الحج توحيد على التوحيد |
|
أ.د. ناصر بن سليمان العمر |
فَانظُر إلَى تَجرِيدِهِ التَّوحِيدِ مِن *** أسبَابِ كُلِّ الشِّركِ بِالرَّحمَنِ والله ما أعظمه من مشهد يبين سبيل الوحدة الإسلامية، ويوضح كيف كان على توحيد رب البرية، فانظر إلى جيل التوحيد وتمثل ما قاله الأول: أناسٌ مِن التّوحيدِ صِيغَتْ نُفوسُهُم *** فأنت ترى التّوحيدَ شَخصاً مُرَكبا فقد خلفت من بعد أولئك خلوف فتبدل الحال، فبينما يهل النبي _صلى الله عليه وسلم_بالتوحيد ويهل أصحابه به، يهل اليوم من يزعم حبه بنحو إهلال المشركين الأوائل الذين كانوا يقولون: لبيك الله لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. وإلى هنا كان إهلالهم بالنسك صحيحا، غير أنهم لا يقفون فيخلطونها بغيرها ويستثنون فيقولون: (إلاّ) وقف عند هذا الاستثناء، وتأمل لتر أن القوم كانوا يعبدون الله يحجون ويعجون ويثجون، يطوفون ويسعون ويقفون، إلاّ أنهم يستثنون؛ (إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك)، فهم يستثنون شِركاً يصرفون له شيئاً من العبادة؛ ولك أن تقول شيئاً من الدعاء أو النذر أوالذبح أوالاستغاثة وكلها عبادة، فيصرفون شيئاً منها له وهي حق الله المحض، لا لأنهم يعتقدون أن للشريك من الملك شيء، بل هم يعتقدون أن هذا المدعو لا يملك شيئاً (تملكه وماملك)، ولكن ليقربهم حبهم له ودعاؤهم وذبحهم (وغيرها من أضرب عبادتهم له) إلى الله زلفى، كما قال الله _تعالى_: "أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ" [الزمر:3]. واليوم يلبي بعض الحجيج ويهلون بالتوحيد ثم يخلطون ما خلطه الأوائل، فبعد أن يقول أحدهم: لبيك الله لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إلى أن يبح صوته، تسمعه وفي عرفات الله يقول بعدها ما حاصله: (إلاّ شريكاً هو لك)، فواحد يقول منشداً: فأغثنا يا من هو الغوث *** والغيث إذا أجهد الورى اللأواء! وآخر يردد:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث
العمم
فقارن –أخا التوحيد- هذا الذي يقولون، بقول المشركين: (إلاّ
شريكاً هو لك تملكه وما ملك). فَانظُر إلَى تَبدِيلِهِم تَوحِيدَهُ *** بِالشِّركِ وَالإِيمَانِ بِالكُفرَانِ *** كَم أَبطَلوا سُنَنَ النَبِيِّ وَعَطَّلوا *** مِن حِليَةِ التَوحيدِ أرض المنحر
إنه لحق على من رأى أمثال هؤلاء وشهد البون بينهم وبين نبيهم صلى
الله عليه وسلم وصحبه من بعده أن يسكب دمعة على الوحدة الإسلامية التي مزقت يوم
مزق سببها؛ التوحيد. فَلَيسَ عِندَهُمُ دينٌ وَلا نُسُكٌ *** فَلا تَغرَّكَ أَيدٍ تَحمِلُ السُبَحا
أسأل الله أن يجمعنا والمسلمين على كلمة التوحيد، وأن يؤلف بين
قلوب الموحدين، وأن يرزقنا وإياهم تجاوز الشقاق بتحقيق التوحيد وتكميله، كما
أشار ربنا _جل شأنه_ في قوله: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء:92]، فعقب بذكر التوحيد لما ذكر
وحدة الأمة، ونحوه قوله _سبحانه_: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ"، [المؤمنون:52]. |