مع تحيات موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة                   www.55a.net

من آيات الله في الهواء

الله الحكيم الرحيم :

 الغلاف الجوي محيط نعيش في قاعه كما تعيش كثير من الأحياء في قاع البحار والمحيطات، وهوكتلةمن الغازات تحيط بالكرة الأرضية تمتد من مستوى سطح البحر إلى 18 ألف ميل، إلا أن 99% من هذه الكتلةموجود في الأميال الخمسين الدنيا.ويزن هذا المحيط من الهواء حوالي خمسة الآف مليون مليون طن، ويسلط على رؤوسنا حوالي 15 باوند (1) لكل بوصةمربعة(2).لكننا لا نشعر بهذا الضغط لأن الخالق الحكيم الرحيم قد أوجد ضغطاً لدماء وسوائل الجسم يعادل هذا الضغط الخارجي للهواء ويتناسب معه.والطيارون الذين يصعدون إلى ارتفاعات عالية يقل فيها الضغط الجوي تعد طائراتهم لمعادلة هذا النقص في الضغط،وإلا انفجرت الدماء في أجسامهم وتعرضوا للهلاك لاختلال توازن الضغط . فهنالك إذن توازن محكم بين ضغط الجو على الجسم وضغط السوائل داخل الجسم يشهد بأنه من صنع الحكيم الرحيم . وقد جعل الله الهواء الجوي طبقات مختلفة ، وجعل له تركيباً شفافاً يسمح بنفوذ الضوء.ويتشتت جزء من الأشعة الضوئية فيتجلى النهار فيتسنى بذلك للنبات صناعة الطعام، وللإنسان والحيوان السعي في ضوء النهار،وتتزين السماء في نظرنا باللون الأزرق الجميل. والهواء وسط ضروري لسماع الأصوات،ولولا ذلك ما تمكن إنسان من أن يكلم غيره ويسمع كلامه.فتأمل في هذه الآيات الدالة على أنها من آثار الخالق الحكيم العليم الخبير،وكل ذلك يشهد أنه من صنع الخالق الحكيم الرحيم الواحد .وقد جعل الله سبحانه وتعالى الهواء غازاً قابلاً للانتشار يملأ أي حيز يتاح له، فيسهل بذلك تنفس الكائنات له وانتقاله من مكان إلى مكان فتتكون الرياح والأعاصير، ويسهل حمل بخار الماء وسوق السحب وإنزال الأمطار التي يحيي الله بها الأرض بعد موتها. وعلى الرغم من تحرك الهواء من مكان إلى آخر فإنه لا يغادر الأرض؛لأن الله جعل للأرض جاذبية تمسك بالغلاف الهوائي فلا يغادرها.ومع أن الهواء الجوي ليس عنصراً واحداً بل هوخليط من عدةغازات مختلفة،فإن هذه الغازات تحافظ على خصائصها، ولا تتفاعل مع بعضها البعض ،ولو كانت تتفاعل مع بعضها البعض لتكونت من غازات الهواء مواد أخرى ولحرمنا كل النعم التي خلقها الله لنا في الهواء.وتتركز (50%) من كتلة الهواء الجوي في الكيلو مترات الستة الأولى حيث الحاجة إليها حيث يوجد الإنسان والكائنات الحية المحتاجة للهواء.فسبحان الخالق الحكيم العليم الرحيم

الله الحافظ :

1) جعل الله سمك الغلاف الجوي ثمانية عشر ألف ميل ، وصممه بإحكامٍ شديد وميزان دقيق؛ ليتم إحراق ملايين الشهب والنيازك قبل وصولها إلى الأرض ، وحتى يتم امتصاص الأشعة القاتلة والدقائق الذرية المميتة قبل وصولها إلى الأرض. إنه يمثل درعاً واقياً لسكان الأرض من هذه المخاطر كلها . إنه أشبه بالمشيمة التي تحيط بالجنين، فحين تعبر منها الدماء إلى الجنين فإنها تمنع المواد الضارة من العبور وتسمح فقط بالمواد النافعة ، مثلما يقوم غلاف الأوزون بمنع الأشعة الضارة بالكائنات الحية من العبور. ألا ترى أن هذا التدبير المحكم من صنع الله الحكيم الرحيم العليم الحافظ الذي أراد أن يحفظ الكائنات الحية من المخاطر المحيطة بها من كل اتجاه .

