مع تحيات موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net
مقدمة
:
لقد
عرفنا الله بنفسه عن طريق آياته وآثار صفاته التي بثها في أنفسنا وفي صفحات
الوجود ، والتي تعرفنا بأنه الحكيم الخبير العليم الرازق الرحيم الهادي
الحفيظ القادر الواحد الأحد المالك السميع المجيب الذي يستحق أن تخضع له
الرقاب ويذل له العباد ويسلم له الوجود طوعاً وكرهاً . كما قال
تعالى
﴿...
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ... ﴾
[الأعراف:54] . وقد أرسل
إلينا رسولاً شهد له بصدق
الرسالة بما أيده به من البينات والمعجزات التي تقنع كل من يطلب الحق
، وبهذا العلم الذي ساقه لنا عن طريق أدوات العلم التي خلقها لنا شهد المسلم
شهادة الحق المستندة إلى الأدلة البينة والحجج القاطعة بأن لا إله إلا الله
وأن محمداً رسول الله .ولقد
جاءنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ببيان لنا من خالقنا يبين لنا حكمة
وجودنا على هذه الأرض، وغاية خلقنا ومستقبلنا الذي نسير إليه ، وبين لنا مراد
ربنا الذي يجب علينا أن نقوم به. قال تعالى:
﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56)﴾
[الذاريات:56]
.
فالغاية
إذن من خلقنا ووجودنا هي تحقيق العبادة لله وحده لا شريك له ، والتي بها
يتحقق لنا الفوز والسعادة في هذه الحياة التي نعيش فيها وفي حياةٍ أبديةٍ في
جنةٍ عرضها السموات والأرض لا يهددها الموت ، ويتحقق لنا فيها ما تشتهيه
أنفسنا
كما
قال تعالى:
﴿...
وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ(71)﴾
[الزخرف:71].أما
من أبى أن يعبد ربه وكفر به وغرته الحياة الدنيا فقد أعد الله له عذاباً
شديداً كما قال تعالى:
﴿... إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾
[غافر:60]
.فما
هي العبادة ، وما حقيقتها وما شروطها ، هذا ما سننظر إليه فيما
يأتي.
تعريف العبادة
:
أ-
العبادة في اللغة : هي الطاعة[1]
، يقالُ :- عبدالله عبادةً وعبودية أي : انقاد له وخضع وذلّ[2] ، والتعبد التأله[3] ، وأصل العبودية :- الخضوع
والتذلل[4]،
ويقال في اللغة :- طريق معبد أي مسلوك مذلل ذللته الأقدام بالسير
عليه.[5]
قال
الراغب الأصفهاني :- العبودية : إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها لأنها
غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى.[6]
ب- العبادة في القرآن
:
العبادة
في القرآن تأتي بمعنى التأليه لله عزوجل كما قال تعالى :
﴿فَأَرْسَلْنَا
فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ(32)﴾
[المؤمنون:32]،
وقال تعالى:
﴿وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي(25)﴾
[الأنبياء:25]
وتأتي بمعنى الخضوع والذل كما جاء في قوله تعالى :
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
...﴾
[النحل:75]
فالعبودية
للعبد المملوك تعنى خضوعه وتذللـه وعجزه أمام سيده ، وكما في قوله تعالى في
ذكر قصة فرعون :
﴿وَتِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ(22)﴾
[الشعراء:22] وقد تحقق استعباد فرعون لبني
إسرائيل بإخضاعهم وإذلالهم.
وتأتي
بمعنى الطاعة في التحليل والتحريم كما في قوله تعالى:
﴿اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ
ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)﴾
[التوبة:31] .وقد استغرب عدى
بن حاتم رضي الله عنه حين سمع هذه الآية – وقد كان نصرانياً قبل إسلامه وقال:
يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم ! فقال له النبي
r:
أليس يحرمون ما أحلّ الله
فتحرمونه ، ويحلون ما حّرم الله فتحلونه ؟ قال قلت : بلى ! قال : فتلك عبادتهم[7] .وقال عبدالله بن عباس في هذه الآية :-لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ، ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم فسماهم الله بذلك أربابا[8]
*
وتأتي العبادة بمعنى الدعاء والاستغاثة تعظيماً لله وتوكلاً عليه ، كما قال
تعالى:
﴿وَقَالَ
رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾
[غافر:60].
ولذا
قال النبي
r"الدُّعَاءُ
هُوَ الْعِبَادَةُ"
ثم قرأ الآية المذكورة.[9]
ومما سبق يتبين لنا أن القرآن استعمل
العبادة بمعنى التأليه والدعاء تضرعاً وخيفة والخضوع والذل والطاعة في الأمر
والنهي .
ج- العبادة في أقوال
العلماء :
عبر العلماء – رحمهم الله – عن العبادة
وحقيقتها بأقوال متحدة المعنى ، وإن اختلفت الألفاظ[10]، منها :-
1-
قول المناوي العبادة هي فعل المكلف على
خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه .
2-
وقال القرطبي :-أصل العبادة التذلل والخضوع،وسميت وظائف الشرع عبادات
لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى
.
3-
وقال ابن القيم :- العبادة تجمع أصلين :
غاية الحب وغاية الذل والخضوع.
4-
وقال الحافظ ابن كثير:- وعبادته هي طاعته
بفعل المأمور وترك المحذور وذلك هو حقيقة الدين الإسلامي ، لأن معنى الإسلام
الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع
.
5-
وقيل : العبادة :الأفعال الواقعة على نهاية
ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض ،ولذلك اختصت
بالرب .
6-
وقيل العبادة :
اسم يجمع كمال الحب لله ونهايته ، وكمال الذل لله ونهايته
.
7-
وقال ابن تيمية
: العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة
الرسل.
ومما سبق يتبين لنا أن
العبادة تأتي بمعنى : التأليه والدعاء والخضوع والتذلل والطاعة لله
.
وقد عرفها ابن تيمية
بقوله :- العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة .[11]
أهمية العبادة وحاجة العباد
إليها
ومن هنا
يظهر لنا أن حاجة الناس إلى العبادة ضرورية ، بل هي فوق حاجتهم إلى كل
شيء. وتتبين أهمية العبادة فيما يأتي :
أ- بالعبادة يحقق الإنسان الكمال الذي خلق من أجله ، والهدف
والحكمة والغاية التي من أجلها وجد. قال سبحانه
﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56)﴾
[الذاريات:56] .
قال ابن
تيمية رحمه الله :- كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله ، وكلما ازداد العبد
تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته. وقال أيضاً : "فأكمل الخلق وأفضلهم
وأعلاهم وأقربهم إلى الله وأقواهم وأهداهم : أتمهم عبودية
لله".[12]
ب- وبدون العبادة يعيش الإنسان في هذه الحياة كالحيوان تافه
الأهداف لاهدف له إلا التمتع بالطعام والشراب واللذائذ الفانية ، وحينئذ يصبح
من الخاسرين. قال تعالى:
﴿...
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ
الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ(12)﴾ [محمد:12].
ج- وبالعبادة بأنواعها المختلفة تطهر النفس وتتزكى وتسمو ويرتاح
البال وينشرح الصدر ويستيقظ الضمير فيعيش الإنسان في سعادة دائمة وحياة
طيبة. قال تعالى:
﴿مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ(97)﴾ [النحل:97]. وبدون العبادة تظلم النفس ويضيق الصدر ويعيش الإنسان في قلق دائم
وشقاء مستمر وإن توفرت له أسباب الحياة المادية ، قال تعالى
:﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾ [طه:124].
د- وبالعبادة ينجو الإنسان من سخط الله وغضبه وعذابه في الدنيا
والآخرة ويستحق الخلود في الجنة دار النعيم. قال
تعالى:
﴿تِلْكَ
الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ
تَقِيًّا(63)﴾
[مريم:63]
وبدون العبادة ينال العقوبة في دار الجزاء الآخرة. قال
تعالى:
﴿... إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾
[غافر:60] .
