|
شرع الله الأعياد في الإسلام لأغراض نبيلة ، ومقاصد عظيمة ، ومن أهم هذه
الأغراض وهذه المقاصد : المقصد السياسي للعيد ، فلا يستطيع أحد أن يغفل هذا
البعد والذي تكلَّم عنه كثير من مفكري الإسلام ، ومن أهم من تكلم عنه هو الأديب
الكبير والمفكر العظيم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي ففي رسالة له بعنوان "
المعنى السياسي للعيد " من كتابه القيم " وحي القلم " قال : فالعيد إنما هو
المعنى الذي يكون في اليوم لا اليومُ نفسُه ، وكما يفهم الناس هذا المعنى
يتلقون هذا اليوم .
ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوةَ تغيير الأيام ، لا إشعارها بأن
الأيام تتغير ؛ وليس العيد للأمة إلا يوماً تَعرض فيه جمالَ نظامها الاجتماعيّ
، فيكون يومَ الشعور الواحد في نفوس الجميع ، والكلمةِ الواحدة في ألسنة الجميع
؛ يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام ، لا القدرة على تغيير الثياب ... كأنما
العيد هو استراحة الأسلحة يوماً في شعبها الحربي .
وليس العيد إلا تعليمَ الأمة كيف تتسع روحُ الجوار وتمتدّ حتى يرجع البلدُ
العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناها العملي ، وتظهر فضيلة
الإخلاص مُسْتعْلنة للجميع ، ويُهدي الناس بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة
المحِبة ، وكأنما العيد روح الأسْرَةِ الواحدة في الأمة كلها .
وليس العيدُ إلا إظهار الذاتية الجميلة للشعب مهزوزة من نشاط الحياة ؛ ولا
ذاتيةَ َ للأمم الضعيفة ، ولا نشاطَ للأمم المستعبَدة ؛ فالعيد صوتُ القوة يهتف
بالأمة : اُخرجي يوم أفراحك ، اُخرجي يوماً كأيام النصر !
وليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزة بطابِعها الشَّعبي ،
مفصولة من الأجانب ، لابسة من عمل أيديها ، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها
وصناعتها ، ظاهرةً بقوّتين في إيمانها وطبيعتها ، مبتهجةً بفرحَين في دُورها
وأسواقها ؛ فكأنّ العيدَ يوم ٌ يفرح فيه الشعب ُ كله بخصائصه .
وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدّمة
في طريقها ، وترْك الصغار يُلقون دَرسَهم الطبيعيّ في حماسة الفَرح والبهجة ،
ويعلِّمون كبارهم كيف توضَع المعاني في بعض الألفاظ التي فرَغتْ عندهم من
معانيها ، ويبصِّرونهم كيف ينبغي أن تعملَ الصفاتُ الإنسانية في الجموع عمل َ
الحليف لحليفه ، لا عملَ المنابِذ لمنابذه ؛ فالعيد يومُ تسلُّط العنصر الحيّ
على نفسية الشعب .
وليس العيد إلا تعليمَ الأمة كيف توجِّه بقوّتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما
شاءت ؛ فقد وضع لها الدينُ هذه القاعدة َ لتخرِّج عليها الأمثلة ، فنجعل للوطن
عيداً مالياً اقتصادياً تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض ، وتخترع الصناعة
عيدها ، وتوجد للعلم عيده ، وتبتدع للفن مَجالي َ زينته ، بالجملة تنشيء لنفسها
أياماً تعمل عمل القُوّاد العسكريين في قيادة الشعب يقودهُ كلُّ يوم منها إلى
معنى من معاني النصر .
وهكذا لخَّص الرافعي المعاني السياسية للعيد وكأن الرافعي يحضر معنا هذه الأيام
ويستشعر معنا هذه الأحداث التي تمر بها مصرنا الحبيبية ، فنحن نريد أن نستشعر
هذا المعنى السياسي للعيد وذلك عن طريق استحضار أن :
الإسلام هو مصدر عزة هذه الأمة وأنه لا تقدم ولا نهضه بدونه لما يحمله من معاني
العمل والإنتاج والإحسان والتقدم والنهضة ، كذلك بما يملكه من أعظم الدوافع
التي تدفع المسلم للنهضة ألا وهي : تقوى الله عزوجل .
لا استقرار في المجتمع إلا بالوحدة والإخوة بين كل فصائل وقوى الأرض الواحدة ،
فمهما اختلفت الوجهات والمرجعيات فإنه يوجد من القواسم المشتركة الكثيرة والتي
نستطيع باستحضارها المضي قدماً نحو تقدم هذا البلد العزيز وهذه الأرض الطيبة .
لابد من وحدة الهدف ووضوح المراحل حتى نستطيع بقوتنا أن نصل إلى ما نتمناه
ونستحقه ، فليست البطولة بالأماني الفارغة ولا الشعارات الخاوية ولكنها
بالأهداف الموضوعة والعمل المتواصل والجهد البنَّاء .
هذه هي المعاني السياسية للعيد والتي يجب أن نعيشعا جميعاً ، فليس العيد مجرد
شعائر تؤدى وأقوال يلوكها اللسان ويرددها ، ولكنه معان يجب أن نعيشها حقيقة
ومضموناً
إعداد
حسام العيسوي إبراهيم
h_sneed79@yahoo.com