مع تحيات موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة                   www.55a.net

الله الرزاق

مقدمـة :

لقد عرفنا الله بنفسه عن طريق آياته ومن ألصق آياته بنا آيات تدبير الله لأرزاقنا التي لا تقوم حياتنا بدونها ، فأمرنا بتوجيه وسائل العلم التي منحنا أيها إلى طعامنا الذي قدره لنا فقال تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ+ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً+ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً+ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً+ وَعِنَباً وَقَضْباً+وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً+وَحَدَائِقَ غُلْباً+وَفَاكِهَةً وَأَبّاً+مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (عبس:24-32) .

كما أمرنا أن ننظر في كل ما خلقه لتوفير هذا الطعام مثل سوق الرياح ، وإنزال المطر ، وإنبات الزرع والشجر ، واختلاف الليل والنهار وما فيها من آيات باهرات ، وغيرها من آياته في الأرض والسماء التي تعرفنا بأنه الرزاق الرحيم والخالق العليم الحكيم ، فجعل تلك الآيات والآثار المشاهدة دليلاً على صفاته التي صدر عنها خلق الأرزاق ، وتدبيرها فإذا عرفنا الصفات العظيمة لرب الكائنات وبارئها ومصورها ، عرفنا أن صاحب تلك الصفات هو ربنا الحكيم العليم الرزاق الكريم الواحد الأحد .

وهيا لنبدأ قصة الرزق وتدبير أسبابها منذ أن قدر في الأرض أقوات جميع الكائنات التي ستعيش عليها كما قال تعالى :(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)(فصلت:10) (1)

أهمية الطعام للإنسان :

هذا الإنسان كان بالأمس طفلاً صغيراً فمن أين جاء نمو جسمه ؟وهذا الإنسان الذي يتحرك من أين جاءت له القوة المحركة لأجزائه الساكنة ؟!!ومن أين اكتسب الصحة التي تحفظ بدنه ؟إن النظرة القاصرة السريعة تجيب فتقول :

الطعام هو الذي نمى الأطفال ، وأمد الأجسام بالطاقة المحركة ، وعمل على وقايتها من الأمراض .

فهل يقوم الطعام بذلك حقاً من ذات نفسه أم أنه يقوم بذلك بتدبير وتقدير من الخالق سبحانه ؟ وهيا لننظر :

فلينظر الإنسان إلى طعامه :

لقد وجد علماء الحياة أن جسم الإنسان بحاجة إلى توفير كميات مستمرة إلى داخل كل خلية فيه من المواد الآتية : الزلاليات (البروتينات)، والأملاح ، والمواد النشوية ، والدهنية ، والفيتامينات والماء(2)  لكي ينمو جسمه ويتحرك ويكتسب وقاية من الأمراض ، كما أن كل خلية بحاجة إلى إخراج دائم لبقايا التفاعلات الكيماوية وفضلاتها وإلا أهلكتها تلك البقايا والفضلات ويموت الإنسان .

معضلات كبرى :

وهنا تبرز أمامنا ثلاث معضلات كبرى :

1- من أين نحصل على هذه المواد الخاصة التي يمكن لخلايا أجسامنا أن تتغذى عليها ؟

2- ومن أين لنا كميات، هائلة، من هذه المواد تكفي لغذاء كل خلية من ملايين الملايين من خلايا جسم الإنسان ؟ وباستمرار ؟ ثم من أين لبني الإنسان جميعاً وكذا سائر الحيوانات هذا الغذاء لكل خلية في كل جسد من أجسادها باستمرار. إن الحاجة ماسة إلى كمياتٍ هائلة تتوافر باستمرار من المواد الغذائية الصالحة لتغذية الخلايا .

3- ثم كيف يمكن إمداد كل خليةٍ في جسم الإنسان بهذه المواد سواء كانت تلك الخلية في وسط المخ ، أو في غلاف الكلية أو في باطن القلب أو في مخ العظام أو في سطح الجلد؟ وكم من ملايين الملايين من الأنابيب الرئيسةِ والفرعيةِ والشعريةِ التي يجب أن تمد إلى كل خلية في جسم الإنسان ؟ كل هذه معضلات كبرى وبغير تدبير حل لها نموت ويموت كل كائن حي.

أين الحل ومن يصنعه ؟

المعضلة الأولى تتمثل في إيجاد المواد الصالحة لغذاء الخلايا وهذه المواد هي:

أ) الأحماض الأمينية (البروتينات) .

ب) المواد السكرية (نشويات) .

ج) أحماض دهنية وجلسرين (مواد دهنية).

د) فيتامينات .

هذه المواد جميعاً لا توجد مستقلة على وجه الأرض ، لنذهب إلى مكانها ونأخذ منها حاجتنا .

 و) الأملاح ، وهذه لا توجد إلا مختلطة بالتربة .

ز) وأما الماء فيوجد مستقلا في الآبار ، والينابيع والأنهار ، والمياه الجوفية. فأين نجد هذه المواد الضرورية لحياتنا ؟

إن معظم المواد السابقة توجد في صورة مركبة معقدة في مختلف النباتات ، أو لحوم الحيوانات ، التي تغذت على هذه النباتات ، فالمصدر الأصلي الخام للمواد السابقة هو النباتات التي تكسو سطح الأرض .

ولكن الموجود من هذه المواد المطلوبة لغذاء الخلية يوجد في النباتات في صورة مواد خام ، لا تصلح لتغذية خلايا الجسم مباشرة. مما ينشئ معضلة جديدة ، وهي: الحاجة إلى أجهزة خاصة ومواد خاصة تقوم بإعداد هذه المواد الخام، وتحويلها إلى مواد صالحة مناسبة لغذاء الخلايا .

أما المواد الخاصة التي تقوم بتحويل الطعام (الخام) إلى طعام صالح للجسم فهي :

1- خمائر (إنزيمات) : الببسين ، الرنين ، التربسين ، الأربسين ، وذلك لتحويل المواد البروتينية إلى أحماض أمينية صالحة لغذاء الخلايا وذلك كمثال. وهناك إنزيمات أخرى لتحويل المواد النشوية والدهنية إلى سكر، وأحماض دهنية وجلسرين. فأين نجد هذه المواد الكيماوية الخاصة بكميات كافية ؟ وما هو الجهاز الذي سيقوم بعملية التحويل هذه ؟

 ولن نطيل البحث كثيراً عن هذه المواد (الإنزيمات) والجهاز المحول للطعام الخام إلى غذاء مناسب للخلايا لأن الجواب موجود في أنفسنا. إن هذه المواد الكيماوية الخاصة (الإنزيمات) موجودة في لعابنا، ومعدنا ، وأمعائنا. ولقد خلقت لنا خلايا خاصة (غدد) ونحـن فـي الأرحـام ، لتقوم بإنتاج هـذه المـواد بالكميـات الكافية. وأما الجهـاز المحـول فهـو (الجهاز الهضمي) الـذي توجـد فيـه هذه الغدد المفرزة للإنزيمات الهاضمة. وهو جهاز محكم دقيق قد أعد لوظيفته

في غاية الدقة والإتقان، ونحن لا نزال أجنة في بطون الأمهات. ومـن دقائق صنع الله في هذا الجهاز أن معدتك تفرز خمائر (إنزيمات) تذيب اللحم. وبالرغم أن المعدة من اللحم إلا أنها قـد غطيت بغشاء مخاطي، يمنـع وصـول هـذه

الإنزيمات المذيبـة للحـم إلى طبقـة اللحـم في المعـدة تحت ذلك الغشاء .

نحن والنبات :

إن مصدر غذائنا الخام هو النبات ، ومصدر المواد الكيماويةِ الهاضمةِ التي تعد الطعام الخام. وتحوله ليكون صالحاً لخلايانا - هو تلك الغدد المفرزة للخمائر الموجودة في الجهاز الهضمي، الذي أُحكم صنعه .

