في الساحات يدور جدل حول صحة منهج كثير من الدعاة والمشائخ ، وكل واحد من
الفريقين قد جعل في أرشيفه فتاوى للشيخ ابن باز وابن عثيمين والالباني رحم الله
الجميع تؤيد ما يذهب اليه ..
فالذي يرى أنهم من أهل السنة والجماعة ، وهم دعاة يحملون صفاء العقيدة وصحة
المنهج لا يعدم ان يجد من أقوال هؤلاء العلماء وغيرهم ما يؤيد به قوله ، والآخر
يجد أقوالهم ملحوظات على طريقتهم وفكرهم ، وكل رجل من الفريقين يحاول أن يؤكد
أن قول الشيخ الفلاني هو الأخير ، وهذه قضية تؤسف حقا ،
حيث طال الأمر إلى درجة مملة ، أهلكت فيها الجهود ، وضيعت فيها الأعمار ،
وأهدرت فيها الطاقات ، حتى كأن الله تعالى خلقنا إما للدفاع عن شخص ، او
للنكاية به !
أين هي تلك الجهود التي تطلب منا لنشر الخير ،
وتعليم الجاهل والوقوف أمام الموجات العاتية من حركات " العلمانية " و "
التغريب " ، أين الجهود في حرب اولئك الذين يطعنون في سنة النبي صلى الله عليه
وسلم ، وينكرون حجيتها ؟ ، واين هو دور طالب العلم في الوقوف أمام تأويل
الجاهلين وانتحال المبطلين للشريعة ، واين هي الجهود بناء الامة والمساهمة في
نهضتها ، وتقديم المشروعات العلمية والعملية التي تساهم في الوقوف أمام سقوطها
الحضاري والذي سبب استحكام الأعداء ؟ !
هل صلحت حالنا ، وانتهت مآسينا ، ولم يبق لنا من
جهود سوى التحذير من دعاة وعلماء وفضلاء يجتهدون فيصيبون ويخطئون ويزلون ،
فيكون كل جهدنا في التحذير من فلان والدفاع عن فلان ، وتتبع زلاتهم وهناتهم ؟
...
والله انني لأحزن أشد الحزن حين أرى رجلا يسطر آلافا من
الصفحات وكلها في النكاية في شخص داعية واحد ، حتى يخيل اليك ان ذلك
الداعية شر محض لا خير فيه البتة ، وما ان تقرأ في كلام خصمه حتى تجد أنه كله
تكلف وتحميل الكلام مالا يحتمل ، ومعاملة القول بالظنون واللوازم ، بينما لا
تجد لهذا الانسان أي جهد في مواجهة العدو الذي يتفق الناس على انه عدو ، فهل
هذا أمر يرضي الله تعالى ؟؟
انني اتسائل :
أين تلك القيم التي يربي العلماء عليها طلاب العلم ؟؟
أين قولهم بأنه كل يؤخذ من قوله ويرد ؟
وأين قولهم بأنه لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل أصبحنا بهذا القبح والسوء إلى درجة اننا لم نعد نرى رجلا مشفقا على إخوانه
يلتمس لهم الأعذار ،
ويقدم حسن الظن على سوئه ، ويحاول جاهدا أن يذب عن عرض أخيه ؟!
إنها والله أدواء تمرض القلب ، وتنزع من الإنسان لذة المناجاة ، وتجعل قلبه
صلدا عندما يكون همه التشفي بالآخرين والطعن فيهم ، والتفنن في ايذاء خلص الأمة
وجوهرها وواسطة العقد فيها ، فهو يحاول ان يظهر القول الشين في حقهم ويخفي
القول الزين فيهم ، فيضرب أقوال أهل العلم بعضها ببعض حتى يصفو له " الطعن " في
داعية أو عالم او مجاهد .
أليس لهذا الأمر نهاية ؟
أليس للسائرين فيه غاية ؟
لماذا نجعل من " الدعاة " فرقانا بين الحق والباطل والله أكرمنا بالقران الكريم
وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فيها من الخير والنور والاشراق ما يجعلنا
نستغني عن كل شي سواها ، ولكننا في حمئة النعرات الجاهلية أصبحنا نهمل سيرته
عليه الصلاة والسلام ، ونهمل التأمل في لياليه وأيامه وهديه ، لاننا مشغولون
بفلان وعلان ، وهل هو ثقة ام مبتدع ، فلم نحصل الا الخسار والبوار .. عافانا
الله من سوء المنقلب !
يا الله ... كم نشوه صورة " السلفية " ، وكم نشوه
صورة " السنة " وكم نشوه صورة " الدعوة " حتى بات اعداؤنا ينظرون الينا ويقولون
: لقد كفونا مئونه حربهم وعدائهم ، فهو يتناوشون بالليل والنهار ، فشقوا لنا
طريقا سهلا للاختراق والافساد .
إننا بهذه الطريقة " ننشر غسيلنا " أما الذي يسوى
والذي ما يسوى ، ونشمت بنا الأعداء والحاسدين ، ومحصلة الامر خلاف حول مسائل
جزئية تضحك العاقل ، وشر البلية ما يضحك ، فناموا يا اعداءنا قريروا العين ،
فقد كفيناكم أنفسنا ...
إن الرجل الذي لم يعرف الدعوة ولا طلب العلم ينظر الينا
ويقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى فيه كثيرا ممن خلق ، لأنه ربما
يكون جاهلا في الشريعة ، او عنده قصور في العبادة والعمل ، ولكنه قد سلم من ان
يكون " نهاشا " لصفوة الناس ، ومجتهدا في اسقاط أهل الخير لتوهمه بأنهم مبتدعة
او ضلال او مفسدون ... فقارن تجد الفرق !