|
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن
سيئات أعمالنا ، من يهده الله ؛ فهو المهتد ، ومن يضلل ؛ فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فهذه رسالة لطيفة ، اختصرتها من الكتاب النافع "صفة صوم النبي صلى الله عليه
وسلم في رمضان" للشيخ سليم بن عيد الهلالي ، والشيخ علي بن حسن الحلبي - حفظهما
الله - .
والهدف من اختصار هذه الرسالة تيسير العلم على عامة الناس .
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذه الرسالة ، وأن يجعل لها القبول ، والله
الموفق .
وكتبه
مجدي بن عبد الوهاب الأحمد
أبو مسلم
19شعبان 1418 هـ
فضائل الصيام
جاءت آيات بينات محكمات في كتاب الله المجيد ، تحض على الصوم ؛ تقرباً إلى الله
- عز وجل - ،وتبين فضائله ؛ كقوله - تعالى - :{ والصائمين والصائمات والحافظين
فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً
عظيماً } (الأحزاب : 35).
وقال - تعالى - :{ وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} (البقرة : 184) .
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم حصن من الشهوات لقوله صلى الله
عليه وسلم :{ يا معشر الشباب !من استطاع منكم الباءة (1)
فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع ؛ فعليه بالصوم ؛ فإنه
له وجاء(2) } (البخاري (5065) ومسلم (1400)) .
يتبين لك أخي المسلم من هذا الحديث أن الصوم يقمع الشهوات ، ويكسر حدتها ، وهي
التي تقرب من النار ، فقد حال الصيام بين الصائم والنار .
لذلك جاءت الأحاديث مصرحة بأنه حصن من النار ، وجُنَّةٌ (3)
يستجن بها العبد من النار ، قال صلى الله عليه وسلم :{ ما من عبد يصوم يوما في
سبيل الله ، إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفا } ( البخاري (2840)
و مسلم (1153) ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : { الصيام جنةٌ يسْتَجَنُّ بها العبد من النار } (
"صحيح الترغيب" (970) ) .
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : يا رسول الله ! دلني على عمل أدخل به
الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم :{ عليك بالصوم ، لا مثل له } ( "صحيح سنن
النسائي" ( 2097) ) .
فضل شهر رمضان
رمضان شهر خير وبركة ، حباه الله بفضائل كثيرة ؛ منها : أن الله - عز وجل -
أنزل فيه القرآن هدى للناس ، وشفاء للمؤمنين .
قال - تعالى -{ شهر رمضان الذي أُزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه }(البقرة : 185) .
وفي شهر رمضان ليلة هي عند الله - عز وجل - خير من ألف شهر ؛ ألا وهي ليلة
القدر، قال - تعالى - : { إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر
* ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر
* سلام هي حتى مطلع الفجر } (القدر) .
وفي هذا الشهر تصفد الشياطين ، وتغلق أبواب النيران ، وتفتح أبواب الجنان ، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا جاء رمضان ؛ فتحت أبواب الجنة، وغلقت
أبواب النيران ، وصفدت الشياطين } (البخاري (3277)، ومسلم (1079)).
أحكام الصيام
النية
(4)
:
إذا ثبت دخول رمضان بالرؤية البصرية ،
أو الشهادة ، أو إكمال العدة ، وجب على كل مسلم مكلف أن ينوي صيامه في الليل ،
لقوله صلى الله عليه وسلم : { من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له
(5)} ( "إرواء الغليل" (914) ).
ومن أدرك شهر رمضان وهو لا يدري ، فأكل وشرب ، ثم علم ، فليمسك ، وليتم صومه ،
ويجزؤه ذلك .
وقت الصوم :
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، قال :
( لما نزلت هذه الآية :{ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود} ؛ قال : فكان الرجل إذا أراد الصوم ؛ ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض
والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله بعد ذلك
:{ من الفجر} ، فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار ) . ( البخاري (1917)
ومسلم (1091) ) .