صنع الغذاء في النبات وتوفيره :

قد علمنا كيف تحصل الخلايا في أجسادنا على المواد الغذائية المناسبة ، وكيف يتم هضمها وبقيت المعضلة الثانية : وهي من أين للنبات كميات الغذاء الهائلة اللازمة لتغذية كل كائن حي ؟

هيا لنتفكر في طعامنا ونتأمل كيف أوجد الرزاق الرحيم الحل لهذه المعضلة :

صورة دورة النبات

1- البذور الأصول النباتية : وفر الخالق هذه البذور ، والأصول النباتية من نباتات سابقة، والنباتات السابقة من بذور وأصول أسبق منها وهكذا حتى نصل إلى الأصل الأول لهذه النباتات المتنوعة في خلقها ، وتكوينها مرة بعد أخرى ، وفي توفيرها بكميات هائلة كافية لحاجات كل مخلوق يتغذى على النباتات .قال تعالى: ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ+تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)(ق:7-8).

2- المواد الخام :

أ) التربة : لقد وفر الخالق التربة الصالحة للزراعة بكميات هائلة تكفي لحاجة كل مخلوق يتغذى على النباتات(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ+إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)(الشعراء:7-8) .

ب) الماء : ولقد وفر الخالق سبحانه الماء الذي لا يكون زرع إلا به بكميات تكفي حاجة كل الكائنات الحية ، ويسر لنا أخذه من الأنهار الجارية ، أو العيون ، أو الآبار ، أو المياه الجوفية المخزونة قريباً من سطح الأرض. وأصل هذه المياه تلك الأمطار التي تنزل من السحب على الأرض باستمرار بمعدل (16مليون طن في كل ثانية) . ومن رحمة الله منـزل المطر أنه ينـزل علينا كميات هائلة متدفقة من المياه ولكن في صورة قطرات صغيرة، لا تضر زرعاً، ولا إنساناً ولا حيواناً. وتلك السحب ما هي إلا مياه متحركة تسوقها الرياح من فوق البحار إلى القارات حيث توجد البذور والتربة. قال تعالى(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ)(السجدة:27)  .

ج- ومن رحمة الله بنا ، ومن بديع تقديره أن جعل غاز (ثاني أكسيد الكربون) الخانق الذي يخرج زفيراً أثناء التنفس من أجسامنا ، وأجسام الكائنات الحية جعله من المواد الخام الضرورية لصناعة الطعام في أجسام النباتات ، وفي الوقت نفسه تقوم النباتات بتعويض ما نقص من الأكسجين اللازم لتنفسنا واستمرار حياة الكائنات . 

د) والمادة الخام الأخيرة هـي ضـوء الشمس ، الذي يأخـذه النبـات مـن الشمس بواسطـة المـادة الخضـراء الموجودة فـي خـلاياه ، والذي يصل إلـى وجـه الأرض بالقـدر الكافـي، المناسـب للحيـاة ، فلـو زاد بعـد

الشمس عنـا بمقـدار المسافـة بيننا وبينهـا  لتجمـد كل نبات وكلُ حـي لنقص كميـة الطاقـة الواصلة إليـنا منها ولو قربت إلى نصـف المسـافة بيننا وبينها لاحترق كل كائن حي .قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)(إبراهيم:33).

مصانع الغذاء الوحيدة على الأرض :

الخلايا الخضراء هي المصانع الوحيدة التي تدخل إليها المواد الخام من أملاح التربة ، والماء ، والهـواء ، وضوء الشمس ، فتصنع منها سكرا يتحول إلى مختلف المواد الغذائية(3) : نشويات، دهون، بروتينات ، فيتامينات ويتم ذلك بواسطة خمائر (إنزيمات) خاصة، وتفاعلات كيماوية دقيقة مرتبة. وهذه المصانع الخضراء عبارة عن نقط خضراء صغيرة تسبح في بعض خلايا النبات وخاصةً خلايا الأوراق، وينتج النباتُ كميات وفيرة هائلة من هذه المصانع الخضراء لتحويل المواد الخام السابقة إلى أغذية مناسبة صالحة تكفي لتغذية كل الكائنات الحية .قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(الأنعام:99).

توصيل المواد الخام إلى المصنع :

أحكم الخالق سبحانه توصيل المواد الخام اللازمة لصناعة الغذاء إلى مصانعه الخضراء بتقدير حكيم ،

وتنظيم دقيق كما يأتي :

1- امتصاص الماء والأملاح : تقوم الماصات الجذرية الموجودة في البذور النباتية بامتصاص الماء والأملاح الذائبة فيه بقوة يخلقها الله فيها  تسمى قوة التناضح (الضغط الأسموزي). ثم تقوم هذه الماصات الجذرية (الشعيرات الجذرية) بتوصيل الماء والأملاح الذائبة إلى أنابيب خاصة موجودة في الجذور ، قد أعدت لاستقبال الماء والأملاح، ورفعه إلى شتى أجزاء النبات، حيث يصل في فروع صغيرة إلى المصانع الخضراء الصغيرة .

2- إدخال الهواء :ويدخل الهواء  إلى المصانع النباتية عبر ثغورصغيرة،قد أعدت بإحكام،وتنتشر في الطبقة السطحية للأوراق ، وقد خلق الخالق سبحانه خليتين حارستين أو أكثر تقوم بدور البواب الذي يفتح ويقفل الثغور بنظام وبحسب الحاجة .

3- الضوء : أما الضوء فيصل مباشرة إلى المصانع الخضراء المنتشرة في أجزاء النبات فوق سطح الأرض. وقد جعل الله أوراق النبات في أوضاع مناسبة للتعرض للضوء(4) فلا يخطئ حامل الأوراق في اتجاهه ، كما لا يخطئ الجزء الذي سيكون الجذر حتى لو وضعت البذرة مقلوبة ، فإن حامل المصانع الخضراء يعرف طريقه دائماً إلى أعلى، فكل يتجه إلى حيث قدر له الخالق سبحانه .

الصناعة والتخزين :

بعد أن وصلت المواد الخام إلى المصانع ، لم تجد أمامها مصنعا أو مصنعين بل استقبلتها ملايين الملايين من المصانع التي تقوم بأهم إنتاج في العالم وأعظمه ، إنه الإنتاج الوحيد ، من المصانع الوحيدة ، القادرة على إنتاج البروتينات، والدهنيات والنشويات والفيتامينات، من ماء وثاني أكسيد الكربون (هواء) وضوء الشمس .ومن بديع صنع الله في هذه المصانع أنها تقوم بعملها دون ضجيج أو إزعاج في عمليات كيماوية حيوية طويلة متلاحقة ، وفي سلسلة متتابعة من الخطوات حتى يكون الناتج تلك الثمار اللذيذة الشهية التي ليست إلا مخازن خزن الله فيها الغذاء وأحكم حفظه فيها .

المعضلة الثالثة :

قد علمنا كيف حلت المعضلتان السابقتان : معضلة إعداد المواد المطلوبة لغذاء الخلايا، ومعضلة توفير هذه المواد باستمرار وبكميات هائلة ، وبقيت المعضلة الثالثة وهي: كيف يمكن إيصال هذه المواد إلى كل خلية في جسم الإنسان ، سواء كانت في وسط المخ أو في قشرة الكلية، أو في سطح الجلد ؟ إذ لا معنى لتوفير المواد المطلوبة دون توصيلها إلى المكان المطلوب .

حل المعضلة الثالثة :

ويجب أن يعرف كل عاقل أن رازقه الرحيم قد أعد أجهزةً كاملةً متعددة تتعاون لحل هذه المعضلة .