هـ-
وبعبادة الله سبحانه والخضوع له والذل له سبحانه يتحرر الإنسان من العبادة
للمخلوقين، فيصبح عزيزاً كريماً لا يذل ولا يخضع ولا يخشى غير الله سبحانه ،
وفي هذا تحرر وسعادة للنفس لا تدانيها سعادة .
و- والعبادة غذاء الروح ودواءه ومادة حياته ، ولذا ينبغي أن تشمل
جميع تصرفات حياة الإنسان. قال تعالى:
﴿قُلْ
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ(162)لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ(163)﴾
[الأنعام:162-163] .
ويطالب العبد بها طوال حياته، قال تعالى:
﴿وَاعْبُدْ
رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)﴾
[الحجر:99] .
فالعبادة حق
الله على العباد ، وهم المستفيدون منها لحاجتهم إليها ، أما الله سبحانه فهو
الغني، ولذا قال سبحانه كما في الحديث القدسي:-(يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ
وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ منكم مَا نَقَصَ
ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا).[13]
وقال موسى عليه السلام لقومه كما حكى الله عنه :
﴿وَقَالَ
مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ
اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ(8)﴾
[إبراهيم:8].إن الإنسان
مهما فقد من متاع الحياة الدنيا ، فلن يتضرر كما يتضرر بترك عبادة الله
سبحانه. إن غاية ما يحصل له بعدم الطعام والشراب مثلاً هو الموت والفناء ،
أما ترك عبادة الله سبحانه ، فتركها يعني الشقاء والخسارة الدائمة في الدنيا
والآخرة .قال تعالى:
﴿...
قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(15)لَهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِي(16)﴾
[الزمر :15-16].
وقد قرر
العلماء أن كل قول أو فعلٍ أو إرادة أو هم، قصد به وجه الله وتبع فيه شرعه
عبادة ينال العبد ثوابها عنده سبحانه وتعالى .وهكذا تكون الحياة كلها عبادة تشمل نشاط الروح كله ونشاط العقل كله
ونشاط الجسد كله ما دام هذا كله متوجها به إلى الله وملتزما فيه بما أنزل
الله سبحانه وتعالى[16]
.
وبذلك
لايزال الإنسان في عبادة لربه حتى يخرج من الدنيا ، كما قال
تعالى:
﴿وَاعْبُدْ
رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)﴾
[الحجر:99].
العبادة حق لله وحده
:
لقد بين
الله لعباده أنه هو الذي يستحق العبادة وحده ، وحذرهم من أن يتخذوا له
أنداداً وأن يعبدوا غيره ، وقد عرض القرآن هذه القضية عرضاً بديعاً بحجج
واضحة جلية ، وخطاب يقنع العقل والعاطفة ، ويزري بمن يعبد غير الله أو يصرف
جزءاً من العبادة لغيره سبحانه. وهذه بعض نماذج الخطاب القرآني وحججه
.
1- الله الخالق وحده
:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21)﴾ [البقرة:21].
تبين الآية أن الله استحق العبادة لأنه الرب الذي ربّى الإنسان وأنشأه
من نطفة وصوره وأكمل أجهزته وأحسن خلقه وهيأ له ما يحتاج إليه في كل طور من
أطواره ، ولأنه الذي خلقه من العدم وخلق آباءه الذين جاء من نسلهم ، وهو
المتصرف به بداءً ومعاداً على الصفة على أراد وفي الزمن الذي أراد وفي البلد
الذي أراد ومن الأبوين الذين اختارهما ومن الجنس الذي قدر ذكراً أو أنثى وهو
الذي يحاسبه ، فرضاه عنه واتقاء سخطه هو الغاية التي يجب أن تقصد
﴿... لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ﴾.
* ويستحق العبادة لأنه الذي أقرّ لكم هذه الأرض وجعلها مناسبةً
لحياتكم عليها فجعلها مكاناً مناسباً لبقائكم كمناسبة الفراش لمن يجلس
عليه[17]
.
* ويستحق
العبادة لأنه الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض ، فجعلها بناءً متماسكاً
وسقفاً محفوظاً ، ولولا ذلك لتحطمت الأرض ومن عليها باصطدام جرم من أجرام
السماء بها .
* ويستحق العبادة لأنه الذي أوجد الماء الذي تقوم به الحياة وبدونه
تنعدم ويسوقه إلى المحتاجين إليه من بني الإنسان وكذا الحيوانات والنباتات في
أواسط القارات. وقد صفاه سبحانه من الملح الذي كان مختلطاً به ، وأنزله قطرات
دقيقة لا تحطم زرعاً ولا تهدم بناءً ولكنها تجري بعد ذلك سيولاً وأنهاراً.
ولولا الماء الذي يسوقه للناس لانعدمت الحياة ، وقضي على كل حضارة لبني
الإنسان[18]
.
إن عبادة الله وحده وعدم الإشراك به هو حق الله على عباده ، فقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : (يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ
عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قَالَ قُلْتُ :
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى
الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقُّ
الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ
يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ
أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ : لاَ تُبَشِّرْهُمْ
فَيَتَّكِلُوا.)[19]وقال تعالى :
﴿ذَلِكُمْ
اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(102)﴾
[الأنعام:102] .وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله :
أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال :
(أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ
خَلَقَكَ.)[20]
2-
إنه الله الرازق وحده :
ويستحق العبادة لأنه الذي يخلق الرزق لكم من النباتات في مصانعها
الخضراء الفريدة التي تصنع الطعام للإنسان والحيوان والنبات بقدرة الله
وإرادته وتخزنه ، في صورة ثمار متنوعة الأحجام والأشكال والألوان والطعوم
والروائح.[21]
وخلق لك
جهازاً هضمياً مهيئاً لهضم هذه الثمار وتحويلها إلى مادة مناسبة ليستفيد منها
الجسم فينمو به عظمه ولحمه ودمه وتتغذى به سائر خلاياه. وبالطاقة المخزونة
تعمل أجهزة الجسم ويمارس الإنسان بها جميع أنشطته الحيوية ، ولولا ذلك لما
نبت لحم أو عظم ولا تحرك إنسان من مكان إلى
آخر.
فكيف يُجعل
لله ند في العبادة من الأوثان والأصنام والطواغيت الحجرية والبشرية وغيرها
ولم يشاركه أحد في الخلق .
﴿... فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ
رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ(22)﴾
[البقرة:22].
وعندما علم
الإنسان أن جميع أنواع الطعام التي يعيش عليها هو وكذلك الحيوان والنبات إنما
تصنع بقدرة الله وحده في المصانع الخضراء في النبات وحاول أن يصنع طعاماً كما
تصنع المصانع الخضراء (البلاستيدات الخضراء) باءت جميع محاولاته بالفشل ،
وعلم من يبحث عن الحق أن الله هو الرزاق وحده .قال تعالى :
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا
إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ
رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ
إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(17)﴾
[العنكبوت:17] .
وقال تعالى :
﴿وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ(73)﴾
[النحل:73] وقد عرف الإنسان أن جميع أنواع الرزق من صنع الله وحده
.
3- الضر والنفع ملك
لله وحده :
قال تعالى:
﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(76)﴾ [المائدة:76]
، إن كل ما في الكون من أسباب نفع فهي من خلق الله سبحانه وتقديره
كالحياة وأسبابها والنعم بصورها ، وكل ما في الكون من أسباب ضر هي كذلك من
خلقه وتقديره كالموت وأسبابه والنقم والمصائب وأشكالها
.
ويعطى الله الأمم والجماعات من صور النفع والضر وفق حكمته وتقديره
فيفتح عليهم من أبواب الهدى والعلم والرزق والصحة والأمن وسائر النعم كما
يشاء أو يأخذهم بأنواع النقم والمصائب كالزلازل والعواصف والطوفان والفيضانات
والأوبئة والفتن والفقر والحروب وجور السلطان وفق مشيئته وحكمته. قال تعالى:
﴿مَا
يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا
يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ(2)﴾ [فاطر:2]
وقال تعالى :
﴿وَإِنْ
يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ
بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(107)﴾
[يونس:107]وقال تعالى يحكي خطاب إبراهيم عليه السلام لأبيه :
﴿إِذْ
قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ
وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42)﴾ [مريم:42] .
