مع تحيات موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة                   www.55a.net

أنواع الشرك في العبادة

الشرك نوعان : أكبر وأصغر

* فالشرك الأكبر : هو أن يجعل المكلف لله نداً (مثيلاً ونظيرا) أو أن يسوي بين الخالق والمخلوق ، إما في اعتقاد الاتصاف بصفة من صفات الله عزوجل أو في الدعاء والاستعانة ، أو في طلب الرزق ، أو في اعتقاد القدرة على الضر والنفع ، أو في الخضوع والانقياد أو غير ذلك مما يوجب تسوية بين الخالق والمخلوق ،

* وحكمه : أنه أعظم الذنوب ، ويخرج من الملة ، ويوجب الخلود في النار ، قال تعالى :  ﴿... إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ(72)﴾ [المائدة:72] .

* وأما الشرك الأصغر فهو : الرياء كما عرفه النبي r ، وألحق به العلماء ما وصفه الوحي بأنه شرك ولا يخرج صاحبه من الملة ، وكل ما كان وسيلة توقع صاحبها في الشرك الأكبر .

* وحكمه : أنه ينافي كمال التوحيد ويخل به ، ولكنه لا يُخرج من الملة ، وهو من كبائر الذنوب التي حذر منها الشرع لأنه يتنافى مع الإخلاص لله في العبادة ، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...﴾ [البينة:5] .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : [أخوفُ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغر، فسئل عنه؟ فقال : الرياء].[77]

 مظاهر الشرك الأكبر وصوره

أولاً : من صوره في الاعتقاد :

أ- اعتقاد تعدد الآلهة ، كشرك المجوس القائلين بوجود إلهين اثنين أحدهما إله النور وهو إله الخير ، والثاني إله الظلمة وهو إله الشر .

وهذا الباطل تدمغه حقائق التوحيد وآياته الظاهرة في أرجاء الوجود ومنها :

1- إن هذا الكون مركب من لبنة واحدة هي الذرات التي تتكون منها أجسام المواد التي تجلب للإنسان الخير أو تجلب له الشر ، فسم الثعبان مكون من ذرات تتركب من جسيمات (إلكترونات وبروتونات وميزونات وغيرها) ، كما يتكون لبن الأنعام من ذرات مكونة من نفس الجسيمات (الكترونات وبروتونات وميزونات وغيرها) وهذه الجسيمات في سم الثعبان أو لبن الأنعام محكومة بقوانين واحدة ، وكما تتكون النار التي تحرق المنازل والمزارع وغيرها من طاقة أصلها من الشمس ، فإن الطاقة التي تتحرك بها أجسامنا وأجسام الكائنات الحية أصلها أيضا ما خزن في الطعام من طاقة الشمس. والماء الذي نشربه وينبت به الزرع في الحقول والبساتين هو نفس الماء الذي قد تغرق به المزارع والمنازل، فالماء واحد يشهد أنه من صنع خالق واحد .

والظلام الذي يسود في الليل يكون بسبب دوران الأرض الذي ينشأ عنه إشراقة النهار ، فالسبب للنور والظلام واحد هو دوران الأرض يشهد أن الإله واحد والخالق واحد كما قال تعالى : ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ [غافر:61] .

2- التكامل في بناء الكون بين سنن الخير وأقداره مع سنن الشر وأقداره يشهد أنه من صنع إله واحد سبحانه ، فعمليتا الهدم والبناء في أجسام الكائنات الحية تتكاملان في نظام واحداً في حياة أجسام هذه الكائنات[78].

وظلمة الليل ضرورية لسكن الكائنات واستراحة أجسامها ، كما أن نور النهار ضروري لسعي تلك الكائنات وتحصيل معاشها .

 وحرارة نار الشمس في جو الأرض لابد منها لرفع ماء المطر من البحار والمحيطات ، كما أن برودة جو الأرض ضرورية لإيقاف ارتفاع بخار الماء وتكثيفه ليسقط مرة أخرى على الأرض ، وهكذا تتكامل الحرارة مع البرودة في نظام واحد لدورة الماء على الأرض .