* الفجر فجران :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
الفجر فجران : فأما الأول ؛ فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة
(6) ، وأما الثاني ؛ فإنه يحرم الطعام ، ويحل الصلاة
(7) } ( "الصحيحة" (693)) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد(8)
وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر(9)} (
"الصحيحة"(2031) ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الفجر ليس الذي يقول هكذا - وجمع
أصابعه ، ثم نكسها إلى الأرض - ، ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على
المسبحة ، ومد يديه } (البخاري (621) ، ومسلم (1093)).
* ثم يتم الصيام
إلى الليل :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
إذا أقبل الليل من هاهنا ، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس ؛ فقد أفطر
الصائم } ( البخاري (1954)، ومسلم (1100 ) ).
وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة ، وإن كان ضوؤها ظاهراً ، فقد كان من
هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً ؛ أمر رجلاً ، فأوفى
(10) على شيءٍ ، فإذا قال: غابت الشمس ؛ أفطر ( "صحيح ابن خزيمة" (2061) ).
* السحور :
قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كتب
عليكم الصيام كما كتب على الذي من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة : 183) فكان
الوقت والحكم على وفق ما كتب على أهل الكتاب أن لا يأكلوا، ولا يشربوا، ولا
ينكحوا بعد النوم - أي : إذا نام أحدهم ؛ لم يطعم حتى الليلة القابلة - ، وكتب
ذلك على المسلمين ، فلما نُسخ ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحور
تفريقاً بين صومنا وصوم أهل الكتاب .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة
السحر} ( "صحيح الجامع" (4207) ) .
والسحور بركة ؛ لأنه اتباع للسنة ، ويقوي على الصيام ، وفيه مخالفة لأهل الكتاب
.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تسحروا فإن في السحور بركة } ( البخاري
(1923) ، ومسلم (1095) ) .
ومن أعظم بركات السحور أن الله - سبحانه - وملائكته يصلون على المتسحرين ، قال
صلى الله عليه وسلم : { السحور أكلة بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة
من ماء (11) ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين }(
"صحيح الترغيب" (1062) ).
* الإفطار :
قال صلى الله عليه وسلم : { لا يزال
الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون } ( "صحيح
الترغيب" (1067) ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر }
(12) ( البخاري (4 /173) ، ومسلم (1093) ).
إذا كان الناس بخير ؛ لأنهم سلكوا منهاج رسولهم ، وحافظوا على سننه ؛ فإن
الإسلام يبقى ظاهراً وقاهراً ، لا يضره من خالفه ، وحينئذ تكون الأمة الإسلامية
قدوة حسنة يتأسى بها ، لأنها لن تكون ذيلاً لأمم الشرق والغرب ، وظلاً لكل ناعق
تميل مع الريح حيث مالت .
* الفطر قبل صلاة
المغرب ، وعلى ماذا يفطر ؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : {
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن رطبات
فتمرات ، فإن لم يكن تمرات ؛ حسا حسوات (13) من ماء } (
"إرواء الغليل" (922 ) ) .
* ماذا يقول عند
الإفطار ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
للصائم عند فطره دعوة لا ترد } ( "إرواء الغليل" (903) ).
ومن الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد كان يقول صلى الله
عليه وسلم إذا أفطر : { ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله } ( "إرواء
الغليل" (5920) ) .
* ماذا يجب على
الصائم تركه :
اعلم أيها الموفق لطاعة ربه - جل شأنه -
أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الصائم أن يتحلى بمكارم الأخلاق وصالحها ، ويبتعد عن الفحش ، والتفحش ، والبذاءة ، والفظاظة ، وهذه الأمور السيئة وإن كان المسلم مأموراً
بالابتعاد عنها واجتنابها في كل الأيام ؛ فإن النهي أشد أثناء تأدية فريضة
الصيام .
لهذا جاء الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفعل هذه المساوىء ،
فقال صلى الله عليه وسلم : { رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش } (
"صحيح الترغيب " ( 1076 – 1077) ) فيجب على الصائم أن يبتعد عن الأعمال التي
تجرح صومه .
*
ما يباح للصائم فعله :
1 - الصائم يصبح
جنباً :
عن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما- :
{ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حُلم ،
فيغتسل ويصوم } ( البخاري (1930) ، ومسلم (1109) ) .
