبرى التي تسيطر على المنطقة
76- قاعدة: إن تغيير الحدود ليس “لعبة أطفال” في العالم المعاصر الذي نعيش فيه؛
لقد دفع صدام حسين حياته ونظامه ثمناً لعدم إدراك هذه البديهية
77- قاعدة: إن الولايات المتحدة لا تنام عن مصالحها أبداً، وهي لن تفرّط في
بناء خاضت من أجله حرباً منهِكة وأنفقت في بنائه ترليونات الدولارات
78- مع ذلك كان رد أميركا “الحاسم” على سقوط ثلث العراق بيد داعش هو إرسال 300
خبير لدعم نظام المالكي، ثم استقبلت إعلان الخلافة ببرود ولامبالاة
79- نستنتج أن القوة التي تدير معارك داعش في سوريا والعراق والتي رسمت مسارها
وحددت حدودها ليست قوة محلية ولا إقليمية، وإنما هي الولايات المتحدة
80- وأن الهدف من حروب داعش في سوريا والعراق ليس إنشاء دولة إسلامية، بل هو
إعادة تقسيم المنطقة بما يوافق السياسة الاستعمارية الأميركية الجديدة
81- ينسجم سياق حوادث العراق مع هذه النظرية، حيث راعت قوة البعث-داعش الحدود
المسموح بها ولم تقترب من المناطق المحرَّمة (بغداد وديالي وسامراء)=
82- في حين تستميت للتقدم فيها القوى الإسلامية والعشائرية التي لا تخضع لأي
تفاهمات مسبقة والتي تشكل خطراً حقيقياً على نفوذ إيران ونظام المالكي=
83- لذلك تتعرض لمقاومة شرسة من قوات المالكي والمليشيات الشيعية التي عادت من
سوريا لقتال تلك الفصائل في تلك الجبهات حصراً ولم تقاتل داعش أبداً
84- نتيجة خطيرة:داعش
كيان واحد في سوريا والعراق، فإذا كانت أميركا ترعى مشروع داعش في العراق فإنها
قطعا ترعى المشروع الذي تنفذه داعش في سوريا
85- وكما رضخ المالكي لأميركا ضمن خطة ستعيد توزيع المساحة والنفوذ في العراقفكذلك
رضخ الأسد لها ضمن خطة ستعيد توزيع المساحة والنفوذ في سوريا
86- هذه النظرية تفسر سكوت النظام السوري عن تمدد داعش في مساحات واسعة من
سوريا كما تفسر قيام المالكي بعملية “التسليم النظيف” لداعش بلا قتال
87- إذا كانت النظرية السابقة صحيحة فإنها سترتبط بلحظة حاسمة في عمر الأزمة
السورية، كانت أميركا تصرّ قبلها على إخراج بشار الأسد من المعادلة=
88- وإحلال بديل آخر محله، بديل من داخل النظام أو من داخل الطائفة (علي حبيب
مثلاً)، ثم تغير المزاج الأميركي فجأة وتغيرت مفردات خطابه السياسي=
89- فتوقف الحديث عن “مصير الأسد” وتحول عنوان المعركة إلى “الأسلحة
الكيماوية”. هذا الانقلاب المفاجئ في العناوين حصل في أواخر آب (أغسطس) 2013
90- خلال الأسابيع التالية ظهرت معالم الصفقة الجديدة: بدأ النظام بإجراءات
جادة لتسليم مخزونه الكيماوي، وبدأت داعش بالانتشار في المناطق المحررة
91- ولمدة أربعة أشهر استمر تسليم السلاح الكيماوي، واستمر أيضاً الاجتياح
الداعشي للرقة والحسكة ودير الزور وحلب وإدلب دون أي تدخل يُذكر للنظام
92- إنني أكاد أجزم بأن كل ما رأيناه بعد الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية
كان نتيجةً لصفقة سرّية عقدها نظام الأسد مع الإدارة الأميركية =
93- “بقاؤه في السلطة حاكماً لقسم من سوريا مقابل سيطرة داعش على القسم الآخر
ثم فصله ليُضَم لاحقاً إلى أرض عراقية فتقام عليهما معاً دولة جديدة”
94- إلى أين سيمضي المشروع الداعشي وما حدوده المرسومة؟ بدأت المعركة الأولى مع
داعش (آخر 2013) بسبب هجومها على المعابر الحدودية حتى باب الهوا
95- اليوم تزحف داعش بمحاذاة الحدود التركية وتوشك أن تستولي على معبر باب
السلامة، ولو سقط فأخشى أن تتقدم إلى المعبر الأخير كما صنعت أولَ مرة
96- تقتفي داعش في تمددها الجديد مسار تمددها الأول،وهذا
يشير إلى احتمال مرعب: سيطرة الدولة التي ترعاها أميركا على كامل الحدود
السورية التركية
97- هذا يعني أن الثورة سوف تختنق حتماً لأن تركيا هي الرئة التي تتنفس منها،
فهل هذا معقول؟ نعم، فمن الضروري القضاء على الثورة السورية بالكامل=
98- هذه خطوة حتمية لتنفيذ الصفقة الأميركية-الأسدية: توزيع المساحة والنفوذ
وتسليم جزء من سوريا لداعش (دولة البعث الجديدة) وتسليم الباقي للنظام
99- ماذا ينبغي أن نفعل وماذا نستطيع أن نفعل؟ ينبغي أن نفعل الكثير ونستطيع أن
نفعل الكثير -بإذن الله- إذا صدقنا النية وأحسنّا التخطيط والتنفيذ
100- إننا بحاجة لخطة عاجلة، خطة طوارئ (إطفاء حرائق) يجب تنفيذها على وجه
السرعة مهما تكن الصعوبات، وبعد ذلك تأتي خطوات التصحيح وإعادة البناء
101- تقتضي الخطة دفع قوة كبيرة بقيادة موحدة إلى الشمال لتطهير الشريط الحدودي
من داعش، من جرابلس لباب الهوا، لأن سقوطه سينهي الثورة لا سمح الله
102- وبعد ذلك يتوجب تمديد مناطق السيطرة إلى الطرف الشرقي من الفرات، باتجاه
عين العرب وتل أبيض، لإجلاء داعش نهائياً عن الحدود السورية التركية
103- بعد هذه الخطوة العاجلة (العاجلة جداً) ينبغي على الثورة أن تنتقل بسرعة
إلى إعادة البناء وتصحيح المسار ضمن تصور عسكري وسياسي وإداري متكامل
104-1- تحالف القوى العسكرية على الأرض وإنشاء غرفة عمليات كبرى تغطي جبهات
الحرب كلها في جميع أنحاء سوريا وتكون بمثابة “هيئة أركان الحرب العليا”
105-2- تطهير المناطق المحررة والمحاصَرة من خلايا داعش الصغيرة والنائمة،
وتشمل هذه الخطة غوطتَي دمشق وحوران وريف حماة وريفَي حمص الشرقي والشمالي
106-3- شنّ حملة مركزة على خزّان داعش البشري في البادية بين حمص ودير الزور،
فهي مصدر الخطر الدائم ولن تنكسر شوكة داعش إلا باجتثاثها من البادية
107-4- إطلاق رصاصة الرحمة على الائتلاف الوطني الذي صار أداة لخيانة الثورة
والذي تحول أكثر أعضائه إلى كائنات طفيلية تتصارع على المكاسب والمناصب
108-5- ملء الفراغ السياسي الناشئ عن إسقاط الائتلاف بكيان ثوري سياسي جديد
نظيف يمثل الثورة تمثيلاً صادقاً ويستطيع محاورة الخارج بقوة واحترافية
109-6- الخطوة الأخيرة الكبيرة التي ستنقذ سوريا بإذن الله هي “إعادة إنتاج