فكل ضر أو نفع إنما يجري وفق سنن قدر الله فيها الضر والنفع فهي تجري
كما قدر لها ، وإذا شاء أن يمنع الضر والنفع المقدر في السنن فلا يقيد إرادته
شيء وترى المقدمات قد أسفرت عن غير ما كان يتوقع الإنسان من سير الأمور ، وفي
كل حال لا يكون إلا ما قدره الله ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( … وَاعْلَمْ
أَنَّ الأمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ
يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا
عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ
كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأقْلامُ وَجَفَّتْ
الصُّحُفُ).[22]
4- الله رب السموات
والأرض والمدبر لأمر هذا الكون وحده :
فهو الذي
خلقها من العدم إشعاعات ثم جسيمات ثم ذرات فصيرها دخاناً ، وصير الدخان مجرات
تشتمل على مليارات النجوم والكواكب ، وأجراها في مدارات محكمة وسيرها بسرعاتٍ
مقدرة ووزنها بموازين متقنة ، وكوّن الأرض فسطحها وأخرج منها ماءها ومرعاها
والجبال أرساها ، وأنبت فيها أزواجاً وبث فيها من كل دابة وأقرها لحياة ما
عليها ، وغلفها بهواء تقوم عليه الحياة وحفظها من أخطار الكون ، فاستحق لذلك
أن يعبد وحده لا شريك له .
قال تعالى :
﴿إِنَّ
رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ
شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(3)﴾
[يونس:3] . ويبين القرآن الكريم أن الذي يستحق العبادة هو الذي خلق السموات والأرض وهو الذي يدبر الأمر في الكون كله نجومه وكواكبه وبث في الأرض والسماء المخلوقات ، وهو الذي يرجع إليه أمر كل شيء خلقاً وتقديراً وتدبيراً فمنه بداية كل شيء وإليه المآب. قال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾ [هود:123]
وقال تعالى :
﴿رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ
لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا(65)﴾
[مريم:65] .
5- الله الذي يملك
الموت والحياة :
قال تعالى :
﴿قُلْ
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ
الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي
يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ(104)﴾
[يونس:104] .
الموت هو
إنهاء وإفناء لهذه الحياة الدنيا ومصادرة وإلغاء لكل مقوماتها
وأسبابها.
والحياة
انتقال من عالم الموات إلى عالم الحياة بكل ما فيها من أنشطة حيوية نمواً
وتغذية وإحساساً وتكاثراً وحركة وفكراً وإبداعاً وتمتعاً
.
ومن يملك الموت والحياة وأسبابهما هو الذي يستحق أن يعبد وأن تتعلق به
القلوب خوفاً ورجاءً ومحبة ، وهو الذي يستحق أن تخضع له الرقاب وتنحني له
الجباه ويطاع في كل أمر ، قال تعالى :
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28)﴾
[البقرة:28]
فالذي
يقهر العباد بالموت ويكتب لهم الحياة هو الملك الحق الذي إليه المآب
،
وعليه الحساب فهو الذي يستحق العبادة والخضوع له وحده
.
6-
الله المتفرد في الملك لكل ما في الوجود
مالك الشيء
هو القادر على التصرف فيما يملك دون منازع ، ونحن نرى الكون مملكة واحدة يخضع
لنظام واحد وتصرف واحد ، ونرى وحدة وتكاملاً وتناسقاً في أنظمة الكون التي
تُصرف بها المخلوقات في الأرض والسماء من الذرة إلى المجرة
. فالذي خضع الكون لأمره ، واستجابت النجوم والكواكب والأفلاك لتدبيره وتقديره، واستسلمت الذرات والمركبات والمواد لتصريفه هو الملك الحق الذي يستحق أن يعبد وأن يستسلم لأمره دون تردد ، وأن تعظمه القلوب وتجله وتكبره وتسبحه وتدعوه خوفاً وطمعاً
وليس له سبحانه منازع في هذا الكون أو مشارك في تصريف الوجود يستحق أن
يصرف له شيء من العبادة ، فهو الله الملك الحق الذي استحق أن يُعبد وحده لا
شريك له. قال تعالى :
﴿قُلْ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ
شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ(22)﴾
[سبأ:22] .
وقال تعالى :
﴿يُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمْ اللَّهُ
رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا
يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ(13)إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ
وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾
[فاطر:13-14].
7- الله صاحب الكمال
والجلال والعظمة والكبرياء والعلو :
ومن يتأمل في آفاق الكون الواسعة وحدوده الممتدة بما لا يقدر الإنسان
على الإحاطة به، يشعر بعظمة هذا الكون الدالة على عظمة خالقه سبحانه. والتأمل
في أنظمته البديعة ومخلوقاته العظيمة ، وما يزخر به من آيات الجلال والكمال
والقوة الدالة على جلال خالقه وكماله وقوته وعظمته وعظيم نعمه ، يجعل القلب
معلقاً بالله صاحب هذا الجلال والكمال والعظمة والعلو والكبرياء فينفعل بذلك
القلب والوجدان مخبتاً بين يدي ربه مردداً قوله سبحانه
﴿تَبَارَكَ
اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(78)﴾
[الرحمن:78] وقوله :
﴿سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(1)﴾ [الأعلى:1]
مقراً بقوله سبحانه :
﴿ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ
الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(62)﴾ [الحج:62].
8-
الله الذي يثيب عباده بالجنة ويعاقب الكافرين بعذاب النار :
وإن هذه
الحياة مهما طالت أيامها فالموت قادم يكتب نهايتها ، ومهما تملك فيها الإنسان
فيستخلى عنه ويخرج من الدنيا كما دخل إليها ، فهي دار فناء وغرور تنكشف
حقيقتها مع لحظات الموت وحشرجته ، يوم أن يفارق الإنسان كل حبيب كان يحرص على
البقاء معه .ويعلم الإنسان عندئذ أنه منتقل إلى دار الحياة الأبدية التي لا يهددها
موت ولا انقطاع ، والإنسان فيها إن كان ممن عبد الله حق عبادته فهو صاحب
الفوز العظيم بنعيم مقيم مع الخالدين في جنات النعيم. قال تعالى:
﴿تِلْكَ
الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ
تَقِيًّا(63)﴾
[مريم:63]
، وإن كان ممن ترك عبادة الله أو أشرك معه غيره في عبادته فهو في سواء
الجحيم وفي العذاب الأليم. قال تعالى:
﴿...
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ(60)﴾
[غافر:60].
وقال سبحانه :
﴿احْشُرُوا
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ(22)مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ(23)﴾ [الصافات:22-23] .
فكيف لا
يحرص عاقل على عبادة ربه وهي الموصلة إلى الجنة دار المتقين ، وتضييعها يدخل
صاحبه في جهنم دار الجحيم .
العبادة طوعاً وكرهاً
:
إن
الله الملك المتصرف في الوجود قد أخضع من في الكون لأمره وقهرهم بسلطانه كما
قال تعالى:﴿وَهُوَ
الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ... ﴾
[الأنعام:18].وجعلهم
مستسلمين لأمره طوعاً وكرهاً كما قال تعالى :
﴿أَفَغَيْرَ
دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ(83)﴾
[آل عمران:83] .كما جعلهم وظلالهم يسجدون
له طوعاً وكرهاً بالغدو والآصال[23] قال تعالى :
﴿وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(15)﴾
[الرعد:15].وشاء
الله أن يبتلي عباده بالعبادة الاختيارية التي يمارسونها بإرادتهم وهي الغاية
التي من أجلها خلقهم ، كما قال تعالى :
﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56)﴾
[الذاريات:56]
، وأرسل رسله لبيان أوامره
ونواهيه التي طلب من العباد أن يلتزموا بها. وهذه العبادة أنواع ، فكما أن
الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان تمارسه الجوارح، فالعبادة
كذلك منها ما هو قلبي ومنها ما يتعلق باللسان ، ومنها ما يتعلق بالجوارح
.
العبادة
القلبية : لقد خلق الله القلب الذي بتوقفه أو انعدامه تنقطع الحياة ،وأناط به عبادات منها ما هو واجب مأمور به ،ومنها ما هو حرام منهي عنه .