2) جعل الله سبحانه وتعالى بخار الماء سبباً مهماً في الظواهر الجوية،وسبباً في منع معظم الأشعة الحرارية طويلة الموجة (تحت الحمراء) من الخروج من جو الأرض،فحفظ بذلك الأرض من التبرد الشديد وحفظ حرارتها ، كما جعل الله سبحانه وتعالى بخار الماء يعمل على تدفئة الجو عند تكاثفه حال هطول الأمطار بسبب انطلاق الحرارة الكامنة فيه.كل ذلك يشهد أنه من صنع الإله الحكيم الحافظ القدير

3) يحيط بالأرض حزمتان مغناطيسيتان، إحداهما على ارتفاع ثلاثة الآف ومئتي كيلومتر، والأخرى على ارتفاع ستة عشر ألف كيلومتر، تعرفان بحزامي فان ألن (Van Allen) (3)تقومان بحماية الأرض من الأشعة الكونية التي تحمل جسيمات ذرية فتاكة، وتقومان بتغيير اتجاهها . فهذه نعم عظيمة علينا من الخالق سبحانه الذي خلق الحياة وحفظها ، فسبحان الله الحكيم الخبير الحافظ .

الله الرازق :

جعل الله سبحانه وتعالى الهواء الجوي يقوم بتلقيح الأزهار في النباتات فتثمر. ومعظم التلقيح في النبات تقوم به الرياح،ولولا ذلك لتعذرالحصول على الطعام أو الحب والثمار.كما جعل الخالق سبحانه غازالنتروجين4/5 الهواء الجوي تقريباً؛لأنه مهم جداًفي مساعدة النباتات البقوليةفي صنع غذائها عن طريق الامتصاص الذي تقوم به جذور النباتات بمساعدة البكتيريا.كما أن عواصف البرق تؤدي إلى اتحاد الأكسجين والنيتروجين في الجو لتكوين أكسيدالنتروزالذي ينزل مع الأمطار،فيكون سماداً للتربة؛كل ذلك بتقديرالخالق الرازق سبحانه.قال تعالى﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(فاطر3)

الله الحكيم العليم :

جعل الله الغازات الأساسية في الهواء الجوي محافظة على نسبة ثابتة، فنسبة الأوكسجين (21%) بالرغم من استهلاكه المستمر في تنفس الكائنات الحية وعمليات الاحتراق المختلفة، وذلك بالتعويض المستمر للأوكسجين في عملية البناء الضوئي   ( الكلوروفيلي ) حيث تمتص النباتات ثاني أكسيد الكربون، وتعطي الأوكسجين. وهذه النسبة هي التي تفي باحتياجات الحياة ، فلو نقصت نسبة الأوكسجين لقضي على الكائنات الحية، ولما اشتعلت النار ، كما أنه لو حدث زيادة في هذه النسبة لاشتعلت الحرائق في كل مكان؛ لأن الأوكسجين هو العامل المساعد على الاشتعال ، إن كل تلك النسب والمقادير والخصائص المحكمة لتشهد أنها من صنع الحكيم العليم وتقدير الرحيم . ولما كان الهواء الجوي يلامس أسطح البحار والأنهار فقد جعل الله الأوكسجين قابلاً للذوبان في الماء بكمية قليلة تكفي لتنفس الكائنات الحية التي تعيش في تلك المياه . كما جعل الله الهواء سبباً لارتفاع الطير في الجو، فبدونه ما كان لطائر أن يطير، فالطيور تدفع بأجنحتها كميات الهواء اللازمة لتسبح عليها، قال تعالى﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ (الملك:19). والهواء يحمل الطائرات أثناء طيرانها كما تحمل البحار السفن ؛ وللهواء فوائد أخرى كثيرة . فانظر إلى هذا الإحكام في تركيب الهواء والنسب الدقيقة لمكوناته والخصائص المتعددة للهواء لحفظ حياة الكائنات وتيسير بقائها بما يدل على أن تلك الآيات من آثار العليم الحكيم الخبير سبحانه

توفير الهواء وسهولة أخذه :

إن آيات الله في مخلوقاته كثيرة، ومنها توفير الهواء الذي يعتبر أهم احتياجات الإنسان والحيوان والنبات على الإطلاق، فلا يستطيع أن يستغني عنه الإنسان ولو دقائق معدودة، لذلك فقد وفره الخالق الرحيم، ويسر مكانه على وجه الأرض دون أن نتكلف في جمعه أو نقله أو خزنه، ولا يمكن أن يحتكره أحد، بل جعله الخالق الرحيم سبحانه غازاً ينتشر في الأرض كلها، وأحاطنا به من كل مكان على سطح الأرض. فانظر إلى هذه النعمة العظيمة التي لم يجعل الله لأحد سلطاناً عليها ، ووفرها بكميات هائلة تكفي لاحتياجات كل الكائنات ويسرها في كل مكان وزمان ، إن ذلك كله يشهد أنه من صنع الرحيم الودود اللطيف الكريم الخبير سبحانه وتعالى .

