مع تحيات موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة                   www.55a.net

 

باب الإسلام أداء الشهادتين

كل من أراد أن يدخل الإسلام فلا بد أن يدخل من باب أداء الشهادتين. ومعنى تأدية شهادة أن لا إله إلا الله هو أن قائلها موقن ومصدق بأن لهذا الكون إلها خلقه وأوجده ، ونظمه، وأحكمه ، وأنه إله واحد لا شريك له ، وأنه الذي يستحق العبادة وحده و لا يستحقها أحد سواه ، وأن قائلها أحد مخلوقاته وعبد من عباده. ومعنى تأدية شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن قائلها مؤمن ومصدق وموقن بأن محمداً رسول من الله ، أرسله بالهدى ودين الحق المتضمن لبيان الحلال والحرام ، وما يرضى الله وما يغضبه والعبادة التي شرعها ، وأن قائلها باتباعه لمحمد صلى الله عليه وسلم يحقق طاعته لله. ومن المعلوم أنك إذا لم تكن عالماً بأدلة الشهادة فإن شهادتك تكون شهادة مقلد ، وقد طُلب من الداخل في الإسلام أن يكون دخوله بصيغة شهادة ؛ ليعلم أنه لا بد أن يكون على يقين مما يقول ، فمعنى أشهد يعني : أعلم علماً يقينياً . وذلك ليتنبه كل داخل في الإسلام أنه يؤدي شهادة مبنية على علم يقينيٍ قاطع .

إيمان المقلد

 ذهب بعض العلماء إلى أن إيمان المقلد مردود (1) ،

استدلالاً بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾  (النجم:39) ، قالوا : والمقلد لم يسع في إيمانه فليس له إيمان؛ لأنه لو كفر الذي قلده فسيكفر مثله . وخالفهم جمهور العلماء وقالوا : يقبل إيمان المقلد ، وذلك لأن أصل الإيمان موجود في الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فالمقلد إنما قلد شيئاً أصله عنده .

والدليل على أن أصل الفطرة الإسلام قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا…﴾  (الروم:30) . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ....) (2) . ومع ذلك فإن جميع العلماء يقولون: إن اكتساب الأدلة والعلم بما يحقق الإيمان واجب على كل مسلم وفرض عين عليه (3) قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ (محمد:19) . وقال تعالى ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾  (الرعد:19) .

أهمية الإيمان في الحياة الدنيا وفي الآخرة

 أولاً : ثمار الإيمان في الحياة الدنيا

للإيمان ثمار يانعة ونتائج طيبة يجنيها المؤمنون في الحياة الدنيا ، من أهمها:-

1) هدايتهم إلى الحق ، قال الله تعالى ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾  (الحج:47) .

2) الحياة الطيبة ، قال الله تعالى : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾  (النحل:97) .

قال ابن كثير(3) رحمه الله : والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهةٍ كانت ، كالرزق الحلال الطيب ، والعمل بالطاعة والانشراح لها والسعادة (4).

3) ولاية الله لهم ، قال تعالى : ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾  (البقرة:257) .

4) الرزق الطيب ، قال تعالى : ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾   (الأعراف:96) .

5) العزة ، قال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾  (المنافقون:8) .

6) النصر على أعدائهم، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الروم:47).

7) الدفاع عنهم، قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا   (الحج:38).

8) عدم تسليط الكافرين عليهم ، قال تعالى ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾  (النساء:141) .

9) التمكين لهم والاستخلاف في الأرض ، قال تعالى:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا (النور:55).

هذه أبرز ثمار الإيمان في الحياة الدنيا ، فمن حقق الإيمان كما ينبغي فاز بهذه الثمار الطيبة في نفسه ، وفاز بها المجتمع الذي يتحقق فيه الإيمان ، كما وقع للصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان .ومن ضعف إيمانه أو فقد بعض صفات الإيمان لم تتحقق له هذه الثمار ، كما هو مشاهد اليوم في حال المسلمين . ويوم يعود المسلمون إلى الله تعالى عودة صادقة ، ويجددون إيمانهم ويثبتونه سيجنون هذه الثمار العظيمة إلى جانب ما ينتظرهم من الفوز العظيم في الدار الآخرة .

