كتبه / د.محمد بن عدنان السمان
المدير التنفيذي لشبكة السنة النبوية وعلومها
بسم الله الرحمن الرحيم
تأتي فريضة ( الحج ) الركن الخامس من أركان الإسلام لتلتقي فيها الدنيا
والآخرة ، قال الله تعالى في سورة ( الحج ) : وَأَذِّن فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ
فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير) [
27-28] .
هذه المنافع ذكرها الإمام ابن كثير رحمه الله وغيره عن ترجمان القرآن : عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما حينما : قال : منافع الدنيا والآخرة ; أما
منافع الآخرة فرضوان الله ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن
والربح والتجارات . وكذا قال مجاهد ، وغير واحد : إنها منافع الدنيا
والآخرة .
ومن هذا المنطلق فقد حرص أهل العلم عند تفسير هذه الآية على ذكر جملة من
هذه المنافع الدنيوية والأخروية .
فإذا نظرت إلى المنافع الدنيوية فتجد في مقدمتها أن الحج مؤتمر إسلامي كبير
فيه يتحقق الاجتماع والتعارف بين ثلة كبيرة من المسلمين ، كما أن أصحاب
السلع والتجارة يجدون منافع لهم في موسم الحج ، ويكون لهم من حصول الأرباح
والتكسب ما لا يحصل لهم في غيره ، فالاجتماع الكبير للناس والمقدر
بالملايين مع إتيانهم من كل فج عميق يجعل من تنوع هذه التجارات مجالا
للتكسب والتربح .
ومن مظاهر المنافع الدنيوية أيضاً ما يحصل من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدي
والضحايا والكفارات عن محظورات الإحرام ، مما يكون فيه توسعة على فقراء مكة
وغيرهم .
أما المنافع الأخروية وهي المقصد الأسمى لهذه الشعيرة العظيمة فهي كثيرة
فالحج موسم ومؤتمر ، موسم عبادة فيه إقبال على الله ، وتعظيم لشعائر الله ،
وابتغاء لرضوان الله ، وطلب لرحمة الله ومغفرته ، وعفو الله ورحمته ، ففيه
تغفر الذنوب ، وتسكب العبرات ، وتستجاب الدعوات ، وتعتق الرقاب من النار ،
وتصفو فيه الأرواح وهي تستشعر قربها من بيته الحرام ، والحج المبرور ليس له
جزاء إلا الجنة .
و الحج مؤتمر تعاون واجتماع وتعارف ، يجتمع فيه النخبة من قادة المسلمين
وأولياء أمورهم وعلمائهم ودعاتهم فيتشاورون ، فتجتمع الكلمة ، ويتوحد الصف
.
وفي الحج يتحقق الاهتمام بكثير من أمور المسلمين من خلال التنسيق والتعاون
بين أهل الرأي ، والحل ، والعقد .
وفي الحج يلتقي المسلمون بنخبة من علمائهم فيتعلموا منهم ، ويقتدوا بهم ،
ويتفقهوا في دينهم .
وفي الحج من مظاهر عطف الأغنياء على الفقراء ، من بذل الصدقات المالية
والعينية من طعام وسقيا ونحوها مما يثلج الصدر، ويظهر للعالم أجمع مدى
التلاحم والتكاتف بين المسلمين .
وفي الحج مظهر عظيم من مظاهر البر والصلة ، فتجد الابن يحج بأبيه أو أمه
،فيذلل له الصعاب ، وييسر له العبادة ، ويتحمل في ذلك المشقة والجهد براً
بوالديه وابتغاءً لمرضاة ربه ، وطلباً للأجر والمثوبة .