وتكامل أقدار الخير لبعض الكائنات وأقدار الشر[79] للبعض الآخر [كتغذي بعض الكائنات على البعض الأخر ، وتحلل النباتات لإخصاب التربة] يضمن استمرار الحياة وتوازن البيئة للكائنات .

وعوامل التعرية : كالرياح ، والأمطار ، وتقلب درجات الحرارة ، تعري سطوح الجبال وتفتتها وتجرفها رملاً مع الأنهار ، لتضغط على قاع البحر أو المحيط فيضغط بدوره على ما تحته من صهير بركاني ليرتفع بعد ذلك مرة ثانية إلى سطح الأرض في صورة بركان يلد جبلاً يحفظ التوازن للأرض .

ب- شرك التسوية بين الخالق والمخلوق (شرك اليهود والنصارى)

من شرك التسوية بين الخالق والمخلوق : ما يزعمه النصارى في قولهم إن الله ثالث ثلاثة، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة:73] أو أنه اتخذ ولداً ، كما يزعم اليهود والنصارى قال تعالى:  ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(30)﴾ [التوبة:30] وقد دمغ القرآن هذه الفرية فقال تعالى :  ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91)﴾ [المؤمنون:91] فلن يقبل إله أن يتحكم غيره بمخلوقاته ، وإذاً فسيستقل كل إله بما خلق ، فيذهب رب الشمس بشمسه ورب النبات بنباته ورب الماء بمائه وهكذا، وعندئذ يقع النزاع ويحاول بعضهم أن يعلو على بعض وعندئذ يفسد الكون كما قال تعالى :  ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22)﴾ [الأنبياء:22] .

ج- الإشراك مع الله في تصريف المخلوقات :

كل من اعتقد أن مخلوقاً يتصرف في هذا الكون، ويضر وينفع بطريقة غيبية غير طريقة الأخذ بسنن الله التي قدر الله بها النفع ، كأن يعتقد أن إنساناً من الأحياء أو الأموات يهب الأولاد، ويجيب دعاء المضطر ، ويأتي بالمطر ، ويحمي البيوت أو الأنعام أو الأولاد من القوى الخفية الضارة فقد وقع في الشرك. قال تعالى يصف نفسه بتدبير أمر المخلوقات  ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(3)﴾ [يونس:3] .

وقال سبحانه: ﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26)تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(27)﴾ [آل عمران:26-27].

وقال سبحانه : ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49)أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)﴾ [الشورى:49-50].

وقال تعالى : ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(62)﴾ [النمل:62] .

ومما يدخل في هذا إسناد التأثير في الحوادث إلى النجوم والكواكب ، فمن اعتقد أن الكواكب أو النجوم هي المدبرة لما يقع من الحوادث ، أو أن لها شركاً مع الله في ذلك فقد أشرك بالله سبحانه شركاً أكبر .

ومن زعم أنها سبب للحوادث فقط مثل : أن يجعل طلوع النجم أو غروبه سبباً لولادة أو وفاة أو غنى أو فقر أو نحو ذلك ، فقد افترى ما ليس له به علم. وقد ورد في الحديث النبوى تسمية مثل ذلك كفراً ، فقد صلى رسول الله r صلاة الفجر في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل ثم قال لأصحابه :- "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : قَالَ : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ، أَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مطرنا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ".[80]

ولما كسفت الشمس في عهده r بيّن للناس أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته.[81]

أمّا جعل حركات النجوم مجرد علامات لما قدّره الله تعالى من قوانين الكون المعروفة مثل نزول المطر أو هبوب الرياح أو دخول الفصول فمثل هذا جائز لاشيء فيه.[82]

وأسوأ من هذا كله اعتقاد أصحاب الطبيعة والدهريين[83] الذين يسندون أمر تدبير الكون وما فيه من حوادث إلى الطبيعة أو إلى الدهر. قال تعالى مبيناً ضلال من سار على هذا المنهج : ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ(24)﴾ [الجاثية:24].