ثانياً : أضرار الكفر بالإيمان في الحياة الدنيا

1) التخبط والضياع :

قال الله تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (الرعد:19) فالكافر يعيش كالأعمى في هذه الحياة ، لايدري لماذا خلق ولايدري ما الحكمة من وجوده على الأرض ، تنتهي حياته ولايعرف لماذا بدأت ، ويخرج من الدنيا وهو لايدري لماذا دخل إليها ، قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (محمد:12) . وهذه كلها نتيجة ترك الإيمان ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾  (النحل:104). وإن الذي يعيش بدون الإيمان يتخبط في الظلمات، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (الأنعام:122) .

مثــال :

جرت مجادلة بيني وبين أحد علماء بريطانيا: البروفسور كروستوفر بالس ، وهو طبيب من مشاهير علماء بريطانيا في الطب ، فأردت أن أثبت له أنه في نظر حضارته الكافرة أحقر من حذائه !

فقلت له : هل وُجِدَت عينك لحكمة ؟

قال : نعم .

قلت : وهل وُجِدَ أنفك لحكمة ؟

قال : نعم.

وأخذت أعدد أعضاء الجسم .

فقال لي : هذه مواضيع أبحاث علمٍ يسمى علم وظائف الأعضاء لايتخرج الطبيب من أي كلية في الطب إلا إذا درسه .

فقلت له : هل الحكمة من هذا العضو خاصة بالعضو نفسه ، أم أنها من أجل الكل؟

( أردت أن يعترف أن الحكمة من الأجزاء ليست من أجل الأجزاء نفسها وإنما من أجل الكل ).

فقال : أرأيت لو جئت بالجهاز الهضمي وحده من دون الجسم أله قيمة ؟

قلت : لا .

قال : كيف تقول : إن الأعضاء والأجهزة أحكمت من أجل نفسها ولم تحكم من أجل الكل؟

قلت له : أنا كنت أسال وأنت قد أجبتني . فما الحكمة من هذا الكل ؟

فبهت وأطرق برهةً وأدرك أنه وقع في الفخ !!

وقال : هذه فلسفة ! قلت له : قبل قليل كان علماً (علم وظائف الأعضاء) !! لقد هربت ، وكنت أعلم أنك ستهرب ، وأنا أعلم لماذا ستهرب. ولكن قبل ذلك عندي سؤال .. أفي استعمال حذائك حكمة ؟

قال : نعم لها فائدة : فهي تقيني الأذى، فهي تحمي قدمي من الاصطدام بالأجسام الثقيلة ومن الخدش بالأجسام الحادة ، ومن التضرر بالسوائل الضارة ، ومن تقلبات الجو ، ومن اختراق بعض الكائنات وغير ذلك .

فقلت له : ألوجودك حكمة ؟

فبهت مرة ثانية !

فقلت له : والله أني لأعجب يا برفسور من حضارتكم التي تقول لكم : إن الإنسان أحقر من نعله !! فلاستعمال الحذاء حكمة، ولابسها لا حكمة  من وجوده !

أما لماذا لم تعرفوا الحكمة ولماذا هربت فذلك لأن الحكمة من خلقك لا تعرف إلا بتعليم من الخالق ، وأنتم لا تعرفون الخالق ، فكيف ستعرفون حكمة وجودكم؟! لذلك سيبقى الإنسان في نظركم أقل شأنا من الحذاء. ولا طريق للتخلص من هذا إلا أن تعرف ربك لكي تعرف لماذا خلقك. وقلت له : يا دكتور سأضرب لك مثالاً : لو أن لدينا جهازا إلكترونيا معقدا غاليا ونريد أن نعرف الحكمة منه فليس هناك إلا طريق واحد وهو أن نتصل بالذي صنعه ؛ لأن الحكمة من هذا الجهاز مختفية في نفس الصانع .

فأضاف قائلاً: أو نتصل بمندوبه .

قلت : صدقت. فإذا أردت أن تعرف الحكمة من خلقك فليس لك إلا أن تتصل بمندوبي الذي خلقك ، وهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام .

وسيبقى الإنسان أحقر من حذائه ما لم يؤمن بالله ورسوله ! لا يعرف الحكمة من وجوده، ولا يعرف ربه ، ولا يعرف لماذا دخل إلى هذه الدنيا ولماذا يخرج منها !