أولاً : الجهاز الهضمي :

يبدأ الجهاز الهضمي بالفم – المدخل الوحيد للطعام – وفيه يقطع الطعام (الخام) إلى قطع صغيرة بواسطة الأسنان التي تحركها عضلات المضغ ثم يطحن الطعام لكي يسهل هضمه ، كما أن هضماً جزئياً يبدأ بواسطة اللعاب الذي تفرزه غدد خاصة  موجودة في الفم ، والذي يساعد بلزوجته على انزلاق اللقمة في المريء إلى المعدة ويقوم اللسان بعملية تقليب الطعام في الفم ليتم  خلطه باللعاب ثم دفع اللقمة إلى البلعوم بعد أن يغلق لسان المزمار (شرطي المرور) باب القصبة الهوائية فتنزلق اللقمة إلى المعدة بفعل حركات دودية في المرىء كما يساعدها على الانزلاق ما يفرزه المرىء من إفرازات مخاطية. وفي المعدة تستمر عملية الهضم، حيث يتحول الطعام إلى سائل يسمى (سائل الكيموس)  الذي تفتح له فتحة البواب في المعدة ويتجه إلى الاثنى عشر حيث تستمر عملية الهضم التي هي تحويل المادة الخام من الطعام إلى مادة مناسبة صالحة لتغذية خلايا الجسم ، ثم منها إلى الأمعاء الدقيقة ، حيث تستكمل عمليات الهضم النهائية فتصبح المواد الزلالية أحماضا أمينية، والموادَ النشوية سكراً ، والمواد الدهنية أحماضاً دهنية وجلسرين. ويصبح الطعامُ بهذه الصورة صالحاً لتغذية الخلايا إذ تمتصه (الخملات) الموجودة في الأمعاء ليجري مع مجرى الدم .

ثانياً : الجهاز الدوري :جعل الله دوريات هائلةً ، مستمرةً من الدماء ، تقوم بالدوران على كل جزءٍ ، وكل نقطةٍ في الجسم ، فتوصل إليها ما تحتاجه من غذاء وأكسجين ، وتأخذ منها الفضلات لتوصلها إلى جهاز الإخراج وتمر هذه الدورياتُ على الأمعاء الدقيقة. كما تمر على المعدة والمرىء والفم. ولكنها لا تأخذ الطعام إلا من الأمعاء الدقيقة حيث تمت عمليات الهضم .ولهذا الجهاز الدوري محطة ضخ مركزية ، هي القلب الذي يقوم بإرسال هذه الدماء المتدفقة باستمرار. ويمكنك أن تضع يدك الآن على قلبك لتحس عمله الجاد في إرسال هذه الدماء الدائرة إلى كل نقطة في الجسم ثم استقبالها مرة ثانية ، وذلك في أضخم شبكة مواصلات على الأرض .

ثالثاً : الجهاز اللمفاوي :

إن المواد الغذائية التي انتقلت من الأمعاء إلى الدم وأرسلها القلب مع تيار الدم إلى كل نقطة في الجسم لاتزال في حبس داخل الشعيرات الدموية ، بعد أن قطعت هذه الموادُ الغذائية رحلةً طويلةً من المصانع الخضراءً في النبات إلى أن وصلت  إلى قرب الخلية، ولكن ليس إلى داخلها لأن جدار الشعيرة الدموية  يمنع انتقالها من الشعيرة إلى الخلية ، فخلق الرزاق سبحانه الجهاز اللمفاوي ونحن لا نزال أجنة في بطون  الأمهات،والذي بدونه لا يصل الطعام إلى الخلية ، فيقوم هذا الجهاز بإعداد سائل اللمف الذي يقوم بعملية الوساطة بين الشعيرة الدموية والخلية فيترشح الطعام من الشعيرة الدموية إلى السائل الذي يربط بين الشعيرة الدموية والخلية(سائل اللمف)ويقوم هذا السائل بدوره بإيصال هذه المواد الغذائية إلى الخلية، وأخذ الفضلات،والمواد المتبقية منها وتسليمها للشعيرة الدموية التي تقوم بنقلها إلى أجهزة الإخراج المعُدةِ لهذا الغرض .

ولهذا كان كل ذلك الإعداد :

وكل ما سبق ذكره ابتداء من حركات السحبِ بالماء ، وسطوع الشمس بالضوء ، وامتصاص الجذور للماء والأملاح ، ودخول الهواء من ثغور الأوراق وعملية التصنيع في المصانع الخضراء، وانتهائه بدخول (الأحماض الأمينية والسكر والأحماض الدهنية والجليسرين والأملاح الذائبة والفيتامينات) من سائل اللمف إلى الخلية ، كل ذلك ليس إلا توصيلاً لمادة الطعام (الخام) إلى مكان التصنيع الجديد. حيث يصير الله تلك المواد الغذائيةُ إلى عظام ولحم ودم ومخاط وشمع في الأذن أو مني يمنى أو شعر أو أظافر أو إنزيمات هاضمة أو هرمونات ، أو أي نوع آخر مما يحتوي عليه جسم الإنسان .

رابعاً : الجهاز الإخراجي :

يتَخَلف عن عملية التصنيع السابقة التي تتم في الجسم وفي داخل الخلايا فضلات وبقاياإذالم تطرح خارج الجسم يتعرض الإنسان للهلاك فخلق البديع الرحيم جهازاً خاصاً يقوم بعمليةإخراج هذه المواد المتبقيةالتي لا فائدةَ من بقائها.وتبدأ عملية الإخراج عن طريق المعي الغليظ الذي يحمل بقايا الطعام الذي لم يذب في الإنزيمات الهاضمة،ويخرج غائطاً من فتحة الشرج كما تخرج بقايا الماء والبولينا وحامض البوليك عن طريق الكليتين والحالبين والمثانةفي صورة بول،كما تخرج في صورة عرق من الغدد العرقية،وتقوم الرئتان بإخراج ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء المتولد في عمليات التصنيع والبناء داخل الخلايا .

خامساً : الجهاز العصبي :

خلق الله جهازاً عصبياً في جسم الإنسان يقوم بالإشراف على سيروتنظيم العمليات السابقة وكل عملية أخرى من عمليات الجسم .

تفكروا يا أولى الألباب

  من أوجد (البذور، الماء ، التربة الصالحة للزراعة ، ضوء الشمس ، ثاني أكسيد الكربون ، المصانع الخضراء) على الأرض وجعلها بكميات وافرة تكفى لحاجة كل كائن حي؟ وقدرها بنسب محكمة منذ خلق الأرض ؟

قال تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)(فصلت:10).

   إنه لو زاد سمك الطبقة العليا من الأرض بضعة كيلومترات لاستهلك الأكسجين الموجود الآن كله في تكوين الزيادة في قشرة الأرض وإذاً لما بقي أكسجين ولما وجد نبات أو حيوان أو ثاني أكسيد الكربون كما أن الأكسجين يكون88.8% من وزن الماء في العالم والباقي أيدروجين فلو أن كمية الأيدروجين زادت الضعف عند انفصال الأرض لا تحد مع أكسجين الهواء الجوي ولما وجد إذن أكسجين واستهلكه مكوناً كميات إضافية من الماء تكفي لغمر كل نقطة في الأرض .

تأمل في كمية الضوء المناسبة التي تصل إلى الأرض فلو يطول اليوم قدر ما هو عليه عشر مرات لأحرقت الشمس كل نبات على وجه الأرض. فمن قدر الليل والنهار ليناسب حياة من على الأرض ؟!! مع العلم أن نهار بعض الكواكب أطول من نهارنا بعشرات المرات، وبعضها نصفه نهار دائم، والنصف الآخرُ ليل دائم(5). قال تعالى:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ+قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (القصص:71-72) .

