مع تحيات موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة                   www.55a.net

العلم والمعرفة

وسائل العلم عند الإنسان

لقد خلق الله للإنسان أجهزة عظيمة ليتمكن بها من اكتساب العلم والمعرفة وهي :

1) السمع 2) البصر 3) الفؤاد .

قال تعالى :(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78).

(1) جهاز الســـمع :

إنه نعمة كبرى على الإنسان ووسيلة من وسائل انتقال العلم من إنسان إلى آخر ، فيضيف الإنسان لعلمه علوم غيره التي اكتسبوها على مر العصور .

وآلة السمع (الأذن) تستقبل الأصوات من المنطقة المحيطة بنا ، وهي عضو مرهف الحساسية لاستقبال الأصوات(1)ويقوم المخ بفهم ووعي معاني تلك الذبذبات الصوتية القادمة من الأذن (2)

وقد أنعم الله على الإنسان بأن جعل له عتبات إحساس (حدوداً) تختص بكل حاسة من الحواس، فالإنسان يستطيع سماع أصوات ذات تردد معين من (20ذبذبة ـ 20.000 ذبذبة) في الثانية ، فإن زاد على ذلك فلا يَسمع وإن قل فلا يَسمع ، بينما تسمع بعض الحيوانات خارج هذا المدى زيادة أو نقصا (3). وهذا المدى المحدود لجهازنا السمعي لطف من الله بالإنسان لأنه يحجب عنه ضوضاء الأصوات التي يزخر بها الكون. كما يدلنا ذلك على أن هناك عوالم واسعة من الأصوات لا نستطيع سماعها. غير أننا نستطيع عن طريق جهاز السمع أن نتلقى أهم المعلومات المتعلقة بوجودنا : كالعلم بخالقنا وصفاته ، ورسوله إلينا ، ودينه الذي ارتضاه لنا ، والحكمة التي خلقنا من أجلها ، والمصير الذي ينتظرنا بعد موتنا ، وذلك عن طريق الوحي الذي حمله الرسل المؤيدون بالبينات والمعجزات الدالة على صدقهم وتلك هي الوظيفة الكبرى لجهاز السمع الفريد الذي لا يقدر أحد أن يهبه للمخلوقات إلا الله فلا يمكن للأطباء أن يهبوا سمعاً لأصم أو بصراً لأعمى أو عقلاً لمجنون، قال تعالى:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)(الأنعام:46) .

ولقد وهبنا الله هذا الجهاز السمعي ، كما وهبنا العقل لنميز بين الحق والباطل ولنسمع ونعقل ما جاءنا من الوحي والهدى. ويوم القيامة يندم الذين عطلوا أسماعهم عن أهم ما خلقت له فيقولون كما قرر القرآن الكريم :(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10-11) .

(2) جهاز الإبصار :

لقد جعل الله البصر وسيلة مهمة للعلم ، ومعظم الأشياء التي تدرك بحواس اللمس والذوق والشم يمكن أن تراها العين. وقد أحكم الله الوظيفة التي تقوم بها العين . فأعدها الخالق بتركيباتها الدقيقة(4) في عالم الظلام في الأرحام وهيأها لاستقبال الضوء الذي ستراه بعد الولادة وبعد خروجك من الرحم المظلم ، ذلك لأنه يريدنا أن نرى وأن نتمتع بهذه النعمة ، وإن أهم شيء يريدنا أن نراه هو آياته وآثار صفات أفعاله في هذا الكون المحيط بنا ، كما قال تعالى :(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الجاثـية:3) (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)(يونس:101)(فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الروم:50) .

ولا تستطيع عين الإنسان أن تعمل إلا في مدى محدود من الأطوال الموجية للضوء المرئي يترواح بين 4000 و 7000انجستروم(5)وهناك مدى واسع من الأطوال الموجية التي لا تراها العين .

صــورة للموجات الكهرومغناطيسية والضوء المرئي

إن آلة الإبصار تعمل في حيز ضيق من هذا الكون المترامي الأطراف وقد تنخدع في مجال عملها المحدود فترى العصا في حوض الماء مكسورة وهي ليست كذلك (ظاهرة انكسار الضوء) ، كما ترى المنازل من الطائرة بحجم علب الكبريت وهي ليست كذلك ، وترى الشمس بحجم قرص من الخبز وهي أكبر من الأرض بـ1.305.000مرة ، وقد تسحر العين فترى الأشياء على غير حقيقتها ، وقد ترى العين السراب ماءً وهو لا وجود له. إلا إن الله تعالى كمل قدرة العين بقوة العقل التي تميز بين الحقيقة من جهة والسراب والسحر والخداع البصري من جهة أخرى .

(3) الفـــؤاد :

إن المعلومات التي تأتي من السمع والبصر وسائر الحواس تعرض على الفؤاد ليعيها فبدون وعيه لها لا تعدو أن تكون إشارات لا معنى لها .

وقد ذهب العلماء في تحديد الفؤاد إلى ثلاثة أقوال(6):

1) القلب .

2) وسط القلب .

3) شغاف القلب .

والقلب مكان الفؤاد(7)وآلة العقل.(8) قال ابن كثير: "والأفئدة هي العقول التي مركزها القلب على الصحيح وقيل الدماغ، والعقل به يُميَّز بين الأشياء ضارِّها ونافِعِها" وذلك عند تفسيره قوله تعالى:(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)  (النحل:78) . وقد وصفت الآيات القرآنية الفؤاد بالصغو (وهو الميل) والهوى :قال تعالى : (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (الأنعام:113)

وقال تعالى : (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(إبراهيم:37).كما وصفت الآيات القرآنية الفؤاد بأنه يُقلَّب ويُثبَّت ويَفْرُغ. قال تعالى:(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الأنعام:110).

وقال تعالى :(وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)(هود:120)(وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً )(القصص:10).وقد وصف النبي r قلوب أهل اليمن وأفئدتهم بقوله r (أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً).(9)

العقـل

أ- تعريفه لغة :

العلم وهو نقيض الجهل من مادة : عقل يَعْقِل عَقْلاً : إذا عرف ما كان يجهله قبل. وهو : الحِجْرُ قال تعالى : (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (الفجر:5) أي لذي عقل "وسمي العقل عقلاً لأنه يعِقل عما لا يحسُن ، وسمي "حجراً" لأنه .. يحجر صاحبه عن القبيح(10).