أ)
العبادات القلبية الواجبة :
للقلب عبادات كثيرة أهمها الإخلاص والتصديق. قال تعالى :
﴿وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...
﴾ [البينة:5] .
وقال
سبحانه عن المؤمنين الصادقين
﴿...
أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ ...﴾
[المجادلة:22].والإخبات
لله سبحانه ، قال تعالى :
﴿وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا
بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ... ﴾
[الحج:54].والخشية
من الله سبحانه والوجل منه ، كما قال تعالى:
﴿...
فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي ...﴾[المائدة:44].
وقال
سبحانه في صفة المؤمنين الصادقين
﴿الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...﴾
[الحج:35]
.والتوكل
: وهو اعتماد القلب على الله سبحانه في تصريف الأمور ، قال تعالى
﴿...فَاعْبُدْهُ
وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ...﴾
[هود:123].ومحبة
الله سبحانه ، كما قال تعالى:
﴿...
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ...﴾
[البقرة:165].والصبر،
كما قال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ... ﴾
[آل
عمران:200]. والصبر ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله حتى يؤديها ، وصبر عن معصية الله فلا يقع فيها وصبر على المصائب التي تقع على العبد .
والخوف
منه سبحانه. قال تعالى :
﴿...
فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)﴾
[آل
عمران:175]
والإنابة إليه سبحانه وهي الرجوع إليه في كل وقت توبة وإخلاصاً ومحبة ، كما
قال سبحانه :
﴿وَأَنِيبُوا
إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ...﴾
[الزمر:54].والرجاء
وهو الثقة والاستبشار والانتظار لفضل الرب سبحانه وجوده وكرمه. قال سبحانه :
﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21)﴾
[الأحزاب:21].والرغبة
إليه والرهبة منه والخشوع له سبحانه ، كما قال تعالى
﴿...
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90)﴾
[الأنبياء:90]
. إلى غير ذلك من أنواع عباداته. [24]
ب) المحرمات القلبية
:
وهناك
محرمات قلبية نهى الله سبحانه عنها مثل النفاق وهو إظهار الإيمان وإبطان
الكفر في القلب. قال سبحانه
﴿...
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ
جَمِيعًا(140)﴾
[النساء:140].والغفلة
وهي اشتغال القلب بمتاع الحياة الدنيا عن عبادة الله كما قال سبحانه مخاطباً
نبيه ومنبهاً من وراءه من المؤمنين
﴿...
وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ(205)﴾
[الأعراف:205]
.وقال
سبحانه :
﴿إِنَّ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا
غَافِلُونَ(7)أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ(8)﴾[يونس:7-8].والكبر
وهو رد الحق واحتقار الناس، قال سبحانه ﴿سَأَصْرِفُ
عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
...﴾
[الأعراف:146]
وقال سبحانه
﴿...إِنَّهُ
لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ(23)﴾
[النحل:23].وقال
سبحانه :
﴿...
وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ
إِلَيْهِ جَمِيعًا(172)﴾
[النساء:172].وقال
النبي
r:-
"لا يدخل الجنة من كان في
قلبه مِثْقَال ذرة من كِبْر".[25]
والرياء
، كما ذم سبحانه المرائين فقال
﴿وَالَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...﴾
[النساء:38]
وفي الحديث:
(من رَاءى رَاءى الله به
ومن سَمَّع سمَّع الله به)[26]
.
والعجب
والفخر بالنفس والخيلاء كما قال تعالى :
﴿وَلَا
تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ
تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا(37)﴾
[الإسراء:37].
وقال
سبحانه
﴿...إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(18)﴾
[لقمان:18].والحسد
، كما ذم سبحانه أهل الكتاب لحسدهم قال تعالى :﴿
وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ...﴾
[البقرة:109]وأمر
سبحانه بالاستعاذة من شر الحاسد. قال سبحانه
﴿وَمِنْ
شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)﴾
[الفلق:5].والقنوط
وهو اليأس من رحمة الله قال سبحانه
﴿...
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ...﴾
[الزمر:53]
وقال
﴿قَالَ
وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ(56)﴾
[الحجر:56] .والحزن
والغم بانتصار الإسلام والمسلمين ، والسرور والفرح بمصائبهم ، كما هو حال
المنافقين. قال سبحانه
﴿تَمْسَسْكُمْ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
وَإِنْ...﴾
[آل عمران:120] .وشهوة
المحرمات وتمنيها وهي الممرضة للقلب كما قال تعالى
﴿...
فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ
...﴾
[الأحزاب:32].
العبادات
القولية : خلق الله اللسان واتقن تركيبه ، وجعله مبيناً لما في النفس ، ولو شاء لجعله أخرساً لا يبين ، وكما أخضع عملية النطق باللسان لأقداره الحكيمة ، فقد علق بها عبادات قولية . فمما أوجبه الله سبحانه وتعالى من العبادات القولية : النطق بكلمة الحق التي بها سعادة الدنيا والآخرة وهي : بالشهادتين وتلاوة ما تلزمه تلاوته من القرآن وهو ما تتوقف صحة صلاته عليه، وتلفظه بالأذكار الواجبة في الصلاة التي أمر الله بها ورسوله ، ومن واجبه رد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق والهدى وإظهار العلم وتعليم الجاهل وإرشاد الضال ، وأداء الشهادة المتعينة، وصدق الحديث وغيرها . ومن مستحبات العبادة القولية : تلاوة القرآن ودوام ذكر الله تعالى والمذاكرة في العلم النافع وتوابع ذلك . ومن المحرمات القولية : النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كالنطق بالشرك والكفر والنفاق ، وقذف المسلم وإيذائه بكل قول، والكذب، وشهادة الزور والقول على الله بلا علم ونحو ذلك . ومن المكروهات القولية : كثرة الكلام بغير ذكر الله ، وما لا فائدة فيه من الكلام . كما جعل الله للقلب واللسان عبادات تطهرهما وتزكيهما فقد جعل أيضاً لكل جارحة عبادة تحصل بها طهارتها وزكاتها ، ومن ذلك :
1) العبادة المتعلقة
بالسمع :
خلق
الله للإنسان جهاز السمع وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه ، لأنه يريد له أن
يكون سميعاً عند مغادرته رحم أمه فيسمع الأصوات ويفهم اللغات ، ولو شاء لجعله
أصماً ولعجز كل من في الأرض أن يهبوا له سمعاً. قال تعالى :
﴿قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى
قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ
نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ(46)﴾
[الأنعام:46] وكما يسر الله للإنسان
آلة السمع بخلقه وقدره ، فقد علق بها عبادات تكون سبباً لفوزه ونجاته
: فمن الواجب في ذلك الاستماع لما أوجبه الله سبحانه أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الاستماع لهدى الإسلام والإيمان وفروضهما التي لا تتم سعادة العبد إلا بها ، وكالاستماع للقراءة في الصلاة ، والاستماع لخطبة الجمعة ونحو ذلك . ومن المحرمات في ذلك :- الاستماع للكفر وللنفاق والبدعة على وجه القبول والموافقة ، والاستماع لأصوات النساء الأجانب على وجه الشهوة والتلذذ ، وكذلك الاستماع للمعازف المحرمة وآلات اللهو الباطل ، ونحو ذلك من أي استماع يؤدي إلى المعصية . ومن المستحب في ذلك :- الاستماع للمستحب من العلم ، وقراءة القرآن وذكر الله ، ونحو ذلك من الاستماع لكل ما يحبه الله وليس بواجب . ومن المكروه في ذلك :- الاستماع لما لا فائدة في الاستماع له .
2) العبادة المتعلقة
بالبصر
خلق
الله للإنسان جهازاً بصرياً بديعاً محكماً وهو لايزال في ظلمات الرحم ، ليكشف
له به ما حوله ، ويرى به طريقه ويوجه به عمله عند مفارقة ذلك الرحم ولو شاء
جعله أعمى، ولعجز كل من في الأرض أن يمنحوه بصراً. قال تعالى :﴿وَاللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ
لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ(78)﴾
[النحل:78] وجعل الله شكر هذه النعمة
معلقاً بعبادات يؤدي العبد بها حق هذه النعمة الكبرى ، وتتمثل عبادة البصر في
واجبات ينبغي أداؤها وحرمات ينبغي اجتنابها ، ومستحبات ومكروهات .