الغلاف الجـوي

وعلاقته بالجهاز التنفسي للإنسان وغيره من الكائنات

التنفس حاجة ضرورية لكل خلية؛ لأن الخلية تحتاج للأوكسجين لإحراق الغذاء وتوليد الطاقة ثم طرد ثاني أكسيد الكربون الناتج عن ذلك. ولما كانت الكائنات وحيدة الخلية أو متعددة الخلايا صغيرة الحجم ، وأسطحها ملامسة للوسط الذي يوجد فيه الأوكسجين فلا حاجة لها إلى جهاز تنفسي متخصص؛ لأن ذلك يكون من العبث ، فهيأ الله جدران هذه الخلايا لإتمام عملية التنفس بتبادل الغازات ( دخول الأوكسجين وخروج ثاني أكسيد الكربون ) عن طريق تلك الجدران مباشرة. ولكن عندما يكون الحيوان مكوناً من عدد من الخلايا الكثيرة ولا تستطيع كل تلك الخلايا الحصول على الهواء مباشرة، فلا بد لها من واسطة لنقل الهواء إليها ، لذا جعل الله لهذه الكائنات ذات الخلايا الكثيرة أنواعاً من الأجهزة التنفسية تتناسب مع بنية الكائن والوسط الذي يعيش فيه. فالأسماك تأخذ الأوكسجين الذائب في الماء الذي يختلف في ثقله النوعي ولزوجته ونسبة الأوكسجين فيه ودرجة انتشار الغازات فيه عن الهواء الجوي الحر ، لذلك خلق الله لها خياشيم(4 ) تتناسب مع خصائص الماء ووجود الأوكسجين الذائب فيه، ليصل إلى كل خلية في أجسامها. ولما كانت الحشرات ذات أجسام صغيرة ، فقد جعل الله أجهزتها التنفسية بسيطة تتناسب مع تلك الأجسام، فجعل ثقوباً على جانبي الصدر والبطن تتصل بنظام من الأنابيب ( الرغاميات ) تتعمق في أنسجة تلك الحشرات لتوصل الأكسجين إلى كل خلية من خلايا جسمها. ولكي لا تكون تلك الأنابيب سبباً لتبخر ماء تلك الحشرات فقد حفظ الله تلك الأنابيب بصمامات أو شعيرات تمنع الإفراط في تبخر الماء . أما الكائنات ذات الأجسام الكبيرة كالإنسان والأنعام فقدخلق الله لها أجهزة تنفسيةذات رئات متخصصةتنقل الأكسجين إلى الدماءالتي تدورفي كل الجسم لتوصل الأكسجين إلى كل خلية، وتأخذ منها ثاني أكسيد الكربون وتطرده خارج الجسم

الجهاز التنفسي في الإنسان :

إن وجود الأكسجين وتوفره لا ينتفع به جسم الإنسان إذا لم يوجد لديه جهاز يستقبله ، فخلق الله جهازاً دقيقاً في جسم الإنسان وهو في بطن أمه، هو الجهاز التنفسي الذي يعمل منذ أيام الولادة الأولى حتى الوفاة باستمرار دون كلل أو ملل أو توقف، ويعمل في كل مكان وفي حالة النوم واليقظة. فمن رحمة الله أن يسر لنا أخذه بطريقة سهلة لا تعيينا، ولا تؤلمنا، ولا تكلفنا جهداً أو مشقة(5) . وقد صنع الله لك هذا الجهاز التنفسي وأنت في بطن أمك محاطاً بالسائل الأمينوسي حيث لا يوجد هواء تتنفسه. فالذي خلق لك هذا الجهاز وأنت جنين في بطن أمك وهيأه لاستقبال الهواء الصالح (الأكسجين) الذي لا وجود له وأنت في بطن أمك، وهيأه لطرد الهواء الفاسد ( ثاني أكسيد الكربون ) لا شك أنه عليم بأنك ستخرج من بطن أمك إلى عالم فيه ذلك الهواء، وأنه خبير بأنه يتحول إلى هواء فاسد ( ثاني أكسيد الكربون) فأعد لك ما تحتاج إليه على الأرض وأنت لا تزال جنيناً في بطن أمك .

مناقشة مع ملحد :

لقد دارت بيني وبين أحد السويسريين(6)  مناقشة، ضربت له فيها أمثلة كثيرة تدل على أن الخالق عليم، فلم يقتنع حتى ضربت له مثالاً بعمل الجهاز التنفسي .

فقلت : هل ملابس رواد الفضاء الذين خرجوا إلى خارج الغلاف الهوائي كملابسنا ؟

قال : لا .

قلت : لماذا ؟!

قال : لأنه يجب أن تتناسب ملابسهم مع البيئة التي سيخرجون إليها .