والنُّهي : العقول كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى) (طه:54) أي لذوي العقول(11)يقال للرجل : إنه لذو نُهْيَة إذا كان ذا عقل. قال الزجاج : واحد النُّهى : نُهْيَة. يقال فلان ذو نُهْيَة : أي ذو عقل يَنْتَهي به عن المقابح ويدخل به في المحاسن ، قال : وقال بعض أهل اللغة : ذو النُهْيَة: الذي يُنْتَهي إلى رأيه .

ب- العقل في القرآن الكريم :

لم يرد لفظ "العقل" في القرآن الكريم وإنما جاء لفظه بصيغة ما تصرف منه بصيغة الفعل على النحو التالي : عقلوه ، نعقل ، يعقلها ، يعقلون ، تعقلون.(12)

يقول ابن تيمية : العقل في كتاب الله وسنة رسوله r وكلام الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وسائر أئمة المسلمين هو أمر يقوم بالعاقل سواء سُمّي عَرَضَاً أو صفة ، ليس هو عيناً بنفسها ، سواء سمي جوهراً أو جسماً أو غير ذلك(13).

ومعنى هذا أنه ليس عند الإنسان عضو ماديُُ مستقل يسمى العقل وإنما العقل عملية التعقل .

محدودية وسائل العلم والمعرفة

إن وسائل العلم عند الإنسان محدودة في قدرتها ومجال عملها والمدى الذي تعمل فيه ، فلا يرى الإنسان إلا ضمن مدى محدود من أطوال الموجات ، ولا يسمع إلا ضمن مدى محدود من الذبذبات وضمن مسافة محدودة ، ولا يحس إلا بما يلامس حواسه وتقدر الحواس على إدراكه.(14)

ولما كان عمل القلب والفؤاد يعتمد على ما يأتيهما من الحواس المحدودة كان مجال عملهما محدوداً بحدود الحواس ، فلو تعطلت جميع الحواس لما استطاع العقل والفؤاد أن يعلما ويعقلا أي معلومة. كما أن قدرة الإنسان على التفكير تختلط إذا خرج بها من حدود قدرتها ، فعندما يتعامل العقل مثلاً مع ما لا نهاية من الحساب () يجد نفسه متناقضاً مع مبادئ الحساب المعهودة.(15)

وإذا أراد أن يتفكر في أصغر جزء في الكون فسيصل إلى حيرة ومتاهة عندما يريد أن يتصور أصغر جزء في الكون !! وإذا تفكر في أكبر شيء سيجد أن قدرته على التصور لا تسعفه ! ولو حاول الإنسان أن يعلم ما سيكسب غداً على جهة القطع فلا يمكنه ذلك .

إن هذه المحدودية لوسائل العلم والمعرفة في المجال والقدرة حصرت الكثير من أهم وأخطر المعلومات المتعلقة بالإنسان في نطاق علم الغيب الذي لا يُعلم إلا بتعليم من الله عالم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى، كالمعرفة الكافية بالله وصفاته، وحقه علينا، ومعرفتنا بدينه الذي ارتضاه لنا ، ومعرفتنا بسر وغاية وجودنا على هذه الأرض ، ومعرفتنا بمستقبلنا الذي ينتظرنا بعد الموت ، ومعرفتنا بأسباب الفلاح في الدنيا والآخرة. لذلك أرسل الله الرسل إلينا لتكميل علمنا بهذه العلوم العظيمة .

قانون المعرفة العلمية في العلوم التجريبية :

كان فرنسيس بيكون أول من نقل المبدأ العلمي (قانون المعرفة العلمية) إلى أوربا ، ولا شك أن ذلك جاء نتيجة لتأثر الأوربيين بالعلوم التي كان يُدرِّسها المسلمون في الأندلس والجامعات المتاخمة لأوربا ، مهتدين بقوله تعالى :(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)  (الإسراء:36)

وقامت النهضة العلمية الحديثة على هذا المبدأ الذي يقوم على التجربة الحسية التي تقود إلى المعرفة العلمية اليقينية.(16) وينص القانون العلمي للمعرفة على أن :

التجربة + المشاهدة + الاستنتاج العقلي الحقيقة العلمية .

فنحن نشاهد التجربة ، ونراقبها ، ونعرف مقدماتها ، ونتابع سيرها ونلاحظ نتائجها ، ثم بالعقل نستنتج الحقيقة العلمية التي ربطت بين ما شاهدناه أولاً في مقدمة التجربة وبين ما شاهدناه ثانياً في نتائجها فالحقيقة العلمية إذاً هي ما استنتجته العقول مما أدركته الحواس .

وبعض الظواهر كسير الفلك أو عمل الأجسام الحية لا يمكن إجراء التجربة عليها ولكن الظاهرة المشاهدة تقوم مقام التجربة وبالتالي فإن :

الظاهرة + المشاهدة + الاستنتاج العقلي الحقيقة العلمية .

فالحقيقة العلمية هي : ما تستنتجه العقول من التجارب والظواهر المشاهدة، فالحقيقة العلمية مستنبطة من المشاهدة وليست هي المشاهدة نفسها ، فعلى سبيل المثال :

1- ثلج + حرارة ماء .

هذه حقيقة علمية إلا أننا لا نشاهد الحرارة حين تتحد بجزئيات الثلج وتصهرها وتحولها من مادة جامدة إلى مادة سائلة ، إنما نشاهد الثلج ومصدر الحرارة وقد قرب من الثلج ثم نشاهد بعد ذلك الماء وهو في حالة سائلة ، فنستنتج الحقيقة العلمية التي لا نشاهدها وهي أن الحرارة تصهر الثلج .

2- أكسجين + أيدروجين حرارة ماء .

هذه حقيقة علمية كيميائية استنتجناها من مشاهدتين :

المشاهدة الأولى : شاهدنا الأكسجين والإيدروجين ثم إدخال الحرارة عليهما .

والمشاهدة الثانية : شاهدنا تكون الماء بعد إدخال الحرارة على تركيب كل منهما، لكن أحداً لم يشاهد أبداً عملية اتحاد ذرات الغازين وقيام الحرارة بعملية توحيدهما التي نتج عنها الماء (لأن الذرات والحرارة لم تر إلى اليوم) .