د- اعتقاد امتلاك غير الله للضر والنفع :

إن الله هو الذي خلق الوجود وقدر فيه الخير والشر والضر والنفع وأسبابها ، وهو الذي يملك التغيير لما قدره من سننٍ وأسباب للضر والنفع  ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(83)﴾ [يس:83] .

وقد ذم سبحانه المشركين لتعلقهم بغيره من مخلوقاته التي لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرا. قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا(3)﴾ [الفرقان:3].

وإذا أراد الله أن يصيب عبداً من عباده بخير فلا راد لفضله ، وإذا مس عبداً بضرٍ فلا كاشف له إلا هو. قال تعالى : ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ(106)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(107)﴾ [يونس :106-107] .

أما من أخذ بالأسباب التي قدرها الله للنفع والضر مما أقدره الله عليه كالطبيب يعرف أقدار المواد الطبية التي تدفع أقدار المرض، وكدفع قدر الجوع بالطعام ، وقدر الخوف بالتحصن وغير ذلك مما أقدر الله الإنسان به أن يدفع قدر الشر بقدر الخير وقدر الضر بقدر النفع ، فليس ذلك من امتلاك الضر والنفع بل هو من باب الاستفادة مما قدره الله من أسباب وقضى من سنن .

وبناءً على ذلك فإن من يعتقد أن مخلوقاً يملك له ضراً أو نفعاً بغير الأسباب التي قدرها الله للضر والنفع ، أو أنه قادر أن يوصل ذلك إليه بطريقة غيبية خارقة للسنن والأسباب التي قدرها الله فقد وقع في الشرك، لأنه لا يملك الضر والنفع خلقاً وإيجاداً وتقديراً وخرقاً لما أوجد من السنن إلا الله .

وحتى إذا امتلك غير الله أسباب الضر والنفع فإنها لا تنفذ في الواقع إلا بإذن الله كما روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله r قال: (… وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) .[84]

هـ- الخوف من غير الله :

الخوف لغة مأخوذ : من مادة (خَوَفَ) قال ابن فارس :- هو أصل واحد يدل على الذعر والفزع يقال : خفت الشيء خوفاً وخيفة .[85]

واصطلاحاً هو كما قال الراغب[86] : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة ، ويضاده الأمن .

وقال الجرجاني :- هو توقع حلول مكروه أو فوات محبوب .

وقيل :- اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف .[87]

والخوف من الله عبادة قلبية قال تعالى : ﴿...إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)﴾ [آل عمران:175] وقال تعالى:  ﴿...لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ...﴾ [المائدة:94]، ويلحق بخوف الله الخوف من عقابه وعذابه في الدنيا والآخرة. قال تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ(103)﴾ [هود:103]. وقال تعالى : في صفة المتقين ﴿...وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ(21)﴾ [الرعد:21] وقال نوح عليه السلام لقومه  ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ(26)﴾ [هود:26] .

والخوف من الله يرقى بصاحبه إلى درجة التقوى التي تحفزه لفعل الطاعات وتكبحه عن المعاصي والسيئات .

وهو الدواء الناجع لمن أسر الهوى قلبه وغلب عليه حب الدنيا ، وهو البداية الحقيقية لسير القلب إلى الله عزوجل ، يقول النبي r :   (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ[88] وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)[89]

والخوف نوعان :

الأول :- خوف عبادة وتذلل وتعظيم وخضوع ، وهذه عبادة لا تكون إلا لله تعالى، وهو المقصود في بحثنا ، وهو الخوف الذي يحمل صاحبه على الطاعة لله ، واجتناب معاصيه ويجعل صاحبه في حالة من التقوى والمراقبة الدائمة لله في سره وعلانيته .   