فمن الواجبات النظر إلى ما أوجب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كالنظر إلى آيات الله المشاهدة في الكون ليستدل بها على توحيده وحكمته، وكالنظر في المصحف وكتب العلم ، والنظر لتمييز الحلال من الحرام في الأعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها . ومن المحرمات : النظر إلى ما حرم الله ورسوله النظر إليه مثل النظر إلى النساء الأجنبيات والنظر إلى العورات وكل من تخشى الفتنة بالنظر إليه ، ويدخل في ذلك تحريم النظر في المنشورات الخليعة ووسائل الإعلام الهدامة ، وكذلك النظر في كتب ومنشورات الكفر والإلحاد والاطلاع عليها على وجه القبول والموافقة ، ونحو ذلك . ومن المستحبات : كل نظر يزداد به المؤمن إيماناً وعلماً ، كالنظر في المصحف وفي آيات الله المشهودة ، وكتب العلم المختلفة ونحو ذلك . ومن المكروهات : فضول النظر، وهو كل نظر لا مصلحة فيه ولافائدة من ورائه.
3) العبادة المتعلقة
بالذوق والطعم : فمن الواجب في ذلك : الأكل والشرب مما أذن الله فيه ، لتبقى النفس لتؤدي الوظيفة التي خلقت من أجلها ، ومن ذلك تناول الدواء إذا تعين للنجاة من الهلاك. والذوق الحرام : وهو تناول كل ما حرّمه الله ورسوله ، كالميتة والدم والخنزير وشرب المسكرات والسموم القاتلة ، والأكل والشرب في نهار رمضان بلا عذر، وأكل الأموال المحّرمة ، ونحو ذلك . والمستحب :- مثل تناول ما يزيد في قوتك على طاعة الله تعالى من الطيبات ، ومع الضيف .
والمكروه
منه :- كذوق المشتبهات ، والأكل فوق الحاجة ، وأكل أطعمة
المتبارين[27]
ونحو ذلك .
4) العبادة المتعلقة
بالشم : فيجب منها شم التمييز بين الحلال والحرام ، والخبيث والطيب وما يملك الانتفاع به وما لا يملك ونحو ذلك . ويحرم منه مثل : تعمد شم الطيب من النساء الأجنبيات للفتنة . والمستحب : شمّ كل ما أعان على طاعة الله ، وبسط النفس للعلم والعمل .
5) العبادة المتعلقة
باليد : فالواجب منها : كالجهاد في سبيل الله ، وما يتعلق بالعبادة الواجبة كالوضوء والتيمم ورمي الجمار، والتكسب المقدور للنفقة على النفس والأهل والعيال ، وإعانة المضطر ونحو ذلك . والمحرم من ذلك مثل:- قتل النفس المحّرمة ، ولمس الأجنبية ، والسرقة ، وإيذاء من لا يحل إيذاؤه ، وكتابة شهادة الزور والظلم والحكم الجائر ، وكتابة الكفر والإلحاد والبدعة والفجور وكل ما يضر بالإسلام والمسلمين في دينهم أو دنياهم ، وكتابة الفتوى التي تخالف حكم الله ورسوله مع العلم بذلك ، ونحو ذلك. والمستحب : عمل كل ما فيه منفعة في الدين أو الدنيا مثل كتابة ما فيه منفعة في الدين أو مصلحة للنفس أو للآخرين . والمكروه :- كل عمل لا منفعة فيه ولا فائدة من ورائه .
6) العبادة المتعلقة
بالقدم : الواجب منها :- المشي إلى ما أوجبه الله كالجمعة والجماعة والحج وصلة الرحم، وطلب العلم والجهاد في سبيل الله ، والمشي إلى حكم الله ورسوله إذا دعي إليه . والمحرم من ذلك :- المشي إلى كل معصية لله . والمستحب :- المشي إلى كل طاعة مستحبة .
المكروه :- كل مالا
مصلحة فيه ولا منفعة ، وما تركه خير من فعله.[28]
إن الله
سبحانه وتعالى لا يقبل من عباده أي عبادة ما لم يلتزم صاحبها بالشروط الآتية
:-
1) الإيمان : لا يقبل الله أي عمل إلا إذا كان صاحبه مؤمناً ، ولذا لا يثيب الله
الكافر على ما عمل لأنه لم يقصد بعمله وجه ربه.[29]
قال تعالى :
﴿وَقَدِمْنَا
إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً
مَنْثُورًا(23)﴾
[الفرقان:23]
وقال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ
كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً
حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ
فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)﴾
[النور:39] .
2) الإخلاص :
فلا يقبل الله العبادة من أحد إلا إذا كانت خالصة له سبحانه
.
قال تعالى :
﴿وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
...﴾
[البينة:5].وقال تعالى :
﴿قُلْ
إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ
الدِّينَ(11)﴾
[الزمر:11].
وقال النبي r: (إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى …)[30]
وقال r: [قال الله تبارك وتعالى
: (أَنَا أَغْنَى
الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي
غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.)[31]
وقال
r:
(إِذَا
جَمَعَ اللَّهُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ نَادَى
مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّ
اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ).[32]
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى :
﴿...لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا...﴾
[الملك:2]
أخلصه وأصوبه ، فإنه إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان
صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً وصواباً ، والخالص أن يكون
لله والصواب إذا كان على السنة.[33]
فالعبادة
ليست شكلاً يتعلق بالمظهر ، ولا رسماً يتصل بالجسد فحسب ، ولكنها مع ذلك عمل
قلبي وإخلاص ينبع منه ، لذلك كان الإخلاص شرطاً للقبول
. 3) الإتباع للكتاب والسنة :
إن العبادة المقبولة هي التي تكون موافقة لما جاء به النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من ربه ، لأن العبادة لله لا تكون صحيحة مقبولة إلا بالامتثال
لمراده المبين في الكتاب والسنة ، ومن عبده بما لم يشرعه فعبادته مردودة لأنه
لم يمتثل لأمر ربه ، وإنما امتثل لهوى نفسه أو هوى غيره. قال تعالى :
﴿ثُمَّ
جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(18)إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ
اللَّهِ شَيْئًا...﴾
[الجاثية:18-19] .
وقال رسول الله r: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا
لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)[34]
وكان النبي
rيقول في خطبة الحاجة :
[خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الأمُورِ
مُحْدَثَاتُهَا وكل بدعة ضلالة.][35]
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : "اللهم أجعل عملي كله صالحاً،
واجعله لوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً".[36]
قال ابن
تيمية :- دين الإسلام مبني على أصلين :
أحدهما : ألا نعبد إلا الله
.
والثاني :
أن لانعبده إلا بما شرع[37]
.
والمتابعة
لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة ووفقاً للأمور الستة
الآتية:- 1- السبب :
إذا شرع
الله عبادة مقرونة بسبب فلا تصح بغير سببها ، مثل صلاة الكسوف في غير الكسوف
، ولا يصح ابتداع سبب غير مشروع لممارسة أي عبادة مثل : أن يجعل خروج الجنازة من
المنزل سبباً للتقرب إلى الله بالذبح .ومثل أن يجعل وداع المسافر سبباً للأذان .فالذبح عبادة ، والأذان عبادة ، ولكنهما
لما قرنا بسبب غير مشروع أصبحا بدعة . 2- جنس العبادة :
ومن شروط
قبول العبادة أن تكون جنساً مشروعاً ، فلو تعبد إنسان لله سبحانه وتعالى
بعبادةٍ لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة منه ، كمن ضحى بفرس فلا تقبل منه هذه
الأضحية وإن كان الفرس أغلى من البقر والإبل لأنه خالف الشريعة في الجنس
. 3- القدر :
لقد حد
الشارع لكل عبادة حداً لا تتجاوزه ولا تنقص عنه ، فلو أن رجلاً زاد في صلاة
الفريضة ركعةً مثلاً بقصد القربة إلى الله فهذا العمل مبطل للعبادة مخالف
للشرع بالاتفاق . 4- الكيفية :
شرع الله
لكل عبادةٍ كيفيةً خاصة بها ، فمن خالفها فقد ابتدع في دين الله فلا تقبل منه
هذه العبادة ، كمن بدأ الصلاة بالتشهد . 5- الزمن :
جعل الله
لبعض العبادات أزمنةً محددة لا يصح مخالفتها تقديماً أو تأخيراً بإحداث زمن
غير الذي حدده الشرع. كمن حجّ في غير أشهر الحج ، وكمن ضحى في أول أيام ذى
الحجة فلا تقبل أضحيته لأنه أداها في غير
وقتها. 6- المكان :
ربط الشارع بعض العبادات بأمكنةٍ خاصةٍ بها مثل الحج والطواف
والاعتكاف، فمن ابتدع مكاناً خصه بأداء عبادة من تلقاء نفسه فعمله بدعة
مردودة عليه ، كمن حج إلى غير بيت الله الحرام .