2 - السواك
للصائم :
قال صلى الله عليه وسلم: { لولا أن أشق
على أمتي ، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } ( البخاري (887 ) ، ومسلم (252) )
فلم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم من غيره ، ففي هذا دلالة على أن
السواك للصائم ولغيره عند كل وضوء وكل صلاة .
3 - المضمضة
والاستنشاق :
كان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق
وهو صائم ، لكنه منع الصائم من المبالغة فيهما.
قال صلى الله عليه وسلم : { ... وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً } ( "إرواء
الغليل " (90) ) .
4 - المباشرة
والقبلة للصائم :
ثبت عن عائشة - رضي الله عنها- أنها
قالت : صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وهو صائم،
ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه } ( البخاري (1927) ، ومسلم (1106) )
.
- ويكره ذلك للشاب دون الشيخ :
فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص ،
قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء شاب ، فقال : يا رسول الله !
أُقبل وأنا صائم ؟ قال : { لا } ، فجاء شيخ ، فقال : أٌقبل وأنا صائم ؟ قال : {
نعم } ، قال : فنظر بعضنا إلى بعض ، قال صلى الله عليه وسلم : { ... إن الشيخ
يملك نفسه } ( "الصحيحة" (1606) ) .
5 - تحليل الدم ،
وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية .
6 - الحجامة :
كانت من جملة المفطرات ثم نسخت ، وثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وهو صائم؛ عن ابن عباس- رضي الله عنهما - :
{ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم } ( البخاري (1939) ).
7 - ذوق الطعام :
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : (
لا باس أن يذوق الخل ، أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم ) . ( البخاري (3
/154) "الفتح" ) .
8 - الكحل والقطر
ونحوهما مما يدخل العين .
9 - صب الماء
البارد على الرأس والاغتسال :
كان صلى الله عليه وسلم يصب الماء على
رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر . ( "صحيح سنن أبي داود" (2072) ) .
مفسدات الصوم :
1 -
الأكل والشرب متعمداً (14) .
2 -
الجماع .
3 -
تعمد القيء :
قال صلى الله عليه وسلم : { من ذرعه (15) القيء ؛ فليس
عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض } ( "إرواء الغليل" (923) ) .
4 -
الحيض والنفاس :
إذا حاضت المرأة أو نفست في جزء من النهار سواء وجد في أوله ، أو في آخره ؛
أفطرت وقضت ، فإن صامت ؛ لم يجزئها .
قال صلى الله عليه وسلم :{ أليس إذا حاضت ؛ لم تصل ولم تصم؟ } قلن : بلى ، قال
: { فذلك نقصان دينها } (مسلم (79)).
5 -
الحقن الغذائية :
وهي إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء بقصد تغذية بعض المرضى ،فهذا يفطر
الصائم ؛ لأنه إدخال إلى الجوف، وأيضاً الحقن التي لا تصل إلى الأمعاء ، وإنما
إلى الدم ، فهي كذلك تفطر ؛ لأنها تقوم مقام الطعام والشراب ، وكذلك ما يأخذه
بعض المرضى المصابين بالربو القصبي ؛ فإنها تفطر .
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر :
1 - المسافر :
وردت أحاديث فيها تخيير المسافر في
الصوم ، ولا تنسى أن هذه الرحمة ذكرت في الكتاب المجيد .
قال - تعالى - :{ ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم
اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة : 185) .
سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ -
وكان كثير الصيام – فقال: { صم إن شئتَ ، وأفطر إن شئتَ (16)
} ( البخاري (1943) ، ومسلم (1121) ) .
2 - الشيخ الكبير
الفاني والمرأة العجوز :
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قرأ : {
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } ، يقول: (هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع
الصيام فيفطر ، ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً نصف صاع من حنطة ) ( البخاري (4505) )
.
3 - الحامل
والمرضع :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
إن الله - تبارك وتعالى - وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل و المرضع
الصوم - أو الصيام - } ( "صحيح سنن الترمذي " (718) ) .
القضاء :
عن ابن عباس -
رضي الله عنهما - ، قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا
رسول الله ! إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، فأقضيه عنها ؟
قال : { نعم ؛ فدين الله أحق أن يقضى (17) } ( البخاري
(1953) ، ومسلم (1148) ) .