إدراك الأثر هو حقيقة المعرفة العلمية :

إذا تعمقنا قليلاً نجد : أن الصورة التي نشاهدها للشئ ليست حقيقته إنما هي ما فهمه الوعي في مركز الإبصار في المخ مـن أثر الإشارات التي يحملهـا العصب البصري فـي العـين ، والتي حدثت فـي العصب البصري بتأثــير أضواء الصورة الساقطة علـى شبكية العين ، ولقد كانت هذه الأضواء نتيجة صورة العين لتأثير الجسم المشاهد على الأشعة الساقطة عليه من الشمس أو من مصباح .فالرؤية البصرية للشيء ليست إلا إدراكاً ووعياً وفهما لآثار الألوان المختلفة الساقطة من أي جسم على الشبكية .وكذلك السمع ليس إلا إدراكاً وفهماً ووعياً لأثر اهتزازات الهواء على العصب السمعي. والمواد التي نشمها لا ندرك حقيقتها ، وصفة تركيبها بمجرد الشم ، ولكننا نفهم وندرك ونعي آثار هذه المواد عن طريق الإحساس بواسطة الأعصاب الشمية ، والمواد التي نطعمها لا ندرك حقيقتها وإنما ندرك آثارها على أعصاب الذوق ثم نفهمها ونعيها بآثارها ، وكذلك المواد المحسوسة جميعها تدرك وتفهم وتوعى بآثارها على الأعصاب الحسية ، وأيما شئ لا يحدث أثراً على أعصاب الرؤية أو السمع أو الشم أو اللمس أو الذوق فلا سبيل لنا لمعرفة أي شئ عنه إلا بصنع أجهزة يحدث فيها ذلك الشئ أثراً. فليس العلم بالحقائق والأشياء ملامسة لها أو اتصال العقل مباشرة بها ، إنما العلم يأتي عن طريق عرض آثار الأشياء والحقائق على الحواس أو على أجهزة الكشف العلمية ثم وعي وفهم وإدراك معنى هذه الإشارات بفعل ما زود الله الإنسان به من قوة عظمى لفهمها وعقلها .

أساس الإيمان بالله

إن المنهجية السابقة الموثوقة للعلم هي نفس المنهجية التي عرفنا بها الله سبحانه ، أما العلم بما يتعلق بالله سبحانه فله طرق نجملها فيما يأتي :-

الطريق الأول : طريق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، بعد أن أيدهم بالمعجزات المقنعة ، فعرفونا بربنا وخالقنا وما له من صفاتٍ وأفعال جلالٍ وكمال وما يتنزه عنه من صفات .

الطريق الثاني : آيات الله في مخلوقاته ، فقد دلنا الرسل على طريق منظور لمعرفة قدرة الله وبعض صفاته عن طريق إدراك آثار تلك الصفات فيما نشاهده من آيات في أنفسنا وفي الأرض والسموات. فهذه الآثار المشاهدة دليلُُ على من خلقها وأوجدها من العدم ، كما أنها دليل على بعض صفاته. فإذا رأينا أثر الحكمة في تضاعيف الكون دلتنا على أنها من صنع حكيم ، وإذا رأينا تدبير الأرزاق للكائنات كلها شهد لنا ذلك أنه من صنع الرزاق ، وإذا نظرنا إلى تقدير ما ستحتاج إليه المخلوقات شهد لنا ذلك أنه من صنع العليم الخبير ، وإذا رأينا سنن حفظ الكائنات والموجودات شهد لنا ذلك أنه من صنع الحافظ ، وإذا رأينا وحدة البناء وتكامل الكون شهد لنا أنه من صنع الواحد الأحد ، وهكذا نعرف الكثير من صفات ربنا عن طريق النظر في آثارها المشاهدة .

الطريق الثالث : الدليل العملي (الدعاء والإجابة)

إن أعلى ما وصلت إليه البشرية من منهج علمي في مجال العلوم التجريبية لمعرفة الحقائق هي المشاهدة في المعامل والمختبرات لآثار تلك الحقائق ، وإن إيمان المؤمنين بربهم يتأكد بطريقة عملية مشاهدة ، يراها الناس ، وتتمثل في إجابة الله لدعاء الداعين في قضاء شتى الحاجات في سائر الأوقات كإغاثتهم بالأمطار بعد طول جفاف ، أو إنزاله للشفاء بعد مرضٍ معضل ، أو تفريجه لكُربٍ استحكمت حلقاتها ، أو تنزيله لنصر على المؤمنين في معارك غير متكافئة مع الكافرين. والحياة تزخر بهذه المشاهدات العلمية التي تدل كل عاقل على أن الله حي قيوم سميع مجيب قريب. قال تعالى:(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)(النمل:62)(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة:186).

الطريق الرابع : الأدلة العقلية فقد منح الله الإنسان قلباً يعقل به الحقائق ويرفض الأباطيل وجعله وسيله لمعرفته سبحانه بما يجزم به من الحقائق العقلية مثل :

1) العدم لا يخلق شيئا :

دلت جميع الأبحاث على أن جميع المخلوقات قد كانت عدماً ، وانتقالها من العدم إلى الوجود لا يكون إلا من صنع الخالق سبحانه ؛ لأن العدم لا يفعل شيئاً .

2) المخلوقات آثار مشاهدة لبعض صفات الخالق :

فعندما ترى في الكون آثار القدرة وآثار الحكمة وآثار الخبرة وآثار العلم وآثار الرحمة وآثار الوحدة ، تدلك الآثار على أنها من صنع القادر الحكيم الخبير العليم الرحيم الواحد الأحد سبحانه .

3) فاقد الشيء لا يعطيه :

وإذا تأملت في الوجود كله لا ترى في شيء من هذه المخلوقات من يتصف بالصفات السابقة. فيعلم بذلك استحالة نسبة الخلق إلى شيء من هذه المخلوقات مفردة أو مجتمعة ، ففاقد الشئ لا يعطيه ، بل تشهد هذه الصفات أنها ليست لهذه المخلوقات وإنما هي صفات خالق هذه المخلوقات سبحانه وتعالى .

4) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا :

وإذا تأملت التكامل والاستقرار والثبات في بناء الكون دل ذلك على أنه يسير وفق إرادةٍ واحدةٍ لا منازع لها ، هي إرادة الخالق سبحانه وتعالى ، كما قال تعالى :(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)(الأنبياء:22).

وهكذا سائر الأدلة العقلية التي تنير الطريق أمام صاحبه لمعرفة ربه سبحانه وتعالى .