إن الصانع
لأي شيء هو صاحب الحق في توجيه ذلك المصنوع وبيان كيفية سيره ، وهذه بديهية
لا ينازع فيه أحد . لكن الكافرين ينازعون خالقهم في استحقاقه لهذا الأمر المتعلق بالحكم والتشريع لعباده فقد قال سبحانه : ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54)﴾ [الأعراف:54].والصانع لأي مصنوع هو الأعلم بكيفية تسيير ذلك المصنوع وما يصلحه وما يفسده ، وهو صاحب الحق في ذلك ، لكن الكافرين يدعون أنهم الأعلم بشئونهم من خالقهم الذي خلقهم القائل: ﴿... هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ...﴾ [النجم:32].والقائل : ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14)﴾ [الملك:14] .كما يسلم العقلاء بأن المالك لأي شيء هو صاحب المشروعية في التصرف بما يملك، لكن الكافرين لا يقرون لخالقهم المتصرف فيهم بهذا الحق.قال تعالى : ﴿... أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54)﴾ [الأعراف:54].وغداً يقف الناس بين يدي الله فيحاسبهم فيسألهم ماذا أجبتم المرسلين ، وتكون النجاة مرهونة بالخضوع لشرعه وحكمه ، كما يكون العقاب لمن أبى أن يستسلم لشرعه وحكمه سبحانه وتعالى خطر الابتداع في الدين :
أكمل الله سبحانه وتعالى الدين وأتم
الشريعة ، وختم برسالة محمد
r الرسل والرسالات فبعثه إلى الإنس والجن ،
فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ما حرمه ولا دين إلا ما شرعه ، فليس لأي
إنسانٍ أن يحدث في الدين شيئاً ، لأن هذا يعد مشاركة لله في تقرير الدين أو
استدراكاً عليه سبحانه وكأن الشرع ناقص .
قال الإمام مالك رحمه الله : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد
زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول :
﴿...الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...﴾
[المائدة:3]
فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً.[38]ولا دين إلا ما أذن الله به. قال تعالى:
﴿أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ ...﴾ [الشورى:21] فمن شرع لنفسه أو لغيره دينا لم يأذن الله به فقد جعل نفسه نداً لله.
ولخطر
البدعة حذّر منها النبي r
فقال:
"… إِيَّاكُمْ
وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلالَةٌ".[39]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :-
عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع.[40]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل ضلالة.[41]
تعريف البدعة
أ- البدعة في اللغة :- هي مصدر بَدَعَ ، والباء والدال والعين أصلان
:
أحدهما :
ابتداء الشيء وصنعه من غير
مثال .
والآخر
: الانقطاع والكَلال .
فالأول
قولهم أُبدع الشيء قولاً أو فعلاً : إذا بُدىء من غير سابق مثال
.
والأصل الآخر: أبْدَعَتِ الراحلةُ ، إذا كلَّت
وعَطِبت[42]
ب-
البدعة في الاصطلاح :
تنوعت
عبارات العلماء – رحمهم الله – في تعريف البدعة ، وحاصل أقوالهم أن البدعة هي
الأمر المحدث في الدين مما يتقرب به إلى الله ولا أصل له في الشريعة ، سواء
كان ذلك في مسائل الاعتقاد أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة ، وبعبارة
أخرى : البدعة هي التقرب إلى الله بما لم يشرعه أو التعبد لله بما لم يشرعه
.
ومما قاله
أهل العلم في تعريف البدعة :
1-
عرفها الشاطبي رحمه الله بقوله
:-
البدعة في الاصطلاح : هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ،يقصد
بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية[43]
.
2-
وعرفها ابن تيمية بقوله : البدعة في
الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله ، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب
.
3-
وعرفها الحافظ ابن حجر بقوله :- والمحدثات جمع محدثة والمراد
بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع[44]
.
4-
وعرفها الجرجاني بقوله :- البدعة هي الأمر المحدث الذي لم يكن
عليه الصحابة والتابعون ، ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي.[45]
وهذه التعريفات مأخوذة مما فهم العلماء رحمهم الله من قول النبي صلى
الله عليه وآله وسلم "من أحدث
في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ."[46]
أنواع البـدع في
الدين
يمكن أن تقسم البدعة
في الدين إلى أنواع متعددة باعتبارات مختلفة :
أ- فهي باعتبار كونها
قولية أو عملية تنقسم إلى نوعين :
النوع الأول : بدعة قولية اعتقادية[47]
النوع
الثاني : بدعة في الشعائر التعبدية .
وهذه أنواع
منها :
1- ما يكون
في أصل العبادة. كأن يحدث عبادة لا أصل لها في الشرع مثل إحداث صلاة غير
الصلوات المشروعة أو صيامٍ أو نحو ذلك .
2- ما يكون
في الزيادة على أصل العبادة المشروعة أو الإنقاص منها كزيادة ركعة رابعة في
صلاة المغرب مثلاً ، أو نقص حد القاذف إلى خمسين جلدة لمجرد قصد القربة إلى
الله .
3- ما يكون
في صفة أداء العبادة المشروعة : بحيث يؤديها على صفة غير التي شرعت العبادة
عليها كأن يبدأ الصلاة بالسجود .
4- ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع كتخصيص يوم
معين من شهر معين بصيام مثلاً بدون دليل[48]
. ب- وتنقسم البدعة بالنظر إلى ذاتها إلى: بدعة حقيقية وإضافية :-
فالحقيقية :
هي التي لا تستند إلى دليل معتبر ولا إلى شبهة دليل لا في الجملة ولا في
التفصيل ، كالقول بعصمة الأئمة عند بعض الفرق .
والإضافية :
هي التي تستند إلى شبهة دليل فقط ، كالامتناع عن بعض المباحات لغير غرض صحيح
بقصد التقرب والتعبد لله ، كالوضوء بالماء البارد في شدة البرد بقصد التعبد
مع وجود الماء الدافئ.
ج- وتنقسم البدعة باعتبار الفعل والترك إلى:-
بدعة فعلية
وأمثلتها كثيرة[49] ، وبدعة
تركية ، كترك بعض المباحات تعبداً كما ذكرنا في المثال السابق وقد جاء في
الحديث النبوي
أنه
جَاءَ
ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
rيَسْأَلُونَ عَنْ
عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
قال الحافظ
ابن حجر : قوله "فمن رغب عن سنتي فليس مني" المراد بالسنة الطريقة … والمراد
من ترك طريقتي وأخذ طريقة غيري فليس مني . د- وبالنظر إلى كونها مركبة أو بسيطة تنقسم إلى بدعة مركبة وبدعة بسيطة:
فالبدعة
المركبة هي المشتملة على مجموعة بدع ، كبدعة الحج إلى غير بيت الله إذ تضم
هذه البدعة لفيفاً من البدع والمخالفات مثل : تخصيص يوم معين وذكر معين وهيئة
معينة بغير دليل ، واوراد وأشعار تحوي أشياء من الجهالات
والأكاذيب.[51]
والبسيطة
التي لا يدخل معها غيرها.[52] هـ- وبالنظر إلى كونها كلية أو جزئية تنقسم إلى بدعة كلية ، وبدعة جزئية :
فالبدعة
الكلية بمعنى أنها تعتبر كالقاعدة والأصل لبدع أخرى تنبني عليها كالقول بعصمة
الأئمة عند بعض الفرق ، انبنى عليها عدد من البدع ، كإنزالهم هؤلاء الأئمة
منزلة الأنبياء ، واعتقاد الصواب المطلق في أقوالهم وأفعالهم ، وطلب الحاجات
التي لا تطلب إلا من الله منهم إلى غير ذلك من الضلالات
.