وهذا التخبط والحيرة والتيه الذي يعيشه هؤلاء عبر عنه أحد الشعراء(5) في قصيدة سماها "الطلاسم" والتي تدل على عمق حيرتهم، بقوله :

جئت لا أعلـم مـن أيــن ولكنـي أتيت

ولقد أبصرت قدامــي طريقـا فمشيــت

وسأبقـــى سائـراً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت ؟ كيـف أبصــرت طريقي ؟!

لســـت أدري !!

أجديد أم قديم أنا في هذا الوجــــود ؟

هل أنا حر طليق أم أسير في قيـــود ؟

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقــود ؟

أتمنـى أننـــي أدري ولكـــــن

لست أدري !

وطريقي ما طريقي؟ أطويل أم قصــير ؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغـــور ؟

أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسـير ؟

أم كلانا واقف والدهر يجـــــري ؟!

لست أدري !

ليت شعري وأنا في عالم الغيب الأمـين

أتراني كنت أدري أنني فيه دفــــين

وبأني سوف أبدو وبأني سأكــــون

أم ترانـــــي كنت لا أدرك شيئـاً ؟

لست أدري !

أتراني قبلما أصبحت إنساناً سويـــاً

كنت محواً أو محالاً أم تراني كنت شيئاً

ألهذا اللغز حل؟ أم سيبقــى أبديــاً

لست أدري ولماذا لســت أدري ؟

لست أدري !

ثم يقول :

أوراء القبر بعد الموت بعث ونشــور ؟

فحياة ، فخلود ، أم فناء فدثــــور ؟

أكلام الناس صدق أم كلام الناس زور ؟

أصحيح أن بعض الناس يــــدري ؟

لست أدري !

إن أكن أبعث بعد الموت جثمانا وعقـلاً

أترى أبعث بعضاً أم ترى أبعث كـــلا

أترى أبعث طفلاً أم ترى أبعث كهــلاً ؟

ثم هل أعـرف بعد البعث ذاتــــي ؟

لست أدري !

هذه خلاصة التيه والضلال عندما يغيب الإيمان، وهذه صورة للتخبط والجهالة والغفلة عن حقائق الوجود تظهر الواقع الذي يعيش فيه هؤلاء الكافرون. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾  (محمد:12)

2- الإفساد في الأرض :

ومن نتائج هذا الضلال الإفساد في الأرض ؛ لأن الذي لا يعرف ربه ولا هداه سبحانه سيسئ التصرف في أعماله ؛ لأنه يتخبط ، ولا يدري ما الأعمال الصالحة، وما الأعمال الفاسدة . ألا ترى أن الناس لا يعرفون الطرق الصحيحة لاستخدام الآلات إلا بإرشاد يأتيهم من صانعها .. إذن لا يمكن للإنسان أن يعرف الطرق الصالحة لاستخدام أي مخلوق من هذه المخلوقات إلا بإرشاد من خالق المخلوقات سبحانه. قال تعالى : ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾  (البقرة:27).

ولقد عانت البشرية من أخطاء التجارب الفلسفية الهادفة - بزعم واضعيها - إلى إسعاد الإنسان ، فجرّت على الناس مصائب وكوارث لاتزال البشرية تشقى بنتائجها، كالتجربة الفاشية ، والتجربة الاشتراكية، والتجربة النازية ، والتجربة الرأسمالية. وظهرت آثار فشل هذه التجارب على جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والنفسية والأمنية ، وهذه نتيجة الانحراف عن الإيمان .

3) الصراع أو التكالب على الحياة الدنيا :

من لا يؤمن بالآخرة يغتر بالحياة الدنيا ، ويجعل كل همة تحقيق أكبر قدر من مصالحه الشخصية وشهواته قبل أن يموت ، ولا يبالي أن يلحق ضرراً بغيره من أجل تحقيق تلك المصالح والشهوات. وبهذه الروح الأنانية يتفكك المجتمع ، ويصيبه التمزق والدمار ؛ فإن أطماع بني البشر لا تتوقف عند حد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ )(6). وهذه الدنيا كلها لا تكفي لتحقيق أطماع بعضهم ، فكيف بهم جميعاً وهم مليارات. ولا يمكن تجنب الصراع الذي سينشأ بينهم - وهم في معزل عن الإيمان - إلا بأمرين :

أولهما : إجراء عملية جراحية لاستئصال الأطماع الكامنة في الإنسان !

ثانيهما : خلق أراضٍ تكفي لاشباع أطماع كل إنسان يولد على ظهر هذه الأرض !

وكلاهما مستحيل !!