الطريق الخامس : دليل الفطرة : فقد فُطِرَ الإنسان على الشعور بأن له ولهذا الكون خالقاً يحكمه ويتصرف فيه فيلجأ إليه فطرياً إذا أحاطت به المخاطر والشدائد كما قال تعالى :(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً) (الإسراء:67).(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحديد:25)

أساس الإيمان بالرسول

ولكي يطمئن الناس إلى صدق الرسل ويبتعدوا عن تكذيبهم فقد أيدهم الله ببينات قاطعة تثبت صدقهم لكل صاحب عقل مستعد لقبول الحق قال تعالى  (الحديد:25) ومن تمام إقامة الحجة بهذه البينات (المعجزات) أن جعل الله لكل رسول بينة تتناسب مع ثقافة قومه وعلومهم ، وأيد الله محمداً r بأنواع عديدة من المعجزات تتناسب مع بني البشر قاطبة من زمنه r وحتى قيام الساعة على اختلاف ثقافاتهم وأزمنتهم وأماكنهم ومستوياتهم العقلية كما سبق بيانه في الجزء الأول وكما سيأتي بيانه في بينات الرسول r، والتي دخل على أساسها آلاف الملايين من البشر في الإسلام على اختلاف الأماكن والأزمنة والعلوم والثقافات .

العلم والمعرفة واليقين

العلم والمعرفة :

خلق الله سبحانه للإنسان أدوات للعلم والمعرفة ، ليصل بها إلى اليقين في إيمانه بالله ورسوله واليوم الآخر وكلِّ ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى. وسنتناول في هذا البحث الطرائق العلمية والمعرفية الموصلة إلى اليقين .

العـلم :

1- لـغة :- مصدر عَلِم يعلَم ، مأخوذ من مادة ع ل م التي تدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره، وهو نقيض الجهل ، وعلمتَ الشيء : إذا عرفته. وعلم بالشيء : شعر به ، وعلم الأمر : أتقنه .(17)

2- اصطلاحاً : للعلماء عبارات مختلفة في تعريف العلم حاصلها : "أن العلم هو إدراك الشيء المعلوم على ما هو عليه إدراكاً حقيقياً مطابقاً للواقع".(18)

المعرفـة :

1- لغة : مصدر من عرفه يعرفه ، وعرفه : علمه ، فيكون العلم بمعنى المعرفة(19) ، والمعرفة ضدها الإنكار ، ومنه المعروف والمنكر.(20)

اصطلاحاً : هي العلم بالشيء على حقيقته ، وتكون في الغالب مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم .

وللعلماء عبارات مختلفة في بيان معنى المعرفة قريبة من تعريفهم للعلم إلا أن العلم يسبق بالجهل والمعرفة تسبق غالباً بنسيان أو غياب .

وقال ابن قيم الجوزية : المعرفة تتعلق بذات الشيء والعلم يتعلق بأحواله.

وقال : "المعرفة تكون في الغالب لما غاب عن القلب بعد إدراكه فإذا أدركه قيل عرفه".(21)

مراتب الإدراك :

ينتقل الإنسان في مراتب (العلم والمعرفة) بالأشياء كالآتي :

الوهم : تصور الشيء مع احتمال ضد راجح .

الشك : تصور الشيء مع احتمال ضد مساو .

الظن : تصور الشيء مع احتمال ضد مرجوح .

العلم : العلم بالشيء ومعرفته على حقيقته .

اليقين : وهو درجة من العلم والمعرفة لا يتطرق إليها الشك .

اليقـين :

1- لغة : مصدر يَقِن ، راجع إلى مادة (ي ق ن) التي تدل على زوال الشك يقال يَقِن الشيء : ثبت وتحقق ووضح وزال الشك عنك فيه واليقين : العلم الذي لاشك معه(22). قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)(البقرة:4)(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(الحجر:99)(23) أي الموت .

2- اصطلاحاً : جاء اليقين في القرآن دالاً على العلم الجازم القائم على الدليل كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75) كما دل القرآن على أن اليقين هو العلم الذي يطمئن إليه القلب كما في قصة إبراهيم الخليل مع ربه سبحانه. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260) وحاصل كلام العلماء في اليقين : أنه درجة من العلم لا تقبل الشك. قال الكفوي : اليقين أن تعلم الشيء ولا تتخيل خلافه.(24)

وقال التهانوي : هو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت ، أي الذي لا يزول بتشكيك المتشكك.(25)

ولما كان اليقين درجة عالية من التصديق والعلم أثنى الله سبحانه على الموقنين في إيمانهم في كتابه كثيراً. قال تعالى في وصف أهل الفلاح والإيمان:(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ + أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(البقرة:4-5) وأخبر سبحانه أن الصبر مع اليقين سبب لنيل الإمامة في الدين ، فقال سبحانه  (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)(السجدة:24-25) وبين النبي r أن اليقين أعلى الدرجات التي ينالها العبد، فقال : (اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ).(26)

وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :- اليقين الإيمان كله.(27)

مراتب اليقين :

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :- ولليقين ثلاث مراتب :

علم اليقين وهو التصديق التام به ، بحيث لا تعرض له شبهة ولا شك كعلم المؤمن بالجنة والنار مثلاً .

عين اليقين وهي مرتبة الرؤية والمشاهدة ، كما قال تعالى  (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)(التكاثر:7) ، وبين هذه المرتبة والتي قبلها فرق ما بين العلم والمشاهدة ، فعلم اليقين للسمع ، وعين اليقين للبصر، وفي المسند مرفوعاً :- (ليس الخبر كالمُعاينة)(28) ، وهذه المرتبة هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه عندما طلب منه أن يريه كيف يحي الموتى ، ليحصل له مع علمِ اليقين عينُ اليقين ، فيسكنَ القلب عند المعاينة، ويطمئن لقطع المسافة بين الخبر والعيان .

حق اليقين : هو مباشرة الشيء بالإحساس به، كما إذا أدخل المؤمن الجنة وتمتع بما فيها من النعيم .

فالمؤمنون في الدنيا في مرتبة علم اليقين ، وفي الموقف حين تزلف الجنة وتقرب منهم حتى يعاينوها في مرتبة عين اليقين ، وإذا دخلوا الجنة وباشروا نعيمها في مرتبة حق اليقين .

مثال : وقد مثل بعضهم لهذا مثلاً حسناً ، وهو أنه إذا أخبرك من تثق به أن لديه عسلاً حصل بذلك عندك علم اليقين ، فإذا رأيت ذلك العسل فذلك عين اليقين، فإذا ذقت ذلك العسل حصل لك حق اليقين.(29)

كيف نصل إلى اليقين في إيماننا بالله ورسوله :

ويصل العبد إلى علم اليقين بالله ووحدانيته عن طريق النظر في آيات الله في الكون ، وعن طريق مشاهدة إجابة الله لدعاء عباده ، وعن طريق التعلم من كتابه وسنة رسوله وعن طريق الفوز بالنور الذي ينور الله به المؤمنين. قال تعالى :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )(الأنعام:122) وعن طريق العمل بالطاعات من الفرائض والنوافل ، ويصل العبد إلى اليقين بصدق الرسول عن طريق النظر في معجزاته وبينات رسالته .