وخوف الشرك هو الذي يحمل صاحبه على عبادة غير الله باعتقاد أن له قوة خارقة غيبية لا تخضع للسنن المعتادة ، كمن يخاف من صنم أو ميت فيصرف له شيئاً من العبادة التي لا تكون إلا لله ، قال تعالى :  ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(36)﴾ [الزمر:36] وقال تعالى ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾ [الأنعام:81] .

وأثنى الله على الذين يبلغون دينه ولا يخافون إلا الله سبحانه ، قال تعالى:          ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(39)﴾ [الأحزاب:39] .

والثاني:- خوف جبلي فطري كالخوف من سبع مفترس أو عدو متربص[90] يجري وفق السنن المعتادة ، كما قال تعالى عن موسى عليه السلام  ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ...﴾ [القصص:18] فهذا خوف لا يتعلق به ذمّ[91] ، أما إذا ساق هذا الخوف إلى صرف شيء من العبادة لغير الله فهو شرك لأنه ساق إلى الشرك ، وأما إذا ساق إلى معصية فهو إثم بحسب تلك المعصية وتأثيرها على قلبه .

و- الشرك في التوكل :

التوكل لغة : مأخوذ من مادة (و ك ل) التي تدل على اعتماد على الغير في أمرٍ ما.

واصطلاحاً : اعتماد القلب على الله عزوجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة ، وكِلَةُ الأمور كلها إليه ، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه.[92]

ويشمل التوكل تفويض الأمر لله والتسليم له ، ثقةً بأنه الكافي والقادر على كل شيء سبحانه .

وكفى بالله وكيلا :

يتوكل المؤمن على ربه لأنه خالق كل شيء ومقدر كل شيء ومالك كل شيء ومسيّر كل شيء ، فهو الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع وبيده مقاليد السموات والأرض. قال تعالى : ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(63)﴾ [الزمر:62-63] ، والله هو الذي إذا قضى أمراً أنفذه ولا يحول دون أمره شيء. قال تعالى:  ﴿... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)﴾ [الطلاق: 3]. قال ابن كثير : (بالغ أمره) أي : منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه سبحانه .[93]

وكل ما يجري في الكون فهو من الله خلقاً وإيجاداً ، ويعمل بأمره سيراً ونظاماً ، ويقع بإذنه تحققا ونفاذاً. قال تعالى: ﴿...وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾ [هود:123]، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا(132)﴾ [النساء:132].

والله وحده هو الذي يستحق أن يكل العبد أمره إليه ، لأنه الحي الذي لا يموت القيوم على خلقه، الذي قال تعالى :  ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا(58)﴾ [الفرقان:58] ، وهو الذي يرى كل شيء في مخلوقاته ولا يحجبه عنه شيء قال تعالى : ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(217)الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ(218)وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(219)﴾ [الشعراء:217-219] أي : ولما كان شأن الله أنه خالق كل شيء ومالك كل شيء ومسير كل شيء ومطلع على كل شيء وهو الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع فكيف لا يكفي عبده الذي يتوكل عليه ، وكيف يخاف الإنسان من مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً. قال تعالى : ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(36)﴾ [الزمر:36] ، وقال تعالى : ﴿...وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)﴾ [المائدة:23] .

وكل ما في الكون من مخلوقات قد قدر الخالق لها أقدارها ، وسن لسيرها سنناً لا تحيد عنها فهي لا تملك إلا ما قدر الله لها من نفع أو ضر ، فلا يليق بعبد أن يتوكل على مخلوق مثله لا يملك لنفسه إلا ما قدر الله له وقضاه .

وقد أوحى الله إلى موسى كما قال تعالى : ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا(2)﴾ [الإسراء:2] .

وإذا جاء أمر الله فلن نجد وكيلا يدفع عنا ما قدره وقضاه قال تعالى : ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا(68)﴾ [الإسراء:68] .

إن الخالق سبحانه هو الذي قدر الضر والنفع في كل ما خلق ، فمن اعتقد أن غير الله يملك له ضراً أو نفعاً غير ما قدر الله واعتمد عليه في ذلك فقد جعل لله نداً أشركه في التوكل عليه .