وبالمقابل تكون البدعة جزئية لا تتجاوز ذاتها ولا يبنى عليها شيء من
البدع كحال أغلب البدع[53].
1-
الجهل بالدين :
فقد ظهرت كثير من البدع نتيجة الجهل بأن الدين لا يكون إلا بهدى وشرع
من الله سبحانه. قال تعالى:
﴿أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ ...﴾ [الشورى:21]
ونتيجة للجهل بأن الدين قد كمل : قال تعالى :
﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...﴾
[المائدة:3].
ويزداد الأمر سوءاً حين يظن أهل الجهل في جاهلٍ مبتدعٍ أنّه من أهل
العلم ، أو أن كلامه حجة في الدين ولو لم يكن عليه دليل ، بينما هو جاهل بدين
الله فحينئذ يَضّلِ ويُضلهم معه ، كما قال النبي
r:- (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ
انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ
بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ
النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً ، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ
فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.)[54]
ومن مظاهر
الجهل الموقع في البدع :- الاعتماد على الحكايات والمنامات والقياسات التي
تخالف الأدلة الصحيحة ، وكذا الاعتماد على الأحاديث والآثار الضعيفة أو
الموضوعة التي تخالف الأصول القطعية .
2-
التقليد المذموم واتباع العقائد الباطلة :
ومعناه :
اتباع أهل الضلال على باطلهم لمجرد الموافقة ، ومجانبة الحق المؤيد بالأدلة
الصحيحة .
وقد عاب الله سبحانه في كتابه المقلدين بالباطل ، فقال سبحانه
﴿وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا
أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(170)﴾
[البقرة:170] .
3-
اتباع الهوى :
بعض الناس
يكون له حظ من العلم بالشريعة ، ولكن الذي يحمله على الوقوع في البدعة هو
اتباع هوى نفسه أو غيره ، وعدم التسليم والانقياد للنصوص الشرعية، وقد وصفَ
العلماء السائرين على هذا النهج بأنهم أهل الأهواء .وقد ذم الله سبحانه من اتبع هواه وترك الحق ، فقال سبحانه
﴿...وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ
...﴾ [القصص:50]
.وقال سبحانه
﴿أَفَرَأَيْتَ
مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ
عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ
يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(23)﴾
[الجاثية:23] .
ومن مظاهر اتباع الهوى :- معارضة النصوص الشرعية بالأذواق أو
بالآراء والقياسات والتأويلات الفاسدة اتباعاً لهوى النفس أو هوى الآخرين
.
الفرق بين البدعة في الدين
والسنة الحسنة
ورد عَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ الأعْرَابِ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r، عَلَيْهِمْ الصُّوفُ
فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى
الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ
ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ
جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " مَنْ
سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ
وَمَنْ سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ
عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ
شَيْءٌ".[55]
يتضح من سياق الحديث أن السنة الحسنة التي
قام بها الصحابي الأول صاحب الصرة تمثل استجابة لأمر النبي
rوابتداء عمل يحقق
الاستجابة وليست ابتداعاً في الدين ، إنما هي ممارسة لإقامة أمر من أمور
الدين.وكذلك إحياء
عمر رضي الله عنه لصلاة التراويح ، إنما كان إحياءً لما فعله النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في عهده من قيامٍ للصلاة في الليل ، وإنما تركه خشية أن يفرض
على الأمة فلما انتفى هذا المانع أحياها عمر رضي الله عنه ووافقه على ذلك
الصحابة والتابعون ولم يكن ذلك ابتداعاً جديداً في الدين.[56] وكذلك
كتابه المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه لم تكن تغييراً للقرآن أو ابتداعاً
فيه ، وإنما كانت عملاً يحافظ به على القرآن .ومن هذا نعرف أن البدعة هي
اختراع بالحذف أو الإضافة في الدين مما لم يشرعه الله ، أما السنة الحسنة :
فهي ابتداء عمل أو اختراع وسيلة لإقامة أمر ثابت في الدين
.
الاختراعات
والوسائل المستحدثة :
وكل ما يستخدم لإقامة الدين من مخترعات ووسائل مستحدثة لا يعتبر بدعة
مذمومة ، لأنه ليس إحداثاً في الدين وإنما هو وسيلة لإقامة الدين وإحيائه
كالأسلحة الحديثة لإقامة الجهاد ، ووسائل الإعلام لنشر الدين ، ووسائل
التعليم والإيضاح لتعليم الدين وبيانه وهكذا .
ضوابط وتنبيهات في
البدعة
أ-
بعض قواعد معرفة البدع :
1- كل عبادة
تستند إلى رأي مجرد أو هوى فهي بدعة .
2- كل عبادة
تستند إلى حديث مكذوب فهي بدعة .
3- كل تقرب
إلى الله بفعل ما نهى عنه وحرمه فهو بدعة ومعصية في آن
واحد.
4- كل عبادة تركها الرسول مع كون سببها المقتضي لها قائماً ، والمانع
منها منتفياً ففعلها بدعة.[57]
5- كل عبادة وردت على صفة مقيدة فتغيير هذه الصفة
بدعة.[58]
ب-
تنبيهات :
1) ينبغي
التحقق من كون العمل بدعة قبل الحكم عليه بذلك
.
2) عذر
المبتدع المجتهد وحسن نيته لا يقتضي إقراره على البدعة ولا يبيح اتباعه في
ذلك ، بل ينكر عليه بالطرق الشرعية .
3) ينبغي
إنكار البدعة بالوسائل المشروعة التي لا تؤدي إلى ظهور منكر أكبر منها
.
[1] مختار الصحاح ، القاموس
المحيط .
[2] المعجم الوسيط .
[3] لسان العرب .
[4] مختار الصحاح ، والقاموس
المحيط .
[5] لسان العرب
.
[6] المفردات في غريب القرآن
.
[7] أخرجه الطبري في تفسيره
عند الآية المذكورة واللفظ له ، والترمذي في تفسير القرآن في تفسير سورة
التوبة ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/56 .
[8] رواه الطبري في تفسيره
عند الآية المذكورة .
[9] أخرجه الترمذي في أبواب
تفسير القرآن في تفسير سورة البقرة وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/24
، وأبو داود ك/ الصلاة ب/ الدعاء ، وابن ماجه ك/ الدعاء ب/ فضل الدعاء ،
وأحمد في مسند أول مسند الكوفيين من حديث النعمان بن بشير
.
[10] انظر : نضرة النعيم
7/2742-2744 .
[11] العبودية / لابن تيمية
10/149 من مجموع الفتاوى .
[12] العبودية ص 10 .
[13] أخرجه مسلم ك/ البر
والصلة والآداب ب/ تحريم الظلم ، وأحمد في مسند الأنصار من حديث أبي ذر
الغفاري.
[14] قال الحافظ ابن حجر
الفتح 14/277 ط دار الفكر 1414هـ 1993م "أن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا
صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منها" بعد ذكر فوائد
الأثر المروى عن معاذ رضي الله عنه "أما أنا فأنام وأقوم وأرجو في نومتى ما
أرجو في قومتي" ، وقال النووي : في شرح صحيح مسلم 12/413 ط دار المعرفة
1414هـ –1994م "معناه : أني أنام بنية القوة ، وإجماع النفس للعبادة.
وتنشيطها للطاعة ، فأرجو في ذلك الأجر كما أرجو في قومتي أي صلواتي
.
[15] أخرجه البخاري ك/
الفرائض ب/ ميراث البنات ، ومسلم ك/ الوصية ب/ الوصية بالثلث واللفظ له
.