وقال أبو العباس ابن تيمية : وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء :

أحدها : تدبر القرآن .

والثاني : تدبر الآيات التي يحدثها الله في الآفاق والأنفس التي تبين أنه حق.

والثالث : العمل بموجب العلم.(30)

العلم والتقوى

أثبت العلم التجريبي أن هناك علاقة بين الحالة النفسية للإنسان وبين قدرته على تلقي الحقائق واستيعابها فمتى أقبل الإنسان على تلك الحقائق راغباً فيها ازداد لها فهماً ، وازداد بها تأثراً فتزداد له جلاءً ووضوحاً .

وإذا كانت تلك الحقائق متعلقة بالعلم بالله ورسوله وهدايته ، فإن الله يكافئ العبد المقبل على ذلك العلم وتلك الهداية بزيادة الهداية وفتح أبوابها أمامه كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)(محمد:17) .

وعندما تهيمن التقوى على النفس تزداد الحساسية في نفس صاحبها للتحري في المواقف والآراء والنظرات لمعرفة الحق والباطل، فيرزقه الله ملكة للتفريق بين الحق والباطل كما قال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)  (الأنفال:29) .

ومتى انصرف الإنسان عن حقائق العلم وتغافل عنها ،فإن فهمه لها يقل وتأثره بها يضعف ،أما إذا كان في موقف نفسي رافض لتلك الحقائق فإن استقباله لها يكون مشوشاً ومهزوزاً كاستقبال المرء لحجج خصمه ، فيعمى عن فقه حقائقها ودلائلها .

وإذا كان الرفض النفسي متعلقاً بالهداية الإلهية والزيغ عنها بعد معرفتها والانصراف عن حقائق الهدى فإن الله يعاقب الرافضين لها بطمس بصائرهم وصدِّ قلوبهم عن الهدى، كما قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(الصف:5) .

كما أن التكبر في الأرض بغير الحق ، والإعراض عن سبيل الرشد(31) ، واتباع سبيل الغي(32) ، والتكذيب بآيات الله والغفلة عنها سبب لصرف أهلها عن آيات الله الهادية إلى الرشد كما قال سبحانه (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)(الأعراف:146).

والذين لا يؤمنون بآيات الله ويردونها ابتداءً من أول مرة تعرض عليهم ، يعاقبهم الله بأن لا تثبت قلوبهم على شيء وترد عن كل أمر كما قال ذلك ابن عباس(33) رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الأنعام:110).

ومن ختم الله على قلبه بسبب كفره فلا ينتفع بعد ذلك بنصح ولا موعظة. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون+خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:6-7) .

ومن اتبع هواه يأتمر بأمره بعد إذ جاءه الهدى والعلم وجعل الهوى معبوداً له، فإن الله يختم على سمعه وقلبه ويجعل على بصره غشاوة فلا يستطيع أحد بعدئذٍ أن يهديه. قال تعالى:(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(الجاثية:23).

وهكذا يتأكد لنا أن هناك علاقة بين الحالة النفسية للإنسان وقدرته على تلقي الحقائق واستيعابها .

تعطيل وسائل العلم عن أهم وظائفها

هناك عوامل نفسية مؤثرة تحجب أدوات العلم عن معرفة الحقيقة وتعبئ النفس بمشاعر رافضة لدلائل الحق ومؤثراته ، ومن هذه العوائق والحجب ما يأتي:-

1- الغفلة : وهي ترك متابعة الهدى إهمالاً له. قال تعالى عن الكافرين الذين يعطلون أدوات العلم : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف:179) .وقال سبحانه(ِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ+أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يونس:7-8) .وقال تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1) .ويقال للكافر يوم القيامة : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(ق:22) .

2- التقليد : وهو ترك متابعة الهدى اتباعاً لغير الرسل كالآباء والسادة والكبراء وغيرهم. قال تعالى : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ+ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُون+قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)(الزخرف:22-24) ويعترفون يوم القيامة في ندامة قائلين كما ذكر الله عنهم حيث قال سبحانه :  (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا)(الأحزاب:67) .

3- الشك والظن : وهو ترك متابعة الهدى تشككاً واحتمالاً للظن الباطل فيه. قال تعالى مبيناً تشكك الكافرين تجاه الرسل :(إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (إبراهيم:9) .

وبين سبحانه أن تشكك الكافرين إنما هو لعب واستهزاء منهم. قال سبحانه: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ)(الدخان:9) كما بين أن الكافرين لا يتبعون العلم وإنما يتبعون الظن ، فقال سبحانه :(وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(النجم:28) (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ)(الجاثـية:32).

ومرض الشك لا يدوم مع صاحبه إلا إذا ألزم نفسه الابتعاد عن الحق والهدى والانصراف عن الحجج والبينات الواضحة ، ولذلك يستحق صاحبه العقوبة جزاء إعراضه عن الحق والهدى .

4- الكِبْر : وهو ترك متابعة الهدى والحق استعلاءً وأنفةً ، وهو أعظم موانع قبول الحق والهدى، وقد عرّفه النبي r بأنه : "بطر الحق وغمط الناس"(34) أي إنكار الحق ، واحتقار الناس .

قال سبحانه مبيناً حال الكافر في رده الحق : (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(الجاثية:8) .وقال تعالى مبيناً استكبار الكافرين عن شهادة الحق :(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ  يَسْتَكْبِرُونَ+وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)(الصافات:35-36) .

وقال سبحانه :  ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً+اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ )(فاطر:42-43) .

وبين سبحانه عاقبة المستكبرين عن عبادته فقال سبحانه :(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر: من الآية60) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الأعراف:36) .

ولعظم خطورة الكبر في الصد عن الحق قال النبي r: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر … ".(35)

6- الهوى : وهو ترك متابعة الهدى ميلاً إلى شهوةٍ نفسية .

قال تعالى :(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص:50) .

وقال تعالى:(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(الجاثية:23) .

وأخبر سبحانه أن الذين لا يستجيبون للهدى من الله إنما يتبعون الهوى قال سبحانه (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(القصص:50) .