وقد جعل الله سنناً لإيصال الضر والنفع إلى العباد ، فمن اعتقد أن غير الله يستطيع أن يوصل الضر أو النفع للناس بطريقة غيبية خارقة للسنن الإلهيةٍ واعتمد عليه في ذلك فقد أشرك في توكله على الله باعتقاده هذا ، أمّا من اعتمد على غير الله في أن يقضى له حاجته وفقاً لما قدر الله من المقادير وما أجرى من السنن مع اعتقاده أن الفعل لله خلقاً وتقديراً وتصريفاً فلا يقع في الشرك.[94]

وإذا كان الأخذ بالسبب واجباً كلفنا الله به في مثل قوله تعالى : ﴿﴾ [الملك:15] .

وفي مثل قوله تعالى : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعًا(71)﴾ [النساء:71] .

وفي مثل قوله تعالى : ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...﴾ [الأنفال:60] .

فإن التوكل على هذه الأسباب شرك كما قال تعالى فيما أوحى إلى موسى عليه السلام ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا(2)﴾ [الإسراء:2][95] لأنه الخالق لكل شيء والوكيل على كل شيء وبيده مقاليد كل شيء ، بما في ذلك الأسباب التي يتوكل عليها بعض الناس.

قال تعالى : ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(63)﴾ [الزمر:62-63] .

فالأخذ بالأسباب طاعة لله والتوكل عليها شرك.[96]

ز- شرك الأسباب :

إن الأخذ بالأسباب واجب شرعي ، والتوكل عليها من دون الله شرك ، ولتوضيح ذلك نضرب المثل الآتي :

ولله المثل الأعلى ، فحين ننظر إلى علاقة أي دولة بأنظمتها وقوانينها والمقربين إليها ، نجدها تطلب من الجميع الالتزام بأنظمتها فإذا ما أراد المقربون لها شيئاً غير ما تمنحه القوانين التمسوه من صاحب الأمر في الدولة أن يوصلهم إليه بقوانين خاصة تكون في الغالب لمحسوبي الدولة وأوليائها .  

لكن تلك القوانين في الدولة والأنظمة لا تفعل بذاتها ولا يتوكل عليها الناس من دون القائمين عليها .

وعليه فالمؤمن يأخذ بسنن الله ومقاديره فيسعى لجلب السنن النافعة ودفع السنن الضارة قياماً بالواجب عليه وامتثالاً لأمر ربه ، وعندما لا تكفي السنن لإيصاله إلى غاياته يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء لتسهيل أمره وتلبية حاجته .

ذلك لأن الله قد أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، ومما يشتمل عليه خلق الأشياء صفاتها وخصائصها التي تميزها عن غيرها ، وكذلك تأثيرها في غيرها. قال تعالى : ﴿... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(2)﴾ [الفرقان:2] .

وجعل سبحانه سنناً تربط العلاقات بين هذه المخلوقات وتنظمها وتحكم سيرها وعملها قال تعالى : ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(23)﴾ [الفتح:23] .

وبهذا الثبات للخصائص والسنن يتمكن الإنسان من التعامل مع سائر المخلوقات وفق خصائصها الضارة والنافعة التي قدرها الله ، فإذا أراد أن يشبع اتجه إلى الطعام، وإذا أراد أن يروى اتجه إلى الماء ، وإذا أراد الشفاء اتجه إلى الدواء ، وهكذا في سائر شؤون حياته .

أما إذا تبدلت طبائع الأشياء وصفات المخلوقات بطريقة عشوائية غير منضبطة ، فعندئذ قد نجد أن النار لا تحرق والماء لا يروي والطعام لا يشبع ، وعندئذ تسود الفوضى في الكون فيعجز الإنسان عن السعي لتحقيق أي هدف والوصول إلى أي غاية .

لكن الله تعالى حفظ هذه الخصائص وأجرى هذه السنن وأمرنا بالأخذ بها امتثالاً لأمره ورضاء بقضائ