|
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول :
1- في الوقت الذي كانت فيه النظم العربية الحاكمة والنخب تحاول محو هوية
مجتمعاتها وتمييع حضارتها وقيمها كانت أمريكا تسعى جاهدة لاستعادة قيمها =
2- أمريكا كانت ( مقارنة بأوربا ) محافظة نوعا ما ، ومتمسكة بالوصايا العشر
للنصرانية حتى قرابة الستسنيات الميلادية من القرن الميلادي المنصرم=
3- بعد عقد الستينيات الميلادي بدأ التراجع في القيم مصحوبا بثورة
الاتصالات وتصدير النموذج الأمريكي للدول والمجتمعات، ومنها المجتمعات
العربية=
4- كان نموذجا علمانيا ليبراليا يروج للحريات المطلقة على حساب القيم
والأخلاق ، فتلقفته المجتمعات العربية طوعا وكرها =
5- طوعا من خلال الفضاء وما يُبث فيه وغيره من وسائل العولمة ، وكرها من
خلال الضغط الأمريكي على الأنظمة والنخب والمؤسسات الثقافية =
6- في هذا الوقت الذي يتم فيه تمييع القيم في المجتمعات العربية كانت
الولايات المتحدة وبعض دول أوربا تعيش صحوة ضمير على كل المستويات =
7- على المستويات السياسية والإعلامية والمجتمعية ، وظهرت دعوات تنادي
بعودة المجتمعات الغربية الى ما كانت عليه من قيم الفضيلة قبل الخمسينيات =
8- ودعت بشكل صريح الى استعادة الوصايا العشر للنصرانية التي تدعو الى
إحياء قيم الفضيلة ، في المجتمع الأمريكي على وجه الخصوص =
9- تأسست في أمريكا معاهد للأخلاق ، وجمعيات للفضيلة ، وظهرت دعوات تطالب
بكبح جماح الإعلام ومحاكمة المستهترين بالأخلاق لا يسمح المقام بسردها=
10-كان الغيورون على أخلاق المجتمع يحاربون على جبهتين: التصدي للإعلام
الذي أفسدالأخلاق، والتضييق على أصحاب الفكر الليبرالي المغالي في الحرية=
11- المجتمعات العربية للأسف أعادت التجربة الأمريكية - ولا تزال - ولكن
بنسخة أكثر جرأة وأشد فجورا ، وبعضها الآن يمارس هدم كل ما بنته من قيم=
12- على نمط التجربة الأمريكية - وبطريقة أشد جرأة وخبثا - فإن من يمارس
تغييب القيم وتمييع الهوية هم : الإعلاميون والنخب الليبرالية المستغربة=
13- بدأوا بمفاصل التدين:المؤسسات الشرعية، والتعليم ، وإسقاط العلماء ،
والعمل الخيري والتطوعي ، وبث الشبهات الدينية ، وغيره مما يخدم أهدافهم=
14- ثم انتقلوا الى تنفيذ برامجهم بعد تهيئة الأرضية المناسبة لفكرهم ، تحت
ذرائع التجديد والتنوير والتقدم والوطنية وغيرها من مصطلحات الترويج =
15- ما يجري الآن فيي المجتمعات العربية من تمييع للهوية وإفساد للقيم هو
تنفيذ لـ ( الحرب الناعمة ) التي بدأت بعد 11 سبتمبر، ( حرب الأفكار )=
16 - حرب أفكار تتخذ من الإعلام والتعليم والنخب المستغربة أدوات لتنفيذها
بهدف خلخلة المجتمعات وتقويض البنيان ، ليسهل بعد ذلك استعبادها =
17- هذه هي الصورة البانورامية لمشهد هدم القيم ، تمثل مؤشر خطورة على
الأمن الفكري والوطني في مجتمعاتنا ، وربما يأتي يوم نقول فيه : =
18- إن ما أُنفق من جهود وأموال لتمييع الهوية وتغييب القيم ربما نحتاج الى
إنفاق أضعافه لاستعادة ذلك كله. وهي دعوة مُلحة وناجزة لنفعل الآن =
19- المسؤولية الآن على العلماء ، والنافذين في المؤسسات الشرعية
والتعليمية ، والنخب القادرة، إذ لا وقت للتأجيل ولا لقاء في منتصف الطريق
=
20 - فالوحدة الوطنية وقوة تماسك جبهتها الداخلية هي بالهوية التي تتنفسها
وتعيش من أجلها ، وهو ما ينعكس على أمنها الفكري والوطني .