   وتأمل في تقدير الخالق العليم الحكيم لحركة الأرض مع الشمس بحيث تستمر المحافظة على وصول الأشعة الضوئية بالقدر المناسب للنبات ، وما على الأرض من أحياء ، وتأمل في تقدير المسافة بين الأرض والشمس، فلو بعدت عنا الشمس بمقدار نصف المسافة الحالية - بيننا وبينها - لتجمد كل كائن حي ولو اقتربت نصف المسافة لاحترق كل حي ؟!

   وكيف أحكم الله الخالق النبات بحيث يتمكن من استقبال المواد الخام في يسر وسهولة ؟ وكيف يوصل الرحيم إليه هذه المواد الخام الضرورية لنقل الماء من البحار ، وتصعيده ، وتكثيفه، وسوقه ، وإنزاله. وحفظه ، وإيصاله إلى حيث توجد الماصات الجذرية للنبات؟؟

   وكيف سخر الله النبات ليصنع المواد الوحيدة الصالحة لغذاء الحيوان والإنسان (بروتينات ، نشويات ، دهون ، فيتامينات ، أملاح).قال تعالى:(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)(الملك:21) .

   وسل نفسك من أنشأ مليارات المليارات من تلك المصانع الخضراء الصغيرة التي تُكسو وجه الأرض بلونها الأخضر الجميل ؟

       ومن يخلق هذه المصانع الفريدة في كل يوم مع كل نبات ينبت وكل ورقة تتكون ؟

   ومن منح ذلك المصنع الصغير تلك القدرة العجيبة على تحويل الماء ، وثاني أكسيد الكربون وضوء الشمس إلى سكر ؟! ثم تحويله إلى المواد المطلوبة لغذاء الإنسان والحيوان ؟

   ومن ساق تلك المواد المصنوعة إلى المخازن الغذائية (الثمار) اللذيذة ليسهل على الإنسان الحصول على أكبر كمية من الغذاء في أصغر حيز ؟

ومن شق لك فمك وعلم أنه في بداية الجهاز الهضمي فزوده بأسنان عظمية بارزة ، قاطعة، وممزقة ، وطاحنة ، والعظام في الجسم تغطى باللحم إلا في الفم حيث لابد أن تكون عظام الأسنان مكشوفة ؟! وعلم أن تقطيع الطعام وتمزيقه وطحنه وتليينه أمر ضروري لتسهيل أنزلاقه في المرىء إلى المعدة فخلق العضلات المحركة للأسنان، وخلق ذلك القلاب الخلاط الماهر اللسان، وأنشأ تلك الغدد اللعابية التي تسكب في الفم لعاباً يقوم بجزء من الهضم كما يلين البلعة الغذائية، ويربط بلزوجته بين أجزائها ؟ من يا ذوي الألباب ؟؟ قال تعالى:(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ+وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ)(البلد:8-9).

من خلق ذلك الفم بما فيه من أدوات في مكانه الصحيح بداية الجهاز الهضمي بالمواصفات المناسبة ؟ من يا أولى الأبصار ؟!!  (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ+الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:6-7) .

   وهيا لنقف قليلاً عند شرطي المرور (لسان المزمار - الغلصمة) الذي يقف في الحنجرة لينظم دخول الهواء إلى قصبته، ودخول الطعام إلى المرئ .

       وبغير خلق هذا الشرطي يحدث الخلل في سير الجهاز الهضمي ، والجهاز التنفسي ، ويموت الإنسان (بشرقة) !!

   فمن علم بتلك الحاجة الماسة لتلك الزيادة البارزة من لحم ودم (لسان المزمار - الغلصمة) ووضعها في المكان الوحيد في جسم الإنسان - الصالح لأداء وظيفتها - من علم ذلك والإنسان لايزال جنيناً في بطن أمه وأحاط علمه بأن ذلك الجنين سيخرج من ضيق الرحم إلى سعة الأرض ، وأنه سيأكل ويتنفس، وأن الأكل والهواء سيمران من مكان واحد ، وانه لابد من إنشاء (لسان المزمار - الغلصمة)، ليقوم بتنظيم سير الطعام والهواء فامتدت يد قدرته الرحيمة ، وأنشأت ذلك الشرطي الماهر من لحم ودم حسب الوصف المطلوب (تركيبا، وحجما، ووزنا ، ووضعا في المكان المحدد المطلوب) ؟ ألا ترى أن ذلك كله قد تم بعلم وتدبير وحكمة ، وتقدير دقيق ؟ وعجباً لذوي العقول المختلة الذين زعموا أن ذلك كله قد حدث صدفة ، ونشأ بدون علم لما يقوم به من وظيفة ودور خطير!! وهل للَّحم أو الدم ، أو القصبة الهوائية أو المرىء حكمة أو تدبير ، أم أن رحم الأم هو صاحب تلك الحكمة البديعة والصنع الحكيم ، والتصوير الدقيق ، وأنه قد علم بما سيؤول إليه أمر الجنين بعد خروجه منه وعلم بحاجته إلى (لسان المزمار - الغلصمة) فأنشأه مقدماً؟! وهل يصح في الأفهام وصف الرحم بالعلم، والتقدير والتدبير؟ ألا يشهد ذلك كله بأنه من صنع الله المصور البديع ؟القائل (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ+الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ+فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)(الانفطار:6-8).

   وتأمل في المرىء القصبة ذات الحركات الدودية والإفرازات المخاطية ، التي تعمل بإتقان لتسهيل نزول اللقمة (البلعة) إلى المكان المعد لها في المعدة ، فمن ربط هذه القصبة (المرىء) بالمعدة ، ولمَِ لم يربطها بالكبد المجاور للمعدة أو بغدة البنكرياس أو بإحدى الرئتين؟ ألا يدل ذلك الربط المقدر المقصود أن خالق تلك القصبة خبير بما يخلق ولم يخلقه ؟

   وتفكر في قصبة المريء من الداخل تجد الحركات الدودية المتجهة إلى المعدة والإفرازات المخاطية، التي توصل البلعة الغذائية إلى المعدة بيسر وسهولة. فهل تم ذلك خبط عشواء ؟ أم أن المرىء قد أنشأه خالق بعلم وخبرة ليقوم بوظيفة محددة في مكان محدد ؟ وهل حدد المرىء لنفسه هذه المهمة ؟ وهل له علم أو خبرة أو فكر أو تدبير ؟ وهل يقدر أن يغير وظيفته حتى نقول : إن له حرية في ترك أو فعل ؟

   وهذه المعدة تفرز (خميرة) تذيب اللحم ، فمن علمها أن لحماً سيأتي إليها فخلق معها تلك الغدد المفرزة لهذه الخميرة وأعدها، وهي لاتزال قطعة صغيرة من ذلك الجنين الذي يصل إليه غذاؤه جاريا مهضوماً مع دماء الأم ؟ وانظر إلى حفظ الله للمعدة كيف جعل لها غشاء مخاطياً يبطنها ويمنع خمائر المعدة المذيبة للحم من أن تذيب المعدة نفسها .

