وقفاتٌ وعبرٌ من سيرة الشيخ أحمد ياسين وحادثة اغتياله |
|
صالح بن فريح البهلال |
كذا المعالي، إذا ما رمتَ تدركها * فاعبر إليها على جسرٍ من التعب وهذه حال الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله – فلقد قعد عن الحركة منذ أن كان ابن ستة عشر عاماً، وعاش آخر سنوات حياته، وهو يكاد أن لا يستطيع أن يحرك أي جزءٍ من جسمه، ويكاد أن لا يبصر إلا قليلاً، ويعاني من ضعفٍ في السمع، والتهابٍ مزمنٍ في الرئة، وأمراضٍ أخرى، ومع ذلك كان –رحمه الله- يحمل همةً فتية، وروحاً وثَّابة، وعزماً لا يلين، يحطم الصخرة، ويفلّ الحديد، كأني به يردد: دعوني أُجِدُّ السعي في طلب العلا * فـأدرك سؤلي أو أموت فأعذرا ويردد:
سـأثارُ؛ لـكن لربٍ ودين * وأمضي على سنتي في
يقين ويردد: همتي همةُ الملوك، ونفسي * نفس حرٍّ ترى المذلة كفراً فلنسعَ جميعاً إلى رفعِ همَّتنا، واستنفارِ طاقاتنا، في سبيل هذا الدين الذي لا يرتضي ربنا دينا سواه، لسانُ حال أحدِنا:
ماضٍ، وأعرف ما دربي، وما هدفي * والـموت يرقص لي
في كل منعطف 2- أن هذا المصاب الجلل، في فقد الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- ينبغي أن نتلقاه بنفسٍ مؤمنةٍ رضيةٍ، عالمةٍ بأنه مقدرٌ ومكتوب؛ لأن الشيطانَ ربما استجرى بعضنا، فرأيت منه تعنُّتاً على القدر، وملامةً له، والحمد لله؛ فإن الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- قد نال أمنيةً كان ينتظرها، وإنا لنرجوا له حياةً أبدية، لا مرضَ فيها ولا كدرَ، وكأني به يقول:
أخي، إن ذرفتَ عليَّ الدموع * وبلَّلتَ قبري بها
في خشوع 3- وكذلك، فإن هذا المصاب الجلل، بفقد الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- ينبغي ألا ينفذ منه إلى قلوبنا هوانٌ ولا استكانة، أو يأسٌ في علو الإسلام، كيف وربُّنا قال ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وطريق الحق صعب، وطويل سُلَّمه، فقد عالج الأنبياء فيه مع أقوامهم أشد الأذى وانكاه، حتى نشر فيه زكريا بالمنشار، وذُبح السيد الحصور يحيى، وكذلك الصحابة، فقد بُقِرَ في سبيله بطن عمر، وقتل عثمان، واغتيل علي، - رضوان الله عليهم أجمعين-، إلى سلسلة طويلة لا تكاد تخفى لمن قلَّب طرفه في التاريخ، وإننا نحسب الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- من رواد هذا الطريق، فيا أخي، إياك واليأس؛ فإنه غاية العدو وشماتته بل:
كـفكف دموعك ليس ين * فعك البكاء، ولا العويل 4- أن هذا الاغتيال الآثم للشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- يرسِّخ يقيناً إلى يقيننا، بأن كل محاولات السلام مع هؤلاء اليهود، إنما هي عبثٌ وإضاعةُ وقت، كيف وقد قال ربُّنا (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ..) فليبشر اليهود، بأن دم الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- وغيره من الدماء الطاهرة، لن تذهب هدراً، بل لكم ميعادُ يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون.
اقـتلْ، ومـثِّلْ، وامـلأ الأجواء إرهاباً
وذُعْرا 5- أن كيفية هذا الاغتيال الآثم للشيخ أحمد ياسين رحمه الله يدل على مدى الحقد المستحكم في قلوب اليهود على هذه الأمة، وأنه عداءٌ أبديٌّ دائم، فنزداد إيماناً ويقيناً بقول ربنا:"وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " وقوله: "وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا.."، وقوله: " وَدَّ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لو يَرُدُّونَكُم من إِيْمَانِكُم كُفَّاراً حَسَدَاً مِن عِنْدِ أنْفُسِهِم مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لهم الحَقُ " .. ألا، فليسكت أولئك المبشرون بالسلام العالمي، والنظام الواحد الذي تنصهر فيه كل ثقافات الدنيا، سالكين في ذلك طرقاً شتى للوصول إلى بغيتهم، فسعوا إلى تغيير المناهج الشرعية، وتمييع القضايا العقدية، كقضية الولاء والبراء، تلك القضية التي بينها القرآن أعظم بيان، وأنَّى لهم بتغيير القرآن، وما أولئك الأغمار إلا: كـناطحٍ صـخرةً يوماً ليوهنها * فلم يَضِرْها، وأوهى قرنَه الوعلُ
6- لقد
أبان مقتلُ الشيخ أحمد ياسين رحمه الله حجمَ الضعف الذي وصلت له أمة الإسلام، حيث
صار حثالةٌ من شذَّاذ الآفاق، وقتلة الأنبياء، يمارسون ما يشاءون، دون توجُّس من
أمةِ المليار، وهذا كله بسبب ذنوبنا، فقد أخرج أحمد وأبو داود عن ثوبان –مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن
تداعى عليكم الأممُ من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول
الله، أَمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال:" أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكن تكونون غثاءً كغثاء
السيل، تُنْتَزَعُ المهابةُ من قلوب عدوكم، ويُجْعل في قلوبكم الوهن" قال: قلنا:
وما الوهن؟ قال: "حبُّ الحياة، وكراهة الموت"
شـمِّر وكـافح في الحياة فهذه * دنـياك دارُ
تـناحرٍ وكـفاحِ 7- لقد أعطى الشيخ درساً في آخر لحظات حياته، وهو أن المسلم الصادق صاحب العزم القوي، هو الذي يعتاد المسجد، فهو الذي يتوق للشهادة، ويستروح للجنة، فلقد رزق الشيخ الشهادة - نحسبه كذلك- عائداً من صلاة الفجر في المسجد:
علوٌ في الحياة وفي الممات * لحق تلك إحدى
المكرماتِ
فركضاً إلى المساجد أيها المسلمون، لتعُبُّوا من
الإيمان، وتَتَرَوَّوا من اليقين، فهذا هو المصداق على حب الجهاد والتضحية لهذا
الدين. |