الجزء الثاني :
1- تعرض المجتمع مؤخرا لحرب أفكار انطلقت
سهامهما من محورين:خارجي ، وآخر من الداخل. الداخلي أشد خطورة على هوية
المجتمع وقيمه.
2- الهدف المشترك لهذه السهام هو خلخلة المجتمع وتمييعه. هدم للمعتقد
وتشكيك في الثوابت تنفيذا لاستراتيجية الاختراق من الداخل.
3- معاول الهدم الداخلي للقيم نوعان: الأول جاهل وأحمق، همه الارتزاق
والركض المحموم في طابور الوجاهة الاجتماعية في البلاط .
4- والثاني من يتعمد نسف القيم بلسان الحال والمقال . يينادون بالانصهار في
ثقافة الأجنبي, هم عنوان الانحطاط للأمم .
5-هذا الأخير يود أن يكثر (جيل العمى) في المجتمع عندما يتخلى عن هويته
وقيمه يظهرون بوجوه (كأنما أُغشيت قطعا من الليل مظلما) .
6- هؤلاء وأولئك لا ينشطون إلا في حالات الضعف التي تمر بها الأمة ، ولا
يزرعون بذور التغريب إلا إذا هبت رياح الأجنبي.
7- يجتمعون إذا استوقد العدو لهم نارا ، كلما أضاء لهم الأجنبي طريقاً مشوا
فيه ، وإذا أظلم عليهم سقطوا.
8- من سماتهم أنهم متنفذون في دوائر صنع القرار ومسيطرون على منافذ الرأي،
لهم في كل قناة وصحيفة سوق ومنتدى .
9- يرصون صفوفهم ، ويشحذون طاقاتهم في كل قضية أو مناسبة ، ماكرون في توظيف
الامكانات ، وبارعون في التقلب والمخادعة .
10- يركبون مطية الدين بدعوى تجديده تارة ، ويهجمون عليه تارات أُخر.
يزايدون على الوطنية وهم أعق أبنائها .
11- لهم في (الدين) و( الوطنية ) مشارب لا يستعذبها إلا العدو أو من في
قلبه مرض.وهم اليوم أشد على الهوية والقيم من خطر الخارج.
12- ذلك بأنهم قد أسفروا عن وجوه لئيمة ، وشخصية مستلبة، وأماطوا الأقنعة
الخادعة وجهروا بخبث المعتقد.
13- ومن الملاحظ دوما على هؤلاء المستلبين المخذلين أن الوطن إذا مر بفاجعة
نكصوا على أعقابهم وتواروا كأنهم أعجاز نخل منقعر.
14- هؤلاء ومن على شاكلتهم كمثل الطفيليات التي تكثر على حواف النهر، لكنها
لا يمكن أن تحيل الماء الطهور نجساً.
15- لسنا مجتمعا ملائكيا منزها عن الأخطاء، أو ساكنا لا يقبل التغيير، أو
جامدا لا يرغب التطوير.
16- بل نجزم أن معطيات الواقع تفرض انتفاضة شاملة في الاصلاح لمجاراة
الحاضر ومبشرات المستقبل.
17- لكننا في الوقت نفسه ندرك أن التغيير والتطوير لابد أن يتما وفق منظومة
القيم التي نؤمن بها.
18- آخذين بشروط النهوض الحضاري التي تحددها ثوابت ديننا ومعايير مجتمعنا
وملامح ثقافتنا.
19- ولذلك فإن المجتمع يرفض أن يقود المستلبون الركب ، حتى لا يصلوا به الى
التهلكة تحت مظلة المدنية المزعومة.
20- إن وعي المجتمع بصفاتهم كفيل بتعجيل لحظات فنائهم ، وما ظلمهم الناس
ولكن أنفسهم يظلمون.