انظر ماذا يقول أحد أساطين العلوم الحديثة

إنه "أ. كريسى موريسون" رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك ، وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي بالولايات المتحدة سابقاً في كتابه المترجم إلى العربية "العلم يدعو للإيمان": .. فأولا نضع في هذا المعمل (يعني المعدة) أنواعا من الطعام كمادة غُفْل (خام) دون أي مراعاة للمعمل نفسه ، أو تفكير في كيفية معالجة كيمياء الهضم له ! فنحن نأكل شرائح اللحم ، والكرنب والحنطة، والسمك المقلي ، وندفعها بأي قدر من الماء … وقد نضيف إلى كل ذلك كبريتا وعسلا أسود، كدواء في الربيع. ومن بين هذا الخليط تختار المعدة تلك الأشياء التي هي ذات فائدة ، وذلك بتحطيم كل صنف من الطعام إلى أجزائه الكيماوية ، دون مراعاة للفضلات، ويعيد تكوين الباقي إلى بروتينات جديدة تصبح غذاء لمختلف الخلايا ، وتختار أداةً لهضم الجير والكبريت واليود، والحديد وكل المواد الأخرى الضرورية وتُعنى بعدم ضياع الأجزاء الجوهرية، وبإمكان إنتاج الهرمونات، وبأن تكون جميع الحاجات الحيوية للحياة حاضرة في مقادير منظمة، ومستعدة لمواجهة كل ضرورة. وهي تخزن الدهن والمواد الاحتياطية الأخرى، للقاء كل حالة طارئة ، مثل الجوع وحين تتحلل هذه الأطعمة. وتجهز من جديد ، تقدم باستمرار إلى كل خلية من بلايين الخلايا ، التي تبلغ في العدد أكثر من عدد الجنس البشري كله على وجه الأرض، ويجب أن يكون التوريد إلى كل خلية فردية مستمراً وأن لا يورد سوى تلك المواد التي تحتاج إليها تلك الخلية المعينة لتحويلها إلى عظام ، وأظافر ، ولحم ،وشعر،وعينين وأسنان كما تتلقاها الخلية المختصة .

فهاهنا إذن معمل كيماوي ينتج من المواد أكثر مما ينتجه أي معمل ابتكره ذكاء الإنسان، وهاهنا نظام للتوريد أعظم من أي نظام للنقل أو التوزيع عرفه العالم ، ويتم كل شيء فيه بمنتهى النظام!… ومثل هذه المجموعة من المعجزات لا توجد، ولا يمكن أن تحدث بأي حال، في غيبة الحياة ، وكل ذلك يتم في نظام كامل ، والنظام مضاد إطلاقاً للمصادفة. أليس ذلك كله من صنع الخالق ؟"

والأمعاء الدقيقة تستلم الغذاء من المعدة وبعضه نصف مهضوم كالمواد الزلالية (البروتينات) التي بدأ هضمها في المعدة ولم يتم فيفرز البنكرياس المادة الكيماوية الوحيدة على وجه الأرض التي تتم هضم المواد الزلالية وتحولها إلى أحماض أمينية. فمن الذي علم أن الأمعاء التي تخلق الآن في ظلمات الأرحام سيصلها في المستقبل غذاء نصف مهضوم من المواد الزلالية والنشوية ، فأقام ترتيبات بين البنكرياس وهذه الأمعاء تنظم التعاون بينهما لإكمال هضم المواد الناقصة بواسطة إفراز كيماوى (خميرة) هي الوحيدة التي تعمل على إتمام الهضم؟ وهل يصدق عاقل إذا قيل له إن ذلك الاستعداد المناسب الذي هيئت به الأمعاء في ظلمات الأرحام قد كان بدون علم أو دراية لما سيأتي من المعدة من غذاء ؟ وهل تعي الأمعاء هذا الدور الهام الذي تقوم به في سلسلة ترتيبات محكمة قد صممت لإيصال الغذاء الصالح إلى كل خلية في جسمك ؟

والدم يستلم الغذاء من جدر الأمعاء الدقيقة ، حيث الهضم قد تم بعد وصول عصارة الصفراء من الكبد ولا يأخذه من جدر المعدة مع أن العروق الدموية منتشرة في جدرها أيضاً فهل لدى الدم إدراك بان الهضم لم يتم بعد ، وأن عليه أن ينتظر إتمام الهضم الذي سيتم في الأمعاء الدقيقة ؟ وما الذي كان يحدث لو طال انتظار الدم لإتمام الهضم حتى يخرج من فتحة الشرج دون أن يؤخذ منه الغذاء ؟ فهل عرف الدم المكان الصحيح للإمتصاص فوضع أجهزة الإمتصاص في المكان المناسب ؟ عجباً !! وهل للدم تفكير أوتدبير. وهل يوصف بعقل أو فهم ؟ لاشك أن وصف الدم أو طبيعته أو وصف أي جزء من أجزاء جسم الإنسان أو طبيعته بشيء من هذه الصفات لا يختلف عن وصف الأوثان الصماء بالفهم والإدراك والإرادة، لأن الجميع لا يملك لنفسه تبديلا ولا تحويلاً.ولاضراً ولا نفعاً .

وتلك العروق الدموية التي تُكون أضخم وأعقد شبكة في العالم. من مدها إلى كل نقطة في الجسم؟ ومن ربطها بمحطة الضخ العاملة المجدة (القلب) وفروعها دون أن ينسى نقطة في الجسم ؟ وهل تم مد تلك الشبكة الدموية في أجزاء جسم الإنسان بوعي و إدراك أم بخبط ومصادفات ؟! وهل تصدق إذا رأيت صورة لهذه الشبكة الدموية وقيل لك : إن هذه الخطوط المترابطة التي تشاهدها قد ارتبطت مع بعضها في الصورة بواسطة تفاعلات كيماوية تمت بين الألوان وورق الصورة أو بمصادفات وضعت كل خط في مكانه؟ إن مد شبكة مياه في إحدى القرى يحتاج إلى مهندسين وفنيين فمن مد هذه الشبكة الكبرى إلى كل نقطة في جسمك وأنت لاتزال جنينا في ظلمات الرحم؟ وهل قام بذلك التوصيل المحكم الدم واللحم في عضلة القلب ؟ وهل للدم أو اللحم وعي أو إدراك؟ أم أن ذلك قد جاء مصادفة؟ وهل يعي الدم دوره وما يقوم به من أعمال؟ هل يعلم لماذا يدفعه القلب ليدور على كل نقطة في الجسم ولماذا يدور على الرئة فيأخذ منها (الأكسجين) ويلقي فيها (ثاني أكسيد الكربون) ويمر على الكبد فيأخذ منه (الأنسولين) المنظم لتركيز السكر في الجسم ، ويمر على الغدد الصماء فيستلم منها إفرازاتها الدقيقة. ويمر على الأمعاء فيأخذ منها الطعام ، ويمر على الكلية فيسلمها البول ، ويمر على الغدد العرقية فيسلمها العرق لتبريد الجسم عند ارتفاع حرارته ويمر على كل جزء في جسم الإنسان فيعطيه حاجته ، ويأخذ منه ما يجب توصيله من ذلك الجزء إلى أماكن أخرى في الجسم. فمن جعل هذا السائل الدموي يقوم بوظيفة موزع البريد الماهر ؟ ومن حدد له العناوين؟ ومن ربط أعضاء الجسم وأجزاءه به ، وألهمها أنه المؤتمن على إفرازاتها ، وأنه الأمين الذي سيؤدي دوره ، ومن قرر له حاجاته التي تمكنه من القيام بعمله ؟ وأمده بالقوة المحركة الدائمة؟ ومن صمم القلب في غاية الإحكام ليقوم بتحريك الدم؟ وهل يعرف القلب الدور الخطير الذي يقوم به ؟ وهل بيده أن يغير وظيفته ؟ وإذن فمن الذي يحركه ؟!!

إن كل عضو وكل جزء في جسم الإنسان يقوم بواجبه الذي لا يقدر على عمل شيء غيره: لأنه خلق وركب ليقوم بوظيفته المحددة فليس هو إلا آلة مسيرة، لا حرية لها ولا إرادة ولا اختيار. فمن الذي قدر سير هذه الأعضاء وحدد وظائفها ونظم أعمالها؟ ونسق بينها ذلك التنسيق الهادف المحكم الدقيق ؟قال تعالى (قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ+مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ+مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)(عبس: 17-19).