ولا يمكن تجنب هذا الصراع إلا بإيمان الإنسان بالله تعالى وبأنه سبحانه قد أعد لعباده المؤمنين داراً أخرى فيها كل ما تشتهيه أنفسهم، كما قال تعالى﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾  (الزخرف:71).

وبأن هذه الحياة الدنيا دار عبور لا محل إقامة ، فعندئذ تتحول علاقة الصراع إلى علاقة تعاون وإخاء ومحبة ، وهو العلاج الحقيقي لهذه المشكلة. وتأمل كيف كان الخليفة في صدر الإسلام يسهر حيث ينام الناس ، والتاجر الذي عرض عليه خمسة أضعاف ثمن بضاعته عام المجاعة يقول : وهبتها (أي البضاعة) لبيت مال المسلمين(7) ، وعندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار عرض أحد الصحابة(8) على أخيه أن يناصفه أهله وماله .

أين هذا من حال المتخبطين في الظلمات كالشيوعيين الذين يفلسفون لذلك الصراع على الأطماع ، فيصفونه بالصراع المقدس ! والرأسماليون الذين يبررون الصراع بقولهم: البقاء للاصلح !

4) الحياة السيئة والمعيشة الضنك

كما يعيش المؤمن حياة طيبة ، فإن الكافر يعيش حياةً بئيسة ضيقة جزاء كفره ، ولو كان يمتلك الكثير من متاع الدنيا. قال تعالى : ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾  (طه:124).

قال ابن عباس(9) رضي الله عنهما في المعيشة الضنك : الشقاء. وقال ابن كثير رحمه الله : المعيشة الضنك في الدنيا ، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق لضلاله وإن تنعم ظاهره(10).

ويشهد لهذا ما يوجد في المجتمعات الكافرة من الشقاء والضيق رغم كل مظاهر الترف الدنيوي ، ومن نتائجه كثرة أعداد المنتحرين ، والمصابين بالأمراض النفسية والعصبية، ولا علاج لذلك إلا بالإيمان ، قال تعالى : ﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾  (الرعد:28) .

5) نزول العقوبة الإلهية بالمنحرفين عن الإيمان :

تنزل العقوبة الإلهية في الحياة الدنيا بالكفار والمنافقين والمنحرفين ، على شكل كوارث ومصائب عامة وخاصة، في الأموال والأنفس وغير ذلك(11). قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾  (الأنعام:44)، وقال تعالى:    ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41) .

 



(1) انظر تفسير القرطبي عند قوله تعالى:" أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ"(الأعراف:185) وقد نقل الرد على من يقول بعدم صحة إيمان المقلد ، وانظر النبوات لابن تيمية 1/42، والعقيدة السفارينية 1/58 .

(2) البخاري ك/ الجنائز ب/ إذا أسلم الصبي فمات ، ومسلم ك/ القدر ب/ معنى كل مولود يولد على الفطرة ، وأخرجه الترمذي في القدر ب/ ما جاء كل مولد يولد على الفطرة ، وأخرجه أبو داود في السنة ب/ في ذراري المشركين ، وأخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين ، وأخرجه مالك في الجنائز .

(3) انظر الصحائف الإلهية لشمس الدين السمرقندي ص 462.

(4) تفسير سورة النحل 2/566 ط دار الأندلس سنة 1413 هـ بتصرف

(5) هو إيليا أبو ماضي

(6) أخرجه البخاري ك/ الرقائق ب/ ما يتقى من فتنة المال ، ومسلم في الزكاة ب/ لو أن لابن آدم واديان لابتغى ثالثاً ، وأخرجه الترمذي ك/ الزهد ب/ ما جاء لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ، وأخرجه أحمد في مسند بني هاشم ، ومسند الأنصار .

(7) هو عثمان بن عفان رضي الله عنه .

(8) وهو سعد بن الربيع رضي الله عنه، أخرج ذلك البخاري ك/ المناقب ب/ كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه.

(9) عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفقه في الدين وعلم التأويل ، لذا اشتهر من بين الصحابة بالتفسير ، قال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس سكن الطائف وتوفي بها سنة 68هـ .

(10) انظر بقية ما ورد حول الآية في تفسير ابن كثير عند الآية المذكورة .

(11) ومن ذلك الأمراض الفتاكة التي لم تعرف إلا في هذا العصر كالإيدز الذي هو نتيجة لمخالفة أمر الله تبارك وتعالى .