قلت : هل الذين صنعوا هذه الملابس المناسبة مع البيئة التي سيخرج إليها رواد الفضاء علماء أم جهلاء ؟!

قال : علماء .

قلت له: إذا قلت لك: إن صانع ملابس رواد الفضاء إسكافي ( صانع أحذية ) في صنعاء هل ستصدق ذلك ؟!

قال : لا أقبل منك ذلك .

قلت له : وأنت عندما كنت في بطن أمك قبل الولادة ستخرج إلى عالم جديد كما يخرج رائد الفضاء إلى عالم آخر. وأنت في داخل الرحم هل كان يوجد أوكسجين تتنفسه من أنفك ورئتيك ؟!

قال : لا .

قلت : فالذي خلقك داخل بطن أمك، وخلق لك جهازاً لا تحتاج إليه وأنت في رحم أمك عليم بأنك ستخرج إلى عالم فيه أوكسجين ، وأن هذا الأوكسجين يجب أن يدخل جسمك ويجب أن يطرد ثاني أكسيد الكربون ، فجهزك بجهاز يدخل الهواء الصالح ، ويخرج الهواء الفاسد، هل الذي فعل ذلك يعلم أم لا يعلم ؟ فسلم عند ذلك بأن خالق ذلك الجهاز لا بد أن يكون متصفاً بالعلم سبحانه وتعالى. وبعد مناقشات حول الإعجاز العلمي ومعجزات الرسول r قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ًرسول الله .

تفكروا يا أولى الألباب :

إن الله هو خالق الحياة ،وهو الذي أمد الأحياء بما تحتاج من الهواء ، وهو الذي أنعم على الأحياء بالهواء للتنفس ،وهو الذي يحميها به من أخطار الشهب والنيازك،ويلقح به كثيراً من النباتات ، ويحمل به الأمطار ، ويوزان بضغط الهواء ضغط السوائل في أجسام الكائنات

h  ألا ترى إلىذلك الإحكام والإنعام في خلق الهواء متناسباًمع حاجات الإنسان والكائنات الحيةدليلاًعلى أنه من صنع الحكيم المنعم الوهاب .

h وأن التقدير البديع الحكيم في كثافة الهواء التي تحرق الشهب والنيازك قبل الوصول إلى الأرض من صنع الحافظ الرحيم سبحانه .

hوأن حركة الهواء (الرياح) التي تقوم بتلقيح النباتات والسحب ، واستثارة السحب ونقلها إلى أواسط القارات ، وتسيير السفن الشراعية وحمل الطائرات من تدبير العليم بمصالح عباده ذي الفضل العظيم .

h وأن ذلك التوفير الهائل للهواء بكمياته المناسبة للحياة في كل مكان على وجه الأرض وذلك التوازن الدقيق المتقن المقدر بين الهواء الصالح (الأوكسجين) والهواء الفاسد (ثاني أكسيد الكربون) من تقدير الحكيم العليم .

h وأن ذلك الجهاز التنفسي المحكم الذي يباشر أعماله بدون توقف ، وفي غاية من الدقة والسهولة ، وبطريقة لا تكلف الإنسان جهداً أو مشقة في نومه أو يقظته، وأن تلك الأجهزة التنفسية المتناسبة مع كل مخلوق وبيئته، المحققة لحاجة كل مخلوق، كلها تشهد بأنها من صنع الرب الرحيم الرؤوف العليم الخبير القادر سبحانه .

h فمن صاحب هذه الحكمة العظيمة ، وذلك التقدير البديع ، والتنظيم الحكيم ، والتقدير المتقن، والتركيب العجيب ؟ أوثن لا يسمع ولا يبصر ، ولا ينفع ولا يضر ولا يملك حولاً ولا قوة ؟ أطبيعة صماء عمياء جامدة، لا تملك حكمة ولا إرادة ؟ أعدم         لا يفعل شيئاً؟ أم أن تلك الحكمة المشاهدة، والتقدير البديع ، والتنظيم الحكيم، والتوازن المتقن، والتركيب العجيب ، كل ذلك شاهد أمام كل عاقل بأنه من صنع الرب الحكيم والخالق العظيم والمبدع الخبير البصير الرحيم الذي خلق الهواء المحيط بأرضنا بتقدير حكيم ، وصنع لطيف، وهو غير هذه المخلوقات المشاهدة: إنه الله العظيم سبحانه وتعالى.

من آيات الله في الماء والأمطار

مقدمة :

إن الله جل وعلا وضع علامات في كل المخلوقات لتعرفنا ببعض صفاته، فنعرف بذلك ربنا جل وعلا، وبهذا تنقطع جميع الدعوات الباطلة التي تنسب الألوهية والربوبية إلى غير الله سبحانه وتعالى. ومنهج القرآن يعرض أمامنا الكون المشاهد، ويقول لنا هذه آيات الله في كل شئ تدلنا عليه سبحانه وليس هناك دليل واحد على تأليه غير الله سبحانه.