وجهاز "اللمف" بعقده وأنابيبه وسوائله ، يقوم بتوصيل المواد المختلفة من الخلية إلى الشعيرات الدموية، ومن الشعيرات الدموية إلى الخلايا ؛ فلماذا يقوم اللمف بهذه الخدمة للخلايا مجاناً ؟ دون أن يعود عليه أي مقابل مباشرة من هذه الخلايا، فهل سخر سائل اللمف نفسه لخدمة الخلايا بإرادته ليحمل إليها الغذاء ويحمل منها الفضلات والبقايا. ومن ألهم الخلية وأعلمها أن سائل اللمف يقف على الأبواب فما عليها إلا أن تفتح الأبواب لاستلام التموين وإخراج الفضلات ، فمن علمها إخراج الفضلات وإدخال التموين ؟!!

وتلك الخلية النشطة العاملة النامية هل قررت القيام بما ألقى عليها من مهام البناء والعمل ، ومقاومة الأمراض ، بعد أن ضمنت وصول الغذاء لها باتفاقية مبرمة بينها وبين كل من يشترك في إعداد غذائها الخاص ، وضمنت أن كل الأطراف المعنية ستقوم بواجبها فلا داعي للتوقف أو الإضراب عن العمل بناء على تلك الاتفاقية ؟

فإن البذور ، والتربة ، والبحار ، والرياح ، والسحب ، وحرارة الشمس ، والأنهار، والعيون ، والمياه الجوفية ، والجذور النباتية ، والمصانع الخضراء الصغيرة، والضوء القادم من الشمس ، وتقلب الليل والنهار ، وثاني أكسيد الكربون ، ورئات الحيوانات ، وثغور الأوراق ، ومخازن الغذاء ، والأسنان ، واللسان ، والغدد اللعابية ، ولسان المزمار ، والمرئ وحركاته الدودية وإفرازته المخاطية ،والمعدة و (خمائرها) وغشائها المخاطي المبطن ، والأمعاء الدقيقة وخملاتها ، وخمائر البنكرياس ، والدماء وأنابيب الدماء (العروق والشعيرات) والقلب، واللمف وعقده وأنابيبه ، كل هذه المخلوقات قد قررت التوفيه بشروط الاتفاقية كل فيما يخصه لإمداد خلايا الجسم بالغذاء. أم أن هذه المخلوقات تقوم بواجبها الذي قدر لها فقط. وأن هناك خالقاً قادراً عليما مريداً خبيراً هو الذي خلق خلايا الإنسان محتاجه إلى الغذاء، وهو الذي خلق لها الغذاء وأحكم نظامه وقدر أسبابه. فمن الخالق الرازق؟ العليم الخبير ؟ من إلا الله..

       ألا تشهد كل هذه الأفعال المشاهدة والأحداث التي تقع أمام أبصارنا كل يوم أن لها خالقاً يصنعها ؟

       ألا تشهد كل هذه التدابير المحكمة أنها من صنع حكيم مريد ؟

       ألا تشهد هذه النظم الرحيمة بحياة الكائنات الحية أنها من فعل الرحيم ؟

       ألا تشهد هذه الأقدار المُعدة لتدبير أرزاق الكائنات الحية على وجه الأرض أنها من تقدير الرزاق ؟

  ألا يشهد هذا التساند والتنسيق بين كل المخلوقات التي تشترك في صنع وإعداد وتوصيل الغذاء إلى كل خلية حية باستمرار أنه من فعل الرزاق الرحيم الجامع العظيم المحيط علماً بكل ما خلق؟وأنه خالق واحد ورب واحد بيده مقاليد الأمور سبحانه .

بلى .. بلى ..

إن كل ما سبق يشهد ، كما شهد المسلم شهادة الحق الساطع أن ما سبق ذكره من أحداث وأفعال ، ونظم ، وأقدار من صنع الحكيم ، العليم ، الخبير، الرحيم ، القادر ، الرزاق ، المريد ، الواحد ، الجامع ، العظيم .

       فمن الذي له هذه الصفات العظيمة، التي تركت آثارها وعلاماتها فيما نشاهده من صنعه وأفعاله ؟

       أهو وثن أصم ؟

       أم طبيعة عمياء بليدة ؟

       أم صدفة عشوائية ؟

       أم تفاعل كيماوى لا يملك تدبيراً ، ولا عقلاً ، ولا حكمة ، ولا إرادة ولا يملك لنفسه تبديلا أو تحويلاً ؟

كلا .. كلا ..

إن هذه الأوثان العاجزة لا تقدر على فعل شيء مما سبق بيانه من أفعال هادفة محكمة ، وأحداث منسقة بديعة ، وإذن فليست هي الرازقة يا أولى العقول والأبصار .إنه الخالق ربكم ورب كل شيء ليس شيئاً من هذه المخلوقات الضعيفة المشاهدة ، إنه العلي العظيم ، الحكيم ، العليم ، الخبير ، الرحيم ، القادر الرازق ، المريد ، الواحد الأحد ، الجامع العظيم ، إنه الله المقيت الرزاق سبحانه. وبهذا تتحدث المخلوقات إلى عقولنا عن خالقها وتشهد كما يشهد المسلم أنه الله الذي لا إله إلا هو. وصدق الله العظيم القائل (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ+أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ+أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ)(الطور:35-37) .

ولله در القائل :

 

مراشف تمتص حلو الضياء

*

لتصنع في الأرض وفر الغذاء

 

من الشمس تجري ينابيعه

*

فتغمر ما حولنا من فضاء

 

ضياء يجوز الفضاءَ البعيد

*

ليعبر ما حولنا من هواء

 

ولولا النسيمُ وتكسيرُه

*

فيوض الضياء لشد اللقاء

 

وما كان قد جاءنا صالحاً

*

وما كان قد جاءنا في صفاء

 

وما أنبت الحقل حلو النبات

*

وما كان في الأرض هذا النماء

 

وما صلحت أرضنا للحياة

*

على ما نراه بها من بهاء

 

تبارك من أتقن الحادثات

*

ومد الحياة بفيض العطاء

 

فقدر في الأرض أقواتها

*

وأودعها في تراب وماء

 

ولكنه ناط أسبابها

*

بضوءٍ منابعه في السماءْ

****

 

تفكرت بالمتقن الباهر

 

فآمنت بالخالق القادر

 

نظام به للفتى المعتبر

 

روائع آيات رب البشر فآمنت به

(6)

 الشكــر

وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها :

كنا تراباً فأصبحنا بنعمة الله بشراً سوياً ، وكنا نطفاً من ماء مهين فصورنا الله في أحسن تقويم، وخلق لنا الأجهزة الدقيقة المحكمة في أبداننا للقيام بجميع وظائف الحياة فيها ، فخلق لنا جهازاً لهضم الطعام ، وجهازاً لتنفس الهواء ، وجهازاً لإخراج الفضلات الضارة ، وجهازاً هيكلياً من عظام وعضلات للحفاظ على قوام الأبدان ، وتمكيننا من السعي والعمل والانتقال من مكان إلى آخر .

كما خلق لنا الخلاق العظيم جهازاً دورياً تتحرك فيه الدماء لإيصال ما تحتاج إليه كل خلية في أبداننا واستلام ما تنتجه لإيصاله إلى الأماكن المخصصة لذلك الإنتاج، وخلق لنا جهازاً (ليمفاويا) يقوم بالدفاع عنا ضد الجراثيم ومسببات الأمراض. وخلق لنا الخلاق الحكيم جهازاً عصبياً ينظم عمل هذه الأجهزة بتناسق محكم ، وعمل متقن ،وضبط دقيق .

وأنعم المنعم علينا بأدوات العلم من سمع وبصر وفؤاد،وكرمنا بالعلم الذي عرفناه به ،كما سخر لنا بالعلم كثيراً من النعم .

ويسر لنا الطعام والشراب ، وما ينظمها من أسباب ، وسخر لنا الأرض ، براً وبحراً ، وقلب الليل والنهار ، وحفظ الأرض ، وأمسك السماء أن تقع عليها بنجومها وكواكبها. وكم من النعم الظاهرة والباطنة التي نتقلب فيها .