وهذه العوائق التي تعطل وسائل العلم عن أهم وظائفها ينتج عنها آثار سيئة في قلوب أصحابها ، ومن ذلك ما يأتي: (36)

أ) عمى القلب : قال تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج:46) .

قال البغوي : العمى الضار هو عمى القلب ، فأما عمى البصر فليس بضار في أمر الدين.(37)

قال ابن القيم :- من عقوبة المعاصي أنها تعمي بصيرة القلب ، وتطمس نوره ، وتسد طرق العلم ، وتحجب مواد الهداية .

ب) الران : وهو من الحجب التي تغطي القلب نتيجة المعصية. قال تعالى:(كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(المطففين:14) .

وأصل الرين : الطبع والدنس ، والرين كذلك : الصدأ الذي يعلو السيف والمرآة . وكل ما غطى عليه فقد ران عليه .

قال النبي r : (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الران الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ").(38)

قال الحسن البصري في تفسير الران :- هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب. فالذنوب كالوسخ والصدأ على القلوب .

وقال القاسمي رحمه الله في معنى قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14) . أي غطى على مداركهم ما اكتسبوه من الآثام حتى كدر جوهرها وصار صدأً عليها بالرسوخ فيها .

ج) القفل على القلب : قال تعالى :(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(محمد:24) .

قال المفسرون في معنى القفل هنا :- أي على قلوبٍ أقفالُُ جعلها الله عز وجل فأصحابها لا يعقلون ، لأنهم لم يتفهموا القرآن.(39)

ويفهم من هذا أن تدبر القرآن واتباع منهجه سبب لفتح أوفك هذه الأقفال .

د) الطبع على القلب : قال تعالى : (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(غافر:35) .

وأصل الطبع : الصدأ يكثر على السيف وغيره.(40)

فالمطبوع على قلبه لا يعي ما جاءه من الحق لأنه محصورُُ في شهواته وغَيِّه. والتكبر عن الحق من أسباب الطبع على القلب كما في الآية المذكورة، وكذلك من أسبابه الكفر والمعصية. قال تعالى :(41) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:155) .

وفي الحديث النبوي : "من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه".(42)

والطبع يكون على القلب والسمع والبصر أيضاً ، كما قال تعالى عمن آثر الحياة الدنيا على الآخرة :(أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (النحل:108).

أي فلم ينتفعوا برؤية آيات الله ، ولا بسماع مواعظه ، ولا فقهوا حجته سبحانه .

هـ) الختم على القلب : قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون +خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(البقرة:6-7).

والختم :- بلوغ آخر الشيء والتغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء .

ومعناه هنا : إغلاق المنافذ التي يصل منها الخير إلى القلب ، وذلك يكون عقوبةً على ردّ الحق والاستكبار عنه ،كما قال تعالى :(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الأنعام:110) .

ومما يبين هذا المعنى حديث النبي r حيث يقول :

(تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا(43) فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا(44) نُكِتَ(45) فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا(46) فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا(47) كَالْكُوزِ(48) مُجَخِّيًا(49) لاّ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) (50).

قال ابن جرير بعد ذكر حديث الران المتقدم ذكره : فأخبر النبي r أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قِبَل الله تعالى والطبع ، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر عنها مخلص.(51)

وكذلك يكون الختم على القلب بسبب المعصية كما قال النبي r : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ".(52)

ولأهمية عمل القلب في تلقي الحق ، وخطورة إعراضه عن الهدى كان النبي r يدعو ربّه عزوجل أن يثبت قلبه على الدين الحق فيقول :- "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".(53)

ويكثر من قوله :- "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".(54)

نظريات المعرفة

يتبين مما سبق أن البشرية قد قررت منهجاً موثوقاً تبنى عليه علومها التجريبية وفق قانون المعرفة العلمية الذي سبق ذكره ، وقررت أن ما يأتي من هذا الطريق هو العلم الموثوق ، كما تبين مما سبق أن إيمان المسلم بالله ورسوله قام على ذلك المنهج العلمي قبل أن تعرفه البشرية بعشرة قرون إلى جانب ما يقوم عليه من أدلة قطعية أخرى يتميز بها المنهج الإيماني في ضوء القرآن والسنة لبيان حقائق الإيمان .

ولقد جعل الله سبحانه للعلم والمعرفة وسائل هي السمع والبصر والفؤاد ومصادر هي الوحي وآيات الله في الكون وإجابة الدعاء وما فطر في النفوس وما ركز في العقول من قواعد هادية يتوصل الإنسان بها إلى معرفة الحق .

نظريات المعرفة القديمة والحديثة :

لقد تاهت الإنسانية في مسالك غير صحيحة حينما حاولت الوصول إلى المعرفة واليقين بعيداً عن منهج الله الخالق سبحانه .

ومن أبرز الأدلة على هذا التخبط ظهور النظريات المتعارضة والمتناقضة في هذا الباب ، حيث إن كل فريق منهم ذهب يقرر ما يمليه عليه فهمه القاصر ونتائج تأملاته البشرية المحدودة فخرجوا بما يعجب من قصوره الباحث المنصف، فمن قائل بعدم إمكانية المعرفة اليقينية للكائنات ومن هؤلاء من يقدح في الحس والعقل كطريقين للمعرفة ، ومن منكر لوجود الموجودات بل ولوجود نفسه ويطلق عليهم (العنادية) ، ومن شاكٍ في قدرة العقل والحواس على الوصول إلى المعرفة، بل يجعل طريق المعرفة عبر شخص معين قد يسميه إماماً معصوماً كالفرق الباطنية .

وطائفة أخرى يبدءون طريق المعرفة بشك منهجي فينطلقون من الشك في أصول ومصادر المعرفة ليصلوا إلى الإيمان ، وآخرون يقرون بوجود الحقيقة وإمكان المعرفة البشرية ، ولكنها عندهم معرفة نسبية ، ومنهم من يرى أن الطريق العقلي هو سبيل المعرفة ، ويقابلهم من يرى أن الطريق التجريبي في عالم المادة هو أصل المعرفة .

ومن أعظم التخبط والضلال في أصل المعرفة ، إنكار أصل المعرفة لإنكارهم الحواس والبديهيات ويطلق على هؤلاء (السوفسطائيون) .

إلى غير ذلك من أنواع النظريات والطرق التي يبتغي منها الوصول إلى المعرفة ، والتي تأثرت غالباً بالبعد عن المنهج الإلهي في المعرفة ، وبثقافات العصور المختلفة ، وباختلاف عقول ومدارك أصحابها ، وكذلك بأمزجتهم وأهوائهم وميولهم المختلفة.(55)

وصدق الله العظيم إذ يقول :(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) (القصص:50) .