أما من أفطر يوماً من رمضان عامداً ؛ فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلزمه قضاءاً
أو كفارةً ؛ لأن إثمه أعظم من أن يتداركه قضاء ، أو تجبره كفارة ، بل عليه أن
يتوب إلى الله – تعالى - ، ويَصْدُقُ التوبة ، ويكثر من عمل الصالحات ، وفعل
الطاعات ، عسى الله - تعالى - أن يمحو إثمه الذي اقترفه بفطره متعمداً
(18) .
* كفارة الجماع :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : (
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله ! هلكتُ ، قال
: { ما أهلكك} ؟ ، قال : وقعتُ على امرأتي في رمضان ، قال :{ هل تستطيع أن تعتق
رقبة} ؟ قال: لا ، قال : { هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين } ؟ قال: لا ، قال
: { فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا } ؟ ، قال: لا، قال: فاجلس ، فجلس ، فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم بعِرْق فيه تمر ، قال : { فتصدق به } فقال : ما بين
لابتيها أفقر منا ، قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، قال
: { خذه ، فأطعمه أهلك (19) }( البخاري (1936) ، ومسلم
(1111) ) .
وفي رواية أخرى زاد في آخرها :{ كُلْهَا أنت وأهل بيتك ، وصم يوماً ، واستغفر
الله} (20) ( "صحيح سنن أبي داود" (2096) ) .
قيام رمضان المعروف بـــ "التراويح"
(21)
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً ؛ غفر له ما تقدم من
ذنبه } ( البخاري (37) ، ومسلم (759) ) .
وصلاة القيام تشرع جماعة ، وعدد ركعاتها إحدى عشر ركعة ؛ لقول عائشة - رضي الله
عنها - : { ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة}
(22) ( البخاري (2013 ) ، ومسلم (736) ) .
ليـلة الـقــدر
* فضلها :
قال - تعالى - : { إنا أنزلناه في ليلة
القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر } (القدر).
* وقتها :
قال صلى الله عليه وسلم : { تحروا ليلة
القدر في العشر الأواخر من رمضان } ( البخاري (2020) ، ومسلم (1165) ) .
وقال صلى الله عليه وسلم :{ تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من
رمضان }( البخاري (2017)، ومسلم (1169) ).
* كيف يتحرى
المسلم ليلة القدر ؟
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : {
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ؛ شد مئزره (23)
، وأحيى ليله ، وأيقظ أهله } ( البخاري (2024) ، ومسلم (1174 ) ) .
وعنها - أيضاً - قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر
الأواخر ما لا يجتهد في غيرها }(مسلم (1174)).
* علاماتها :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
ليلة القدر ليلة سمحة ، طلقة ، لا حارة ، ولا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة
حمراء } ( "صحيح الجامع" (5475) ) .
الاعتكـاف
يستحب في رمضان
وغيره من أيام السنة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف آخر العشر من
شوال ، وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! إني كنت نذرت في
الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال : { فأوف بنذرك فاعتكف ليلة . (
البخاري (2042) ، ومسلم ( 1656) ) .
وأفضله في رمضان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من
رمضان حتى توفاه الله - عز وجل – (البخاري (2026 ) ، ومسلم (1173)) .
* شروطه :
قال - تعالى - : { ولا تباشروهن
(24) وأنتم عاكفون في المساجد} (البقرة : 187) .
وليست هذه المساجد على الإطلاق ، فقد ورد تقييدها في السنة المشرفة ، قال صلى
الله عليه وسلم : { لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة (25)
} ( "قيام رمضان" (ص36) ) .
وعن عائشة - رضي الله عنها - ، قالت :السنة فيمن اعتكف أن يصوم.( "صحيح سنن أبي
داود"(2473) ).
* ما يجوز
للمعتكف :
يجوز له الخروج لحاجته ، ويجوز له أن
يخرج رأسه من المسجد .
قالت عائشة - رضي الله عنها - : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه
وهو معتكف في المسجد وأنا في حجرتي ، فأرجله ، وإن بيني وبينه لعتبة الباب وأنا
حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً } (البخاري (2029)
، ومسلم (297)) .