وأتم لنا ذلك كله بهدايتنا إلى دينه القويم وصراطه المستقيم وصدق الله القائل :(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(النحل:18) .

فهل قمنا بأداء حق هذه النعم ، وهل شكرنا الله على نعمهٍ وفضائله ؟

حقيقة الشكر وتعريفه :

أ- الشكر لغة : مصدر لشَكَرَ يَشْكُرُ ويدل على :

الثناء على الإنسان بمعروفٍ يوليكه . وقد يأتي بمعنى السمن ، والإمتلاء ، والرضا باليسير(7) .

ويقال : شكر له وشكره ، والأول أفصح وهو الوارد في القرآن الكريم قال تعالى ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) (لقمان:14)

والشكر يضاده الكفر الذي هو نسيان النعمة وسترها .

ب- الشكر اصطلاحاً فيه أقوال منها :-

         1.  الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع

         2.  الثناء على المحسن بذكر إحسانه

         3.  عكوف القلب على محبة المنعم ، والجوارح على طاعته ، وجريان اللسان بذكره والثناء عليه

         4.  أنه معرفة العجز عن الشكر

         5.  إضافة النعم إلى موليها بنعت الاستكانة له

         6.  عرفان الإحسان ونشره

وقيل غير ذلك .

وحقيقته في العبودية : ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءاً واعترافاً وعلى قلبه محبة وشهوداً وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.(8)

معنى الشكر من الله والشكر من العبد :

- الشكر من الله هو المجازاة والثناء الجميل وإثابته العبد الشاكر على شكره ومغفرته له . ففي الحديث "بينما رجل يمشى فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ورقى فسقى الكلب فشكر اللهُ له فغفر له ".(9)

وقال صلى الله عليه وسلم:"بينما رجل يمشي في الطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له.(10)

- والشكر من العبد : هو عرفان الإحسان ونشره.(11) ومن أسماء الله الحسنى الشاكر والشكور قال تعالى ( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)(البقرة:158) .وقال تعالى (وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) (التغابن:17) .

ومعناهما : الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه ، ويجازي بيسير الطاعات كثير الدرجات ويعطى بالعمل في أيام معدودة نعيماً في الآخرة غير محدود.(12)

والشكور من عباد الله هو الذي يجهد في شكر ربه بطاعته وأدائه ما وجب عليه من عبادته.(13)

قال تعالى ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سبأ:13) .

قواعد الشكر :

قال ابن القيم رحمه الله تعالى : الشكر مبني علي خمس قواعد :

 1- خضوع الشاكر للمشكور .

 2- وحبه له .

 3- وإعترافه بنعمته .

 4- وثناؤه عليه بها .

 5- وأن لا يستعملها فيما يكره .

قال : فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة .

وكل من تكلم في الشكر وحّده ، فكلامه إليها يرجع وعليها يدور(14) .

وقال غيره : شكر العبد يدور على ثلاثة أركان ، لا يكون شكراً إلا بمجموعها وهي:-

 1. الاعتراف بالنعمة باطناً .

 2. والتحدث بها ظاهراً .

 3. والاستعانة بها على طاعة الله(15) .

حكمه :

الشكر واجب وقد أمر الله به. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(البقرة:172).وقال أيضاً : ( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)(البقرة:152) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة ، والفرقة عذاب"(16)  .

أنواعه :

الشكر على ثلاثة أنواع كما تقدم :

1- شكر القلب : وهو تصور النعمة ومعرفتها .

2- شكر اللسان وهو الثناء على المنعم سبحانه .

قال النبي عليه الصلاة والسلام : " أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمُد لله. "(17)

وقال : " إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون ".(18)

3- شكر سائر الجوارح باستعمالها في طاعة الله .

قال الله تعالى :( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً) (سبأ:13) .

أي وقلنا لهم أعملوا بطاعة الله يا آل داود شكراً له على ما أتاكم. وسميت الطاعة شكراً لأنه من جملة أنواعه(19) .

قال القرطبي : شكراً : نصب على جهة المفعول(20) ، أي اعملوا عملاً هو الشكر وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدت مسده، قال : فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان(21) .

وقال الحسن رحمه الله تعالى : أكثروا من ذكر هذه النعم ، فإن ذكرها شكر وقد أمر الله نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال:(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(الضحى:11).

والله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، فإن ذلك شكرها بلسان الحال "(22)

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :"التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة ، والفرقة عذاب. ".(23)

فضل الشكر وثماره :

1-    أهله خواص عباد الله لذلك فهم قلة. قال الله تعالى ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سبأ:13) .

2-     أهل الشكر مخصوصون بمنة الله بين عباده : قال تعالى :(وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)(الأنعام:53) .

3- هو العبادة التي يشكر الله بها على نعمه.قال تعالى( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(النحل:78)

4- الجزاء الحسن للشاكرين. قال تعالى: ( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(آل عمران:145)، وقال تعالى:( وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144).

5- الشاكرون هم المعتبرون بآيات الله. قال تعالى ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(سبأ:19).

6- الشكر أمان من عذاب الله :

قال تعالى (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً)(النساء:147) .

7- الشكر من صفات الأنبياء وأتباعهم :

قال تعالى(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)(الإسراء:3).وقال تعالى عن خليله إبراهيم (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ+شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ )(النحل:120-121) أي لأنعم الله عليه .

وقد قيل للنبي r لما عبد الله حتى تورمت قدماه لم تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً ! ".(24)

وكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم : " .. اللهم اجعلني لك شكاراً ، لك ذكاراً ..".(25)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ : " إني لأحبك يا معاذ فقلت وأنا أحبك يا رسول الله فلا تدع أن تقول كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".(26)

وقال عليه الصلاة والسلام : "اشكرُ الناس لله اشكرهم للناس".(27)

8- الشكر يرضي الله :

قال تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر:7) .

9- الشكر يزيد النعمة :

قال الله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(إبراهيم:7)

قال القرطبي : والآية نصّ على أن الشكر سبب المزيد.(28)

وذكر ابن أبي الدنيا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لرجل من همدان : إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ، وهما مقرونان في قَرَن(29) ، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد .

وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : قيدوا نعم الله بشكر الله.(30)

وقد قيل : الشكر : صيد النعم المفقودة ، وقيد النعم الموجودة.(31)

10- الأجر الكبير للشاكر :

قال صلى الله عليه وآله وسلم : (الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر.(32)

11- الشكر من أفضل الأموال التي يجمعها المؤمن ففي جواب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الصحابة عند نزول قوله تعالى  (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(التوبة:34) أنه أفضل المال فقال r : (أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على دينه)(33)

صور عملية للشكر :

1- أداء الفروض وإكثار النوافل :

المؤمن الشكور يقتدي بالنبي r في تطبيق الشكر فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من النوافل وقيام الليل حتى تتورم قدماه أو ساقاه وعندما يسأل عن ذلك يقول : (أفلا أكون عبداً شكورا ؟(34) 

2- شكر الله ليلاً ونهارا :

قال رسول الله r : (من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسى فقد أدى شكر ليلته).(35)

3- الشكر دبر كل صلاة :

فعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله r أخذ بيده وقال : (يا معاذ ، والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال : أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).(36)

4- التحديث بالنعمة والشكر على القليل :

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة ، والفرقة عذاب).(37)

5- الشكر لله عند المسرة :

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله).(38)

6- الشكر لله عند الأكل والشرب :

قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(البقرة:172) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها".(39)

وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

كان إذا رفع مائدته - وفي رواية : إذا فرغ من طعامه - قال : "الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه ، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ".(40)

حتى نكون من الشاكرين :

تأمل يا عبدالله في نعم الله الظاهرة والباطنة عليك ، وتأمل لو حرمت نعمةً واحدة كم يكون خسرانك وشقاؤك ، فكيف لو حرمت عدداً منها ، كيف يكون حالك؟!