هذا وقد شقيت البشرية بمثل هذه النظريات أزمنة طويلة من الدهر. قال تعالى مبيناً شقاء من أعرض عن هداه : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(طه:124) .

خاتمـة

تبين لنا مما سبق أن الله خلق للإنسان وسائل للعلم والمعرفة تمكنه من العلم بربه عن طريق آياته التي بثها في الآفاق وفي النفس الإنسانية والتي جعلها الله آثاراً مشاهدة لبعض صفاته. فإذا نظرنا إلى آثار الرحمة الإلهية من حولنا عرفنا أن تلك الآثار من فعل من يتصف بالرحمة ، والتفكر فيها يدل على أصل الصفة التي يتصف بها الخالق جل وعلا .

كما قال تعالى : (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ)(الروم:50) .

وكذلك بقية الآيات التي تمثل آثاراً مشاهدة منظورة لسائر صفات الله المتعلقة بأفعاله ، كالعلم والحكمة والإرادة والقدرة والخبرة والحفظ والرزق والتصوير والإحياء والإبداع والهداية والوحدانية وسائر الصفات الجليلة التي تشهد بها آيات الله في مخلوقاته .

وهيا بنا لنتأمل في الفصلين التاليين في هذه الآيات في مملكة النبات وفي تدبير الرزاق الرحيم الحكيم كي يصل رزقه إلى كل خليه في أجسامنا بعد أن قدر مخازنها في الأرض يوم خلقها .


(1) بحيث لو حولنا الطاقة الصوتية المنبعثة من ثلاثين مليون إنسان يصرخون بأعلى أصواتهم إلى طاقة ضوئية فلا تستطيع تلك الطاقة الضوئية أن تضيء ثلاثة مصابيح بقوة 100وات مما يدل على شدة حساسية السمع .

(2) وتتكون من الأذن الخارجية والأذن الوسطى والقوقعة ، فالأذن الخارجية توجه الأصوات للداخل فيهتز غشاء طبلة الأذن  (tympanic membrane) ، ثم تنتقل الذبذبات عن طريق عظام الأذن الوسطى إلى القوقعة ، حيث توجد الخلايا السمعية ومنها تنقل الإشارات إلى الدماغ الذي يقوم بتسجيلها وتحليلها ودراستها ووعيها ، كما تتضمن عملية السمع تمييز مصدر الصوت بينما تقوم الأذن الداخلية  بتحديد شدة الصوت ودرجة تردده فالأذن آله مرهفة 

وهذه الذبذبات التي تستقبل تنتقل من الغشاء الطبلي إلى الخلايا السمعية عن طريق سائل يملأ تجويف الأذن الداخلية (endolymph). وفي داخل القناة القوقعية يكون جهاز السمع (عضو كورتي Corti) حيث تتحول ذبذبات الموجة الصوتية إلى ومضات عصبية ينقلها عصب السمع إلى المخ . وعلى الرغم من معرفة كيفية استقبال الصوت في الأذن الداخلية فإن تحول هذه الذبذبات إلى إشارات تستقبل في الدماغ لا يزال غامضاً .

(3) فالكلب مثلاً يسمع إلى (35.000) ذبذبة في الثانية ، والفأر يسمع إلى (100.000) ذبذبة في الثانية ، والخفاش يميز الترددات فوق الصوتية فيسمع إلى (120.000) ذبذبة في الثانية

(4) إن العين من أبدع ما حبانا الله به من النعم ، نرى بها الأشياء المختلفة ونقدر أحجامها وأبعادها وألوانها وأشكالها. ويمر الضوء عند دخوله العين بالقرنية (cornea) وهي شفافة وتقوم بتقوية العين وحمايتها مع الصلبة (البيضاء اللون) ، ثم الحجرة الأمامية (anterior chamber) التي تحتوي على سائل شفاف (aqueous humor) ثم يمر عبر فتحة البؤبؤ (pupil) وهي الفتحة المركزية التي تشكلها القزحية (iris). وتضيق الفتحة المركزية (بؤبؤ الحدقة) في الضوء الشديد بواسطة ألياف من عضلات دائرية وتتسع في الضوء الخافتً أو الظلام حتى تصل أكبر كمية ممكنة من الضوء . ثم يمر بالعدسة البلورية وتوجد خلف العدسة كتلة هلامية ( الجسيم الزجاجي ) (vitreous body) ثم يسقط الضوء على الشبكية حيث توجد الخلايا الحسية ، وفيها النقرة الصفراء (fovea) ، وهي النقطة التي تكون الرؤية فيها أوضح ما يمكن ، كما يخرج العصب البصري (optic nerve) من النقطة العمياء (blind spot) . وتنتقل الصورة إلى مركز الرؤية في المخ خلال العصب البصري وكل خلية عصبية تنقل جزءاً معيناً من الصورة فينتقل سيل من المعلومات المنفصلة ثم تتجمع هذه المعلومات في المخ ليعيها الإنسان صورة متكاملة وصحيحة بعد أن كانت صورة مقلوبة في الشبكة وصورة مجزأة في الألياف العصبية. 

(5) الإنجستروم (A) = 10ـ10 من المتر . والمتر = عشرة مليارات انجستروم .

(6) لسان العرب .

(7) ذكر القرآن الصغو (الميل) من عمل القلب والفؤاد معاً. قال تعالى : (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) (التحريم:4) وقال سبحانه : (ولتصغى إليه أفئدة الذين لايؤمنون بالآخرة) (الأنعام :113) ، وأخبر القرآن أن الربط على القلب يؤثر في الفؤاد مما يدل على أن الفؤاد في القلب قال تعالى : (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) (القصص :10) .

(8) قال تعالى : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) (الحج :46) .

(9) أخرجه البخاري ك/ المغازي ب/ قدوم الأشعريين وأهل اليمن ، ومسلم ك/ الإيمان ب/ تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه ، واللفظ له . تنبيه : اعتمدنا في التخريج الإحالة إلى الكتب والأبواب بالنسبة لأمهات الحديث الست ، والجزء والصفحة فيما عدا ذلك كما في الجزء الأول من الكتاب .

(10) زاد المسير . 

(11) زاد المسير تفسير سورة طه .