ويجوز للمرأة أن تعتكف مع زوجها أو لوحدها ؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - : {
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ؛
ثم اعتكف أزواجه من بعده (26) } (البخاري (2026)ومسلم
(1173)).
زكــاة الـفـطـر
* حكم وأصناف زكاة الفطر ، وعلى من تجب :
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال :{ فرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
صاعاً (27) من التمر ، أو صاعاً من شعير على العبد ،والحر ،والذكر ،والأنثى
والصغير ،والكبير من المسلمين } ( البخاري (1503 – 1504) ومسلم (984) ).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال : ( كنا نـخْرِجُ في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام ، وقال : وكان طعامنا الشعير ، والزبيب ، والإقط ،
والتمر (28) ( البخاري (1510) ، ومسلم (985) ) .
* وقتها :
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : { ...من أداها قبل
الصلاة ؛ فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة ؛ فهي صدقة من الصدقات } .
أحاديث ضعيفة تنتشر في رمضان
1 -
{ لو يعلم العباد ما في رمضان ؛ لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها ، وأن
الجنة لَتزَيَّن لرمضان من رأس الحول إلى الحول ...الخ } وهو حديث طويل ( ابن خزيمة (1886) ) .
2 -
{ أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله
صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير ، كان كمن أدى
فريضة فيما سواه . . . وهو شهر أوله رحمة ، ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار. .
. الخ } ، وهو حديث طويل أيضاً (29) "الضعيفة" (871) ) .
3 -
{ صوموا ؛ تصحوا } ( "الضعيفة" ( 253) ) .
4 -
{ من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له ، لم يقضه عنه صيام
الدهر كله ، وإن صامه } ( "تمام المنة" (396) ) .
5 -
{اللهم لك صمنا ،وعلى رزقك أفطرنا ،فتقبل منا ، إنك أنت السميع العليم } (
"الكلم الطيب" (165) ).
6 -
{ صائم رمضان في السفر ؛ كالمفطر في الحضر } ( "الضعيفة" (498) ) .
7 -
{خمس تفطر الصائم ، وتنقض الوضوء : الكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والنظر
بالشهوة ، واليمين الفاجرة } ( "الضعيفة " (1708) ) .
8 -
{ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ؛ نظر الله - عز وجل - إلى خلقه ، وإذا
نظر الله - عز وجل إلى عبده ؛ لم يعذبه أبداً ولله - عز وجل - في كل ليلة ألف
ألف عتيق من النار } ( "الضعيفة " (299) ) .
9 -
{ شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض ، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر
}( "الضعيفة" (43) ) .
وليس يخفى أن بعض هذه الأحاديث تحوي معاني صحيحة ثابتة في شرعنا الحنيف كتاباً
وسنةً ، لكن هذا وحده لا يسوغ لنا أن ننسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس بثابت عنه ،
وبخاصة - ولله الحمد - ، إن هذه الأمة من بين الأمم كلها اختصها الله - سبحانه
- بالإسناد ، فبه يُعرف المقبول من المدخول ، والصحيح من القبيح ، وهو علم دقيق
للغاية ، ولقد صدق وبر من سماه : منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار .
وأخيراً ؛ أسأل الله العلي القدير أن يكتب لنا الأجر والثواب ، وأن يعلمنا ما
ينفعنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
-----------------
( 1 ) : هي المقدرة على الزواج بأنواعها كافة .
( 2 ) : المراد : قطع شهوة الجماع .
( 3 ) : أي : وقاية .
( 4 ) : النية محلها القلب ، والتلفظ بها بدعة ، وإن
رآها الناس حسنة .
( 5 ) : وتبييت النية مخصوص بصيام الفريضة ؛ لأن الرسول
صلى الله عليه وسلم كان يأتي عائشة في غير رمضان ، فيقول : { هل عندكم غداء ؟
وإلا فإني صائم }( مسلم (1154) ) .
( 6 ) : يسمى الفجر الكاذب : هو البياض ( الضوء )
المستطيل الساطع المصعد ؛ كذنب السرحان ( أي : الذئب ) .