ولو قدمت لك النعم المسلوبة مرة ثانية بأثمان باهظة أكنت تتردد في تقديم أغلى الأثمان للحصول عليها مرة ثانية ، كنعمة السمع أو البصر أو الصحة مثلاً .

وتأمل كيف يهب لك الله هذه النعم ويسخرها لك دون مقابل أفلا نشكر الله على نعمه القائل :(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(النحل:53) .

ثم تذكر النعمة الكبرى التي أعدها الله لك وهي رضاه والجنة ، وكيف هداك إليها بدينه القويم لتكون من أعظم الفائزين بالنعيم الدائم المقيم ، وتذكر حياة الذين يتخبطون بغير هدى ويصيرون إلى الخسران المبين في نار جهنم خالدين. أفلا نكون من الشاكرين ؟


(1) (وقدر فيها أقواتها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ، خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها وسكانها من الدواب كلها ، وعن السدي قال : أقواتها لأهلها. وعن مجاهد قال : من المطر ، انظر التفسير الصحيح4/270 .

(2) لأنه السائل الوحيد على وجه الأرض الصالح لإتمام العمليات الحيوية وحدوث التفاعلات الكيماوية الحيوية .

(3) يتكون السكر أولاً ثم يختزل فتتكون المواد الدهنية ويضاف النيتروجين إلى السكر فيكون الأحماض الأمينية التي تتكون منها البروتينات 

(4) راجع "من آيات الله في النبات" .

(5) مثل عطارد الذي لا يظهر منه إلا وجه واحد أما الوجه الآخر فهو مظلم دائماً أي أن له وجهين واحد نهاري أبدي وهذا تصل حرارته إلى حوالي 400درجة مئوية وأخر ليلي أبدي وتصل درجة برودته إلى حوالي 200درجة مئوية تحت الصفر. انظر المحيط الكوني/ نجيب زبيب ص57-58 ط1 – دار الأمير 1415هـ-1994م .

(6) براهين وأدلة إيمانية/ الشيخ عبدالرحمن حسن حبنكه الميداني ص74 .

(7) معجم المقاييس في اللغة (شكر) ص534 ط1- دار الفكر 1415هـ – 1994م .

(8) قاله ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين 2/274 بتصرف ط1 – دار الجيل 1412هـ – 1991م .

(9) أخرجه البخاري ك/ المساقاة والشرب ب/ فضل سقي الماء ، ومسلم ك/ الحيوان ب/ فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها .

(10) أخرج البخاري ك/ المظالم والغضب ب/ من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به ، ومسلم ك/ البر والصلة والآداب ب/ إزالة الأذى عن الطريق .

(11) انظر لسان العرب .

(12) انظر نضرة النعيم ص2394  وشرح أسماء الله الحسنى ص124 سعيد بن علي القحطاني .

(13) شرح الشافية الكافية / عبدالرحمن ناصر السعدي ص125-126 بواسطة نضرة النعيم .

(14) مدارج السالكين / 20/275 .

(15) البحر الرائق في الزهد والرقائق صـ182 .

(16) أخرجه أحمد 4/278 واللفظ له والبيهقي في شعب الإيمان 4/102 وهو في مسند الشهاب 1/61 وانظره في ترتيب صحيح الجامع الصغير وزيادته تصحيح الألباني 2/417 .

(17) أخرجه ابن حبان 3/126 ، والحاكم 1/676 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، والترمذي 5/462 والنسائي في السنن الكبرى 6/208 واللفظ له ، وابن ماجه 2/1249 ، وانظره في ترتيب صحيح الجامع تصحيح الألباني 3/424.

(18) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 18/24 واللفظ له وأحمد 4/434 وانظره في ترتيب صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني 3/425 .

(19) فتح القدير للشوكاني .

(20) شكراً نصب على أنه صفة مصدر محذوف أو أعملوا للشكر على أنه مفعول له أو أنه حال أي شاكرين أو مفعول به أو منصوب على المصدرية بفعل مقدر من جنسه أي أشكروا شكراً .

(21) الجامع لأحكام القرآن 14/277 .

(22) البحر الرائق صـ185 .

(23)أخرجه أحمد 4/278 واللفظ له والبيهقي في شعب الإيمان 4/102 وهو في مسند الشهاب 1/61 وانظره في ترتيب صحيح الجامع الصغير وزيادته تصحيح الألباني 2/417 .

(24) أخرجه البخاري ك/ التفسير ب/ قوله "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما" ، ومسلم ك/ صفات المنافقين وأحكامهم ب/ إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة .

(25) أخرجه الترمذي ك/ الدعوات ب/ في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن ماجه ك/ الدعاء ب/ دعاء رسول الله r ، وأحمد من مسند بني هاشم ، بداية مسند عبدالله بن العباس رضي الله عنهما ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/178 .

(26) أخرجه النسائي ك/ السهو ب/ نوع آخر من الدعاء واللفظ له وأبو داود ك/ الصلاة ب/ في الاستغفار وأحمد في مسند الأنصار من حديث معاذ بن جبل .

(27) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث الأشعث بن قيس الكندي ، وصححه الألباني في ترتيب صحيح الجامع2/417.

(28) الجامع لأحكام القرآن 9/343 .

(29) حبل .

(30) البحر الرائق صـ185 .

(31) مدارج السالكين 2/245 .

(32) علقه البخاري ك/ الأطعمة ب/ الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر ، وأخرجه الترمذي ك/ صفة القيامة والرقائق والورع  ، وابن ماجه ك/ الصيام ب/ فيمن قال الطاعم الشاكر كالصائم الصابر واللفظ له ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/732.

(33) أخرجه الترمذي ك/ تفسير القرآن ب/ ومن سورة التوبة وقال حديث حسن ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/56 .

(34) أخرجه البخاري ك/ التفسير ب/ قوله "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما" ، ومسلم ك/ صفات المنافقين وأحكامهم ب/ إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة .

(35) سنن أبي داود ك/ الأدب ب/ ما يقول إذا أصبح ، واللفظ له وقال النووي وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه الأذكار ص142 ط دار الفكر الحديث ، والنسائي في السنن الكبرى 6/5 ، والبيهقي في شعب الإيمان 4/89 ، وذكره ابن حبان في صحيحه 3/143 وحسن اسناده الشيخ ابن باز في تحفة الأخيار .

(36) أخرجه أبو داود ك/ الصلاة ب/ في الاستغفار واللفظ له ، وابن خزيمة 1/369 ، وابن حبان 5/364 ، والحاكم 1/407 وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والبيهقي في السنن الصغرى 1/27 والنسائي في السنن الكبرى 1/387 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/1320 .

(37) أخرجه أحمد 4/278 واللفظ له والبيهقي في شعب الإيمان 4/102 وهو في مسند الشهاب 1/61 وانظره في ترتيب صحيح الجامع الصغير وزيادته تصحيح الألباني 2/417 .

 

(38) أخرجه الحاكم 1/411 وقال هذا حديث صحيح وإن لم يخرجاه ، والبيهقي في السنن الصغرى 1/510 والكبرى 2/370 ، والدارقطني 4/147 وأبو داود ك/ الجهاد ب/ سجود الشكر واللفظ له ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/534 .

(39) أخرجه مسلم ك/ الدعوات والذكر والدعاء ب/ استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب وابن أبي شيبة 5/138 وفي مسند الشهاب 2/160 .

(40) رواه البخاري ك/ الأطعمة ب/ مايقول إذا فرغ من طعامه وابن حبان 12/20 والحاكم 4/150 .