(12) أما في السنة النبوية فقد ورد لفظ العقل في الحديث الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً النساء : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن …" ثم فسر النقص بكون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل ، وأما ماعدا ذلك من الأحاديث الواردة في فضل العقل فلا أصل لشيء منها كما قرره جماعة من أئمة أهل الحديث كالحافظ الدارقطني وابن الجوزي ، انظر القلب ووظائفه في الكتاب والسنة ص66-67. 

(13) مجموع الفتاوى 9/271 بواسطة المرجع السابق ص68 .

(14) فالهواء لا يحس به الجلد إلا إذا تحرك ولا يشمه الأنف ولا يتذوقه اللسان .

(15) وعلى سبيل المثال :  أ- 100.000 × 1.000,000   =

ب- + 10,000 + 50.000,000 =

ج-  30    –  15    =  

(16) وأنكرت المنطق الأرسطوطاليسي الفلسفي الذي ساد العقل البشري آلاف السنين ، ومنذ ذلك الحين انفصلت الفلسفة عن العلوم .

(17) المقاييس ، المفردات ، لسان العرب .

(18) اختلفت عبارات العلماء رحمهم الله في تعريف العلم ، ومما قالوا في ذلك :- هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع .

وقيل : المعنى الحقيقي للفظ العلم هو الإدراك ، ويطلق على ثلاثة معان بالاشتراك : أ- الإدراك نفسه ، ب- الملكة المسماة بالعقل ، جـ- المعلومات نفسها ،وقيل:- حصول صورة الشيء في العقل،وقيل: معرفة الشيء على ما هو به .

(19) يكون العلم بمعنى المعرفة في اللغة العربية إذا تعدى لمفعول واحد كأن تقول علمت زيداً ، أي عرفته ، وإذا لم يكن بمعنى المعرفة يتعدى لمفعولين مثل علمت زيداً صالحاً .

(20) قال الراغب : المعرفة والعرفان : إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره فهي أخص من العلم. وقال ابن فارس : العين والراء والفاء أصلان صحيحان يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلاً بعضه ببعض ومنه عرف الفرس لتتابع الشعر عليه ويدل الآخر على السكون والطمأنينة ومنه قولك : أمر معروف يعني تسكن إليه النفس وتطمئن فلا تنكره .

(21) مدارج السالكين 3/369-370 تحقيق الرفاعي والحرستاني .

(22) المعجم الوسيط (يَقِن) .

(23) المقاييس ، الصحاح ، اللسان ، بصائر ذوي التمييز .

(24) الكليات .

(25) بواسطة نضرة النعيم (اليقين) .

(26) أخرجه الترمذي ك/ الدعوات عن رسول الله ب/ في دعاء النبي واللفظ له ، وأحمد في المسند 1/3 وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/679 برقم 3632 .

(27) علقه البخاري في صحيحه ك/ الإيمان ب/ بني الإسلام على خمس ، وقال الحافظ ابن حجر في شرحه : وصله الطبراني بسند صحيح يعني موقوفاً قال : ولا يثبت رفعه ، وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يدعو فيقول : اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقها ، وسنده صحيح عنه .

(28) أحمد في المسند والطبراني في الأوسط والحاكم وهو في صحيح الجامع 5374 ، ومعناه : أن السماع بالواقعة ليس كمشاهدتها بالعيان ؛ لأن المشاهدة بالعين أبلغ من مجرد السماع .

(29) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم 5/ 18-19 بتصرف .

(30) مجموع الفتاوى 3/ 330 .

(31) الرشد : الهدى .

(32) الغي : الغواية أي : الإمعان في الضلال .

(33) تفسير الطبري عند الآية المذكورة .

(34) أخرجه مسلم ك/ الإيمان ب/ تحريم الكبر ، وأبو داود ك/ اللباس ب/ ماجاء في الكبر والترمذي ك/ البر والصلة  ب/ ما جاء في الكبر .

(35) تقدم تخريجه وهو أول الحديث السابق .

(36) هذه الآثار مأخوذة بتصرف من كتاب القلب ووظائفه في الكتاب والسنة لسلمان اليماني .

(37) معالم التنزيل في التفسير والتأويل .

(38) أخرجه ابن ماجة ك/ الزهد ب/ ذكر الذنوب ،وأحمد في المسند وإسناده قوي كما في تحقيق المسند 13/333-334

(39) القرطبي ، ابن كثير ، الألوسي وغيرهم .

(40) لسان العرب .

(41) غلف : جمع أغلف ، وهو المغطّى بالغلاف ، أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقوله الرسل، ومقصدهم بهذا ردّ الحجة ، فردّ الله عليهم أن عدم فهمهم أنما هو لطبع الله سبحانه على قلوبهم جزاء كفرهم. انظر فتح القدير للشوكاني.

(42) أخرجه ابن ماجه ك/ إقامة الصلاة والسنة فيها ب/ ما جاء فيمن ترك الجمعة من غير عذر ، والنسائي ك/ الجمعة ب/ التشديد في التخلف عن الجمعة ، وأبو داود ك/ الصلاة ب/ التشديد في ترك الجمعة وصححه الألباني .

(43) قال الخطابي أي تظهر على القلوب فتنة بعد فتنة كما ينسج الحصير عوداً عوداً ، شبه عرضها عليه بعرض قضبان الحصير على صانعها واحداً بعد واحد . انظر تحقيق المسند 38/315 .

(44) أي : دخلت فيه دخولاً تاماً .

(45) النكت : النقطة أو الأثر في الشيء .

(46) الحجر الأملس .

(47) مربد من الرُبدة وهي الغبرة أو لون إلى الغبرة ، قال أبو عبيدة : هو لون بين السواد والغبرة . انظر تاج العروس (ربد) ومرباداً منصوب على الحال كما في شرح النووي لصحيح مسلم .

(48) الكوز : إناء بعروة يشرب به الماء .

(49) مجخياً : مائلاً منكوساً .

(50) مسلم ك/ الإيمان ب/ بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ، وأحمد في باقي مسند الأنصار ، مسند حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

(51) تفسير الطبري 1/112-113 .

(52) أخرجه مسلم ك/ الجمعة ب/ التغليظ في ترك الجمعة، النسائي ك/ الجمعة ب/ التشديد في التخلف عن الجمعة.

(53) أخرجه مسلم ك/ القدر ب/ تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء ، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة مسند عبدالله بن عمرو بن العاص .

(54) أخرجه الترمذي ك/ القدر عن رسول الله ب/ ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7987 . 

(55) انظر : نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة للدكتور/ راجح الكردي