[16] مفاهيم ينبغي أن تصحح
محمد قطب ص205 بتصرف .
[17] فرش الأرض بطبقة سميكة
من الصخور يصل سمكها ما بين 33 إلى 74كلم تقريباً تحجز أخطار النيران الأرضية
من أن تقضي على من على سطحها وجعل الأرض قابلة للزراعة ووفر فيها الماء ودرجة
الحرارة المناسبة وأحاطها بالغلاف الجوي المناسب بخصائصه وكساها بالنباتات
ووفر فيها الأرزاق .
[18] راجع من آيات الله في
الماء ج1 من علم الإيمان .
[19] البخاري ك/ الجهاد
والسير ب/ اسم الفرس والحمار ومسلم ك/ الإيمان ب/ الدليل على من مات على
التوحيد دخل الجنة قطعاً ، واللفظ له .
[20] أخرجه البخاري ك/ تفسير
القرآن ب/ قوله تعالى : " فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون" ، ومسلم ك/
الإيمان ب/ كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده .
[21] راجع درس : من آيات الله
في النبات .
[22] أخرجه الترمذي ك/ صفة
القيامة والرقائق والورع ب/ منه وأحمد من مسند بن هاشم بداية مسند عبدالله بن
العباس رضي الله عنهما ، وانظره في صحيح الترمذي للألباني 2/308 برقم 2648
ط1- مكتب التربية العربي لدول الخليج 1408هـ –1988م
. [23] حركات الوجود كله حركات موجية في انخفاض وارتفاع تشبه حركة الساجد في ارتفاعه وانخفاضه ، وسكان الأرض وظلالهم يسجدون ويرتفعون مع كل دورة للأرض حول نفسها
[24] للتوسع انظر : القلب
ووظائفه في الكتاب والسنة ، وتهذيب مدارج السالكين .
[25] أخرجه مسلم ك/ الإيمان
ب/ تحريم الكبر وبيانه واللفظ له ، والترمذي ك/ البر والصلة ب/ ما جاء في
الكبر وابن ماجه في المقدمة ب/ في الإيمان
.
[26] أخرجه البخاري ك/
الرقائق ب/ الرياء والسمعة، ومسلم ك/ الزهد والرقائق ب/ من أشرك في عمله غير
الله.
[27] المتبارون : هم
المتعارضون المتفاخرون في الولائم رياءً .
[28] انظر مدارج السالكين
لابن القيم 1/143-150 بتصرف .
[29] انظر علم الإيمان
1/17-20 .
[30] أخرجه البخاري ك/ بدء
الوحي ب/ بدء الوحي ، ومسلم ك/ الإمارة ب/ قوله إنما الأعمال بالنية … وأبو
داود ك/ الطلاق ب/ فيما عني به الطلاق والنيات
.
[31] أخرجه مسلم ك/ الزهد
والرقائق ب/ من أشرك في عمله غير الله ، واللفظ له ، والترمذي ك/ تفسير
القرآن ب/ من سورة الكهف وابن ماجه ك/ الزهد ب/ الرياء السمعة
.
[32] أخرجه الترمذي ك/ تفسير
القرآن ب/ ومن سورة الكهف ، وابن ماجه ك/ الزهد ب/ الرياء والسمعة ، وأحمد في
مسند المكثرين حديث أبي سعيد بن أبي فضالة ، وانظره في صحيح الترمذي للألباني
3/74 برقم 3374 ، وصحيح ابن ماجه 2/410 ، وصحيح ابن حبان تحقيق شعيب الأرنؤوط
2/130 برقم 404 ط3 مؤسسة الرسالة 1418هـ 1997م.
[33] جامع العلوم والحكم لابن
رجب الحنبلي ص72 .
[34] أخرجه البخاري ك/ الصلح
ب/ إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ، ومسلم ك/ الأقضية ب/ نقض الأحكام
الباطلة ورد محدثات الأمور .
[35] أخرجه مسلم ك/ الجمعة ب/
تخفيف الصلاة والخطبة واللفظ له .
[36] ابن تيمية الفتاوى ج10
ص173 .
[37] انظر مجموع الفتاوى
10/172-173 بتصرف يسير .
[38] الاعتصام (1/65) .
[39] أخرجه أبو داود ك/ السنة
ب/ في لزوم السنة ، واللفظ له وابن ماجه في المقدمة ب/ اجتناب البدع والجدل ،
وأحمد في مسند الشاميين من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه والدارمي في
المقدمة ب/ اتباع السنة، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/871
.
[40] ابن وضاح ص25 بواسطة
حقيقة البدعة وأحكامها 1/73 .
[41] بواسطة المرجع السابق
1/74 .
[42] معجم المقاييس في اللغة
بشيء من التصرف .
[43] الاعتصام ص50-51
.
[44] فتح الباري 15/178 ط
1414هـ – 1993م دار الفكر – بيروت لبنان
.
[45]
التعريفات ص43 .
[46] أخرجه البخاري ك/ الصلح
ب/ إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ، ومسلم ك/ الأقضية ب/ نقض الأحكام
الباطلة ورد محدثات الأمور .
[47] كاعتقادات ومقالات الفرق
الضالة كالباطنية والجهمية والرافضة وغيرهم .
[48] هذا التقسيم من كتاب
البدع والمحدثات ومالا أصل له ص101
.
[49] مثل بدعة الطواف
بالجنازة حول البيت العتيق سبعاً ، وبدعة الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة
دائماً- غير واردة - كالاجتماع على مائة ركعة بقراءة (قل هو الله أحد) ألف
مرة ، فهذا من البدع لعدم وروده ، انظر معجم البدع ص26، 88
.
[50] البخاري ك/ النكاح ب/
الترغيب في النكاح ، ومسلم ك/ النكاح ب/ استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه .
[51] وكبدعة العزاء يوم
عاشوراء على الحسين رضي الله عنه مشتملة على عدة بدع كالحزن والنوح واللطم
والصراخ والعطش بزعم أن الحسين رضي الله عنه قتل عطشانا ونحو ذلك
. [52] مثل التيمم لزيارة القبر ، وصلاة الظهر عقب صلاة الجمعة ، انظر معجم البدع ص107 ، 327 .
[53] للتوسع ومعرفة الأمثلة
على الأنواع المذكورة وغيرها انظر حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد الغامدي ج2
ص7-189 والاعتصام للشاطبي ج1 ص367 ، ومعجم البدع لرائد
صبري.
[54] أخرجه البخاري ك/ العلم
ب/ كيف يقبض العلم، ومسلم ك/ العلم ب/ رفع العلم وقبضه وظهور الجهل
والفتن.
[55]
أخرجه مسلم ك/ الزكاة
ب/ الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ، اللفظ له ، والترمذي ك/ العلم ب/ ما جاء
فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو إلى ضلالة ، والنسائي ك/ الزكاة ب/ التحريض على
الصدقة ، وابن ماجه ك/ المقدمة ب/ من سن سنة حسنة أو سيئة .
[56] أما ما ورد من قول عمر
رضي الله عنه : نعمت هذه حين جمعهم على صلاة التراويح ، فالبدعة هنا في قوله
هي البدعة اللغوية ، أي أن هذا الأمر لم يكن معمولاً به وكان متروكاً فابتدأ
عمله ، وذلك لأن أصل الاجتماع على قيام الليل مشروع .
[57] كترك
الرسول
rمثلاً الأذان لصلاة العيد
، أما إن وجد المانع من فعلها في عهده وانتفى المانع بعد وفاته فلا يعد فعلها
بدعة ، كصلاة التراويح فإنما تركها في عهده لوجود المانع وهو خوف أن تفرض على
الأمة ، فلما زال هذا المانع بعد وفاته فعلت في عهد الصحابة رضي الله عنهم .
[58] ومن الأمثلة على ذلك :-
أن الطواف المشروع مقيد بأن يجعل الطائف الكعبة على يساره ، فلو طاف إنسان
جاعلاً الكعبة على يمينه زاعماً أن ذلك أفضل فقد وقع في البدعة
. |