( 7 ) : يسمى الفجر الصادق : هو الأحمر المستطير ( أي
ينتشر بياض الأفق معترضاً) ، وهذا هو الذي تتعلق به أحكام الصيام والصلاة .
( 8 ) : قال ابن الأثير في "النهاية" : أي : لا تنزعجوا
للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور .
( 9 ) : قال الخطابي في "معالم السنن" : ومعنى الأحمر
هاهنا : أن يستبطن البياض المعترض أوائل حُمْرَةٍ ، وذلك البياض إذا تتام طلوعه
، ظهرت أوائل الحمرة . (ط / دعاس (2/760) ) .
( 10 ) : أي : أشرف ، وأطلع .
( 11 ) : تنبيه : إذا أذن المؤذن وفي يدك كأس من ماء أو
كنت تأكل الطعام ؛ فكل وأشرب هنيئاً مريئاً ؛ لأنها رخصة من أرحم الراحمين على
عباده الصائمين .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا سمع أحدكم النداء ، والإناء في يده
؛ فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه } ( "صحيح سنن أبي داود" (2060) ).
( 12 ) : قال الحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري" (4
/199) : ( من البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل
الفجر بنحو ثلث ساعة ، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ، وقد جرهم ذلك
إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة - لتمكين الوقت زعموا - ، فأخروا
الفطر وعجلوا السحور ، وخالفوا السنة ، فلذلك قلَّ عنهم الخير ، وكثر فيهم الشر
، والله المستعان ) بتصرف.
( 13 ) : جمع حسوة ، وهي : الجرعة من الشراب .
( 14 ) : أما من كان نسياً ، أو مخطئاً ، أو مكرها ؛ فلا
شي عليه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه } ( "إرواء الغليل" (82 ) ) ، وليعلم الصائم الذي
أكل ناسياً أن الله هو الذي أطعمه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا نسي
فأكل وشرب ؛ فليتم صيامه ؛ فإنما أطعمه الله وسقاه }( البخاري (1933) ، ومسلم
(1155) ) .
( 15 ) : أي غلبه وسبقه .
( 16 ) : قد يتوهم بعض الناس أن الفطر في أيامنا هذه في
السفر غير جائز ، فيعيبون على من أخذ برخصة الله ، أو أن الصيام أولى لسهولة
المواصلات فهؤلاء نلفت انتباههم إلى قوله - تعالى - : [ وما كان ربك نسياً ]
(مريم : 64 )، وقوله : [ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] (البقرة : 232) .
( 17 ) : والمبادرة إلى القضاء أولى من التأخير ؛
لدخولها في عموم الأدلة على الإسراع في عمل الخير ، قال - تعالى - : [ وسارعوا
إلى مغفرة من ربكم ] (آل عمران : 133) ، وقوله : {أولئك يسارعون في الخيرات وهم
لها سابقون ) } (المؤمنون :61) .
تنبيه : لا يشترط في القضاء التتابع .
( 18 ) : بتصرف من كتاب "كفرات الصوم" لمصطفى عيد
الصياصنة .
( 19 ) : تنبيه : لا يلزم المرأة كفارة ؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم لم
يوجب إلا كفارة واحدة - والله أعلم - .
( 20 ) : وهذا الحكم يشمل الزوجة أيضاً ، إذ عليها أن
تقضي مكان اليوم الذي أفطرته بالجماع يوماً آخر ، وتستغفر الله - عز وجل - .
( 21 ) : سميت بالتراويح ؛ لأنهم كانوا يستريحون عقب كل
أربع ركعات ؛ لطول القراءة ، وظلت هذه الاستراحة حتى بعد أن صارت القراءة فيها
قصيرة جداً .
( وأما تسمية قيام رمضان بالتراويح ؛ فلا أصل لها ؛ لعدم ثبوتها عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، ولا أحدٍ من أصحابه ، وأيضاً لم يثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه كان يجلس
للاستراحة عقب كل أربع ركعات ) بتصرف ، راجع كتاب "إرشاد الساري إلى عبادة
الباري" - القسم الثالث – (ص75 ) للشيخ محمد إبراهيم شقرة - حفظه الله – .
وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه النافع "معجم المناهي اللفظية" ط / الأولى *
: الذي في السنة "قيام الليل" ، ولكن هذا اللفظ منتشر على لسان السلف كما في
"صحيح البخاري" وغيره - والله أعلم - .
* : هذا الكلام غير موجود في الطبعة الثانية ، فلا أدري لماذا ؟ !
( 22 ) : انظر الكتاب النافع "قيام رمضان" للشيخ محمد
ناصر الدين الألباني - حفظه الله - .
( 23 ) : أي : اعتزل النساء من أجل العبادة ، وشمر في
طلبها ، وجد في تطلبها .
( 24 ) : أي : لا تجامعوهن .
( 25 ) : انظر رسالة "الإنصاف في أحكام الاعتكاف"
لشيخنا الفاضل علي الحلبي - حفظه الله - .
( 26 ) : قال الشيخ الألباني - حفظه الله - وفيه دليل
على جواز اعتكاف النساء ، ولا شك أن ذلك مقيد بإذن أوليائهن لذلك ، وأمن الفتنة
والخلوة مع الرجال للأدلة الكثيرة في ذلك ، والقاعدة الفقهية : درء المفاسد
مقدم على جلب المصالح .
( 27 ) : الصاع : أربعة أمداد ، المد : حفنة بكفي الرجل
المعتدل الكفين ، وقدَّرَهَا أهل العلم المعاصرين بمقدار ثلاثة كيلوات إلا ربع
الكيلو .
( 28 ) : وهذا الحديث يفيد أنهم كانوا يخرجون زكاة فطرهم
من الطعام الذي يصلح للادخار، وإذ الأمر كذلك فأي طعام يشيع في الناس، ويكون
صالحاً للادخار، ويصبح قوتاً ؛ فإنه يكفي في زكاة الفطر ، ( بتصرف من كتاب
"إرشاد الساري" للشيخ محمد إبراهيم شقرة - حفظه الله - القسم الثالث (ص90) ) .
تنبيه :
لا يشرع إخراج زكاة الفطر بقيمة الطعام نقداً ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم
أمر بإخراجها طعاماً ، والصحابة - رضوان الله عليهم - لم يخرجوها إلا طعاماً
اتباعاً لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يحسن ، ولا ينبغي أن
نخالف هذا الشرع العظيم ، فالتزم أخي الحبيب بما أمرك الله ، ولا تعطل شعائر
الله - عز وجل - .
وقال الشيخ محمد إبراهيم شقره : وإن أعجب لشيء ، فإنما أعجب لأولئك الذين يرون
جواز إخراج زكاة الفطر قيمة الطعام نقداً ، إذ يقولون بأن النقد أعود بالفائدة
على الفقير ، فقد يحتاج كسوة له ولأولاده ، أو ربما كان في حاجة إلى شراء طعام
آخر يشتهيه ، وهذه الدعوة باطلة ؛ لأن الناس يحتاجون النقد في كل زمان مضى كما
يحتاجونه اليوم ، وكان في الصحابة أغنياء ، لديهم الكثير من الذهب والفضة ،
فلماذا يا ترى سكت الرسول صلى الله عليه وسلم عنهما ، ولم يعين قدر ما يكفي
لزكاة الفطر منهما ؟ ! وفي المسلمين فقراء ، وربما تكون حاجتهم للنقدين أشد من
حاجتهم للحنطة ، أو التمر ، أو الشعير ؟ ! إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينسى ؛ فإن الله -
سبحانه - لا ينسى [وما كان ربك نسياً] ، وهل ما نزل على النبي صلى الله عليه
وسلم من تحديد أصناف
صدقة الفطر ، وتحديدها بالطعام إلا وحي أوحى به الله إليه ؟ ! ولا يشك إنسان
أنه وحي، والوحي وحي ، وما يقولون به من القيمة رأي ، ورأي العقل لا يرد به
شرع الوحي . ( بتصرف "إرشاد الساري" (92) ) .
( 29 ) : ولشيخنا الشيخ علي الحلبي - حفظه الله - رسالة
كبيرة في تضعيف هذا الحديث ، سماها : "تنقيح الأنظار في تضعيف حديث : { رمضان
أوله رحمة ، ووسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار} " .