من آيات الله في الماء

لا حياة بلا ماء :
الماء ضروري للحياة وبدونه تنعدم . فعندما انفصلت الأرض عن مادة السماء أودع الله فيها عنصر الماء بكميات تتناسب مع الحياة على الأرض ، فلوزادت نسبة الماء في الأرض عند انفصالها لغمرت المياه القارات ، وانعدمت حياة الكائنات البرية والإنسان ، ولو نقصت كمية المياة لما توفرت لنا الأمطار الكافية لاستمرار الحياة . ويكوّن الماء نسبة كبيرة من أجسام الكائنات الحية ، فيبلغ في النبات نسبة 90%. وهو الوسط المناسب الوحيد لإتمام جميع العمليات الحيوية في أجسام الكائنات الحية. كما يشترط علماء الفلك وجود الماء لإمكانية قيام الحياة في أي كوكب قال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء:30). ولو أن الله جعل مياه البحار عذبة لهاجمتها جراثيم التعفن وأفسدت بيئة الأرض ، لكن الله جعلها ملحة حتى لا تتعفن .

إسكان الماء في الأرض :

جعل الخالق سبحانه للماء درجة غليان عالية (100ْ) مئوية، وليست منخفضة كدرجةغليان باقي الموائع من المذيبات كالكحول والبنزين التي تغلي عند درجة حرارة منخفضة. فلو كانت مياه البحر تغلي عند درجة منخفضة لتبخرت مياه البحار والأنهار ولكان الماء معلقاً في جوالأرض في صورة بخاركما هو الحال في كوكب الزهرة.ولو زادت درجة غليان الماءلأبطأت عملية التبخر،فلا نحصل على الكمية الكافية من الأمطار،فسبحان الخالق الحكيم العليم الخبير

تقدير لا شذوذ :

تكون كثافة السوائل في أعلى درجاتها عندما تصل إلى الحالة الصلبة ، لكن الماء يختلف عن بقية السوائل فتكون أعلى درجة لكثافته وهو سائل عند 4ْ مئوية ، ثم تنقص كثافته كلما انخفضت درجة حرارته ، ويتحول إلى مادة صلبة بتجمده عند درجة صفر متحولاً إلى ثلج أقل كثافة من الماء في حالة السيولة لذا يطفوا الثلج في المحيطات والبحيرات والأنهار، وتبقى المياه تحته سائلة صالحة لحياة الأسماك والكائنات الحية. ولو كان الثلج مثل بقية السوائل أكثر كثافة في حالة الصلابة فسيغطس إلى قاع البحار والبحيرات والأنهار، وفي المناطق البادرة في الشتاء يتحول البحر إلى كتلة من الثلج لا أثر فيها للحياة ولا يسهل فيها الانتقال ، فمن الذي قدر للماء هذه الخاصية(7) التي اختلف بها عن سائر السوائل؟ إنه العليم الخبير الرحيم بالكائنات المائية سبحانه .

الماء مكيف عام للأرض :

وانظر إلى الحرارة النوعية((8العالية للماء ، فتسخين جرام واحد من الماء يحتاج إلى حوالي خمسة أضعاف الحرارة اللازمة لتسخين جرام واحدٍ من الألمنيوم(9)  (لذلك تسخن الأواني المعدنية قبل الماء الذي بداخلها) . وبسبب هذه الخاصية ترتفع درجة حرارة البحار والمحيطات ببطء عند تعرضها لحرارة الشمس ، فتظل البحار والأسطح المائية على الأرض في النهار باردة نسبياً فتقوم بتبريد الغلاف الجوي الملامس لها بينما تظل درجات الحرارة على اليابسة مرتفعة بسبب انخفاض درجة الحرارة النوعية للصخور ، فيرتفع الهواء فوق اليابسة بسبب ارتفاع درجة الحرارة فيقل الضغط وبذا تهب الرياح من البحر حيث يكون الضغط أعلى من الضغط فوق اليابسة فتلطف جو اليابسة وهذا ما نسميه نسيم البحر . وفي الليل تفقد البحار والأسطح المائية حرارتها ببطء فتبقى دافئة نسبياً طوال الليل ، وتدفئ الهواء الملامس لها فيرتفع وينخفض الضغط وتهب الرياح الباردة من اليابسة حيث الضغط العالي إلى البحر مما يؤدي إلى تدفئة اليابسة على الشاطئ(10)(29 ). وبهذا تكون الحرارة النوعية التي قدرها الله للماء سبباً في جعل البحار مكيفاً لدرجة حرارة الأرض في الليل والنهار ، ولو لم تقدر تلك الحرارة النوعية المناسبة لاختلت حياة الكائنات على الأرض. فمن قدر تلك الحرارة النوعية للماء التي بها تصبح درجة الحرارة على الأرض مناسبة لحياة الكائنات عليها؟ إنه الله الذي خلق كل شئٍ  فقدره تقديراً . 