الثورة” بنسخة جديدة تتدارك أخطاء الثورة الأولى التي أوشكت على التلاشي
110- على أن تكون “ثورة تكنوقراط”، بمعنى احترام الاختصاص وعدم خلط العمل
المسلح بالإدارة المدنية، وإنشاء أجهزة ثورية احترافية للإدارة والقضاء
111- الوصايا الأخيرة هي لإخواننا المجاهدين في العراق. لا جدال في أن الحالة
التي يعيش فيها المسلمون السنّة في العراق هي أسوأ حالة يمكن تخيّلها=
112- وهذا يعني أن أي حل مهما يكن سيئاً أفضل من الواقع المرير، ولو كان البديل
داعش أو البعث، ولكن تبقى مسألتان في غاية الخطورة يجب الانتباه لهما:
113-1- إن داعش عدو مجرَّب معروف، وقد بطشت سابقاً بالمجاهدين في العراق وقتلت
خيارهم وكسرت شوكتهم، وأخشى أنها ستكرر الخطة نفسها لا قدّر الله
114-2- إذا كانت النظرية التي قدمَتها هذه التغريدات صحيحة فإن السنّة في وسط
العراق -وعددهم ستة ملايين- سينتقلون إلى واقع أقل سوءاً بإذن الله=
115- لكن ماذا عن سنّة ديالي وبغداد وحزامها الكبير (التاجي والطارمية
والمحمودية واليوسفية وأبو غريب) وعددهم نحو خمسة ملايين؟ لأي مصير سيُتركون؟
116- إن على مجاهدي العراق المخلصين الكرام أن يستعدوا لغدر داعش منذ اليوم،
وأن يجمعوا قواهم كلها في قيادة واحدة ويُنشئوا غرفة عمليات عليا=
117- وأن يضعوا خطة شاملة تنقذ السنّة جميعاً من الاضطهاد،لا أن يفرحوا بإخراج
نصفهم لدولة جديدة (مهما تكن) ويتركوا النصف الآخر لمصير مظلم مجهول
118- تمرّ ثورتا سوريا والعراق بظروف عصيبة، ولا نجاة لثورة العراق إلا بدرء شر
داعش القريب، ولا نجاة لثورة الشام إلا بولادة جديدة تتلافى العيوب
119- الخلاصة: يبدو أن داعش أداة يحركها البعثيون الذين سيطروا عليها واتفقوا
مع أميركا على صناعة دولة بعثية جديدة مع إعادة تقسيم سوريا والعراق
120- هذه اللعبة الخطيرة تشترك فيها 3 أطراف: طرف قوي مسيطر يضع قواعدها
ويديرها،وطرف ذكي مستفيد يتحرك ضمن القواعد لتحقيق هدفه والعودة إلى الحكم=
121- وطرف غبي هو جسم داعش المكون من جهاديين مغفلين يقتصر دورهم على تنفيذ
المخطط بغباء،وهم وقود يحترق لتحقيق المشروع الأميركي الاستعماري الجديد
122- لقد عاد البعث إلى الحكم، ليس على أكتاف القوميين الذين حملوه قبل نصف
قرن، وإنما على جثث مَن كان ينبغي أن يكونوا من صَفوة مجاهدي الأمة في الزمان
الأخير
123- ذات يوم ارتدى عميل بريطاني لباس البدو وتحدث لغة العرب ثم قاد جموعاً من
الغوغاء فرسموا بدمائهم حدود الدول الجديدة التي ورثت دولة بني عثمان
124- اليوم وبعد تلك المأساة بقرن كامل يخرج من البادية عميلٌ جديد، تنظيمٌ لم
ينطق بالعربية فحسب بل رفع راية إسلامية أيضاً، ثم كرر القصة نفسها=
125- فجمع جموعاً من الغوغاء الذين يرسمون بدمائهم الحدودَ السياسية الجديدة
لسادة القرن الجديد، المستعمرين الجدد الذين ورثوا إمبراطوريات القرن الغابر