المذيب العام :

والماء يذيب معظم المواد ، ولا يوجد مركب آخر له نفس هذه الخاصية ولذا فهو المادة المناسبة لغسل الثياب وتنظيف الأبدان.قال تعالى : ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا  (الفرقان:48). وهو المادة المناسبة لإذابة المعادن والأملاح من الجبال والصخور أو إذابتها في التربة فيسهل امتصاصها في أجسام النباتات ، لتكون من المواد الغذائية للنبات والحيوان والإنسان . ويذيب ماء البحر غازالأكسجين لتمتصه الأسماك والحيوانات البحرية، كما يذيب الماء ثاني أكسيد الكربون فيكون سبباً في تنظيم نسبته في الغلاف الجوي . فسبحان القائل: ﴿… وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا(48)لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا(49)وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) (الفرقان:48-50).

من آيات الله في الأمطار

دار الجدل حول موضوع المطر والسحاب والرياح بين ثقافتين .

الثقافة الأولى : ثقافة عهود الانحطاط التي جمدت أفكارها، وقصر فهمها ، وغلبت عليها السطحية. ومن تلك السطحية تصورهم أن المطر ينزل من ثقوب عديدة لخزانات كبيرة في السماء وهذا إلغاء لدور السحب والرياح التي ذكرتها الآيات القرآنية.

والثقافة الثانية : ثقافة عهود الاستعمار .

وهي الثقافة التي ظهرت عندما تقدم العلم التجريبي ، ونشأ في بيئة إلحادية تسعى إلى اعتساف الظواهر الكونية وتقديمها في صورة بعيدة عن الدلالات الإيمانية. إذ كلما اكتشفوا سنة من السُنن الإلهية ألبسوها ثوب زور من الإلحاد والتضليل !ولكونهم أصحاب هذه الاكتشافات وثق الناس بتفسيراتهم، ففسروها بما تهوى أنفسهم وبما يمليه عليهم جهلهم وعداؤهم للأديان وأهلها. ومن ذلك قولهم : إن المطر شئ طبيعي، وهو عبارة عن حرارة تسخن مياه البحار ، فالجزيئات الساخنة من الماء على سطح البحر تتحرر من قوة الترابط بالماء فيخف وزنها فتطير بخاراً في الهواء ، ثم تأتي الرياح فتحرك هذا البخار وتسوقه إلى مناطق باردة في الجو فيتكثف مكوناً السحاب، ثم تثقل القطرات بزيادة حجمها فينزل المطر. ونتيجة لهذه العملية تحدث شحنات كهربية فتكون البرق والرعد. ويقولون عن هذه الأمور كلها شئ طبيعي؟!فهذا التفسير لهذه السنن الإلهية جعل بعض المسلمين يتخذون موقفاً متعجلاً بقبوله وبعضهم يتخذ موقفاً رافضاً له جملةوتفصيلاً،فهيا لننظر إلى هذه الآيات وما تدل عليه من الحقائق والدلائل

تكون السحاب :

تقوم حرارة الشمس بتبخير ماء البحر فيصعد إلى السماء ماءً عذباً سائغاً. ولكن هذا البخار لا يستمر في صعوده ليصب في القمر أو المريخ، فليس المقصود أن يصب هناك إنما المقصود أن يصب غيثاً لعباد الله في أواسط القارات وشتى أجزائها ، لأن الحاجة ماسة إليه هناك. وقد قدر الله نظاماً محكماً وقدْراً دقيقاً من الحرارة يصير به ماء البحر غيثاً لعباده، فلو زادت حرارة الشمس قليلاً لتبخرت مياه البحار كلها، لكنها حرارة مقدرة بقدر معين. ولو كانت أسطح البحار أقل مساحة مما هي عليه الآن (3/4 اليابسة) لكانت الأمطار أقل مما هي عليه إذ تنقص كمية الأمطار كلما نقصت مساحة أسطح البحار ، فوجود سطح واسع من البحار بهذا المقدار يتناسب مع القدر المطلوب من الأمطار على سطح اليابسة. وكل عام ترفع الطاقة الشمسية ، بإذن الله ، حوالي 400.000 كيلومتر مكعب من الرطوبة ، يسقط ثلثاها ثانية فوق المحيطات بينما يصل الباقي إلى اليابسة في صورة أمطار أو ثلوج أو برد أو ندى((11

سنن الله في تكوين ماء المطر العذب

1- سنة الرفع والإيقاف والتحلية :

لقد جعل الله سبحانه وتعالى حرارة الشمس والرياح سبباً في رفع بخار الماء من البحار إلى ما فوق مستوى الجبال وذلك لكي لا تعوق الجبال انتقال الماء من فوق البحر إلى أواسط القارات ، ولكي تتكاثف جزيئاته مكونة السحاب. وجعل الله تعالى لارتفاع بخار الماء هذا حداً يقف عنده ولا يجاوزه إلى آفاق الكون لكي لا يغادر الأرض إلى غير رجعة. قال تعالى : ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ (المؤمنون:18). ورفع الله ماء البحر بخاراً ولم يرفع معه الملح الذي يختلط به كي لا يضر ذلك الملح بالإنسان والحيوان والنبات ، ولو شربنا منه وهو ملح أجاج أو سقينا منه زرعنا لأهلكنا وأهلك الزرع والحيوان. ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ(68)ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ(69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ(70)﴾ (الواقعة:68-70) . وأجاجاً أي ملحاً .

2- سنة تجميع بخار الماء:

إن بخار الماء خفيف يتصاعد إلى أعلى ولا يرى إلا إذا تكثف ، فيرسل الله الرياح محملة بذرات الدخان والأتربة وحبوب اللقاح وغيرها من نويات التكاثف ، فتتلقح جزيئات بخار الماء بها فتستثيرها، فيتجمع بخار الماء حول تلك الجزيئات مكوناً أغلفة مائية فتتكون قطيرات مائية يمكن رؤيتها فنشاهدها سحاباً. وبازدياد نمو تلك القطيرات تتحول إلى قطرات ثقيلة فتنزل مطراً. قال تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ (الروم:48).

3- سنة سوق السحب:

وهناك سنة إلهية ثالثة وهي سنة نقل هذا الماء من فوق البحار إلى أعماق القارات وذلك بواسطة الرياح التي تسوق السحب دون أن تتقاضى من الناس ثمناً أو أجراً ، لأنها مسخرة لهم بأمر الله جل وعلا. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  (الأعراف:57). فهذه الآية تحدثنا عن نقل الرياح للسحب، وأنها هي التي تسوقها بأمر الله سبحانه وتعالى "سقناه لبلد ميت". وقد ثبت أن هناك مناطق صحراوية مجدبة تحولت إلى مناطق زراعية. وكما أن الله حول تلك المناطق الميتة إلى أرض حية فإن الله يبعث الموتى كذلك بإنزال مطر من السماء تنبت منه أجساد الآدميين. قال تعالى﴿…فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ   (الأعراف:57) . انظر إلى الشكل واحد واثنين وثلاثة وانظر إلى الحكمة في تقدير الرياح ، إنها تسير وفق أقدار محكمة ومقصودة ، بحيث يكون قدرها وسرعتها مناسبين جداً لاستثارة السحب ونقلها، ولا تكون مدمرة. ولقد أرانا الله عبرة ببعض العواصف والأعاصير المدمرة التي تبلغ سرعتها خمسة وسبعين ميلاً في الساعة ، أما لو بلغت سرعة سير الرياح مائتي ميل في الساعة لما أبقت شيئاً على الأرض إلا ودمرته. ولتعلم آثار رحمة الله عليك فاعلم أن هذه الرياح الفائقة السرعة موجودة في الأرض فوق رأسك ، والمسافة بينك وبينها خمسة أميال فقط، حيث توجد منطقة اسمها منطقة التيار النفاث. فالرياح التي تسير بسرعة مائتي ميل في الساعة على ارتفاع خمسة أميال فوق سطح البحر لو اقتربت من سطح الأرض لاختل نظام الحياة ، واختل النظام الذي يسير عليه المطر. ولو كانت المنطقة رقم ثلاثة بدلاً من المنطقة رقم واحد الموجودة على سطح الأرض لما تحرك ماء إلى داخل القارات ولظلت الأمطار فوق البحر ولمات الناس والأنعام والزرع عطشاً. فانظر إلى التدبير الحكيم في هذه الأرض .

4- سنة إنزال المطر:

إن السحاب المسخر بين السماء والأرض تعادلت فيه قوة الجاذبية التي تجذبه إلى أسفل مع قوة الرفع التي ترفعه إلى أعلى ، ولو استمر هذا التعادل بين القوتين لما نزلت قطرة ماء واحدة ولكن الله جل وعلا يرسل الرياح لحمل السحاب إلى ارتفاعات أكثر برودة فيزداد التكثيف ويزدادحجم القطرات ويتبارك الماءفي تلك القطرات ويزدادثقلها فتتغلب الجاذبيةعلى قوةالرفع فينزل المطربقدرته سبحانه وتعالى.

قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  (الأعراف:57) . ولكي لا ينزل الماء كتلة واحدة فقد جعل الله سنة التوتر السطحي(12) في قطرات الماء سبباً في نزوله على شكل قطرات صغيرة حتى لا يحدث الدمار على سطح الأرض.

5- سنة جريان ماء المطر وانتشاره في الأرض:

لقد جعل الله سنة تكوين الأنهار وسيلة لجريان مياه الأمطار ونشرها في الأرض إلى مساحات واسعة لتتحقق الاستفادة منها في أوسع رقعة. فالماء يجري أنهاراً على سطح الأرض وغيولاً وسيولاً منتشراً فيها كما تنتشر عروق الدماء في جسم الإنسان قال تعالى: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ (الرعد:17) .وقال تعالى : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾  (إبراهيم:32) . كما يجري الماء في جوف الأرض في مسالك(13) محددة في الصخور تشبه الأنابيب فإذا ما انكسرت في جزء منها تفجرت منها العيون ، فيصل نفع تلك المياه المخزونة إلى مسافات بعيدة تنشأ بسببها واحات الصحراء وغيرها . قال تعالى : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾ (الزمر:21).

6- سنة امتصاص سطح الأرض للماء :

لو أن مياه الأمطار كلها بقيت على سطح الأرض التي نزلت عليها لكونت بحيرات ومستنقعات كبيرة تفسد حياة الإنسان ، فلا يتمكن من السير أو الزرع أو البناء على ذلك السطح المغمور بالماء ، لكن الله جعل لسطح الأرض خاصية تسمح بنفوذ الماء وامتصاصه إلى الطبقات السفلى القريبة من السطح ، حيث يجري في مسارات ومسالك ويتجمع في خزانات جوفية بعيداً عن جراثيم التعفن تاركاً سطح الأرض صالحاً للحياة عليه دون عائق من الماء. قال تعالى﴿… فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ…  (المؤمنون:18) .

7- سنة خزن المياه في جوف الأرض:

ولو استمرت سنة نفوذ الماء إلى باطن الأرض وغوره فيها ، لغاب عنا في أعماق الأرض البعيدة ولحرمنا من الانتفاع به بصفة دائمة ، لكن الله جل وعلا جعل في باطن الأرض القريبة خزانات للمياه من حجر وطين تحفظها من الغور في باطنها وتجعلها قريبة من الإنسان لتمده بماء دائم. قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ  (الملك:30).

غيث الاستسقاء :

إن الله خلق الخلق وقدر المقادير وأجرى السنن لانتظام سير الكون ، وضبط تعامل المخلوقات مع تلك السنن ولتكيف حياتها وفقاً لها، ولكن الذي قدر تلك السنن يستطيع أن يوجد آثارها عن طريقها أو عن طريق سنن أخرى غيرها أو بأي كيفية يريدها في أي وقت يشاء. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82). ومن ذلك ما نعرفه من إجابة الله لدعاء المسلمين الذين يخرجون لصلاة الاستسقاء عندما يشتد الجفاف في بلادهم فيفرج الله عنهم كربهم ويجيب دعوتهم ويسوق الغيث إليهم في غضون ساعة أو ساعات ، وبعضهم لا يرجع من مكان صلاة الاستسقاء إلا تحت وقع المطر في وقت يئس الناس فيه من سقوط المطر ، لأن السنن المعتادة لنزوله غير متوفرة. لكن خالق السنن سمع استغاثة الداعين ولجوء اللاجئين إليه ورأى مكانهم الذي هم فيه فساق إليهم المطر بسنن أخرى إلى مكانهم المحدد على وجه الأرض، وهو القائل سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ   (يس:82). والقائل سبحانه ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186)سل أباك وأمك أو أحد أقربائك وسل شيوخك العارفين برحمة ربك سميع الدعاء، سلهم عن إجابته دعوة المضطرين، وإغاثة الملهوفين، سلهم كم أصيبت أراض بالجفاف، وانعدم المطر، فخرج المسلمون كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ربهم مستغيثين فيجيبهم وينشر رحمته عليهم. ذلك هو التطبيق العملي الذي نعرف به أن الخالق سبحانه هو سميع مجيب الدعاء وهو القائل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186).
من غيث الإستسقاء- وإليك بعض الأمثلة:

أ- في منطقة حرف سفيان(14)عام 1973م كان الصينيون يشقون طريق صنعاء -صعده وكانت لهم محطة أشغال في تلك المنطقة وحفروا للناس آباراً ارتوازية، إذ اشتد الجفاف في تلك المنطقة، فقال الشيخ عبدالله عشيش:" تعالوا نخرج لصلاة الاستسقاء"، فلم يستجب الناس وخرج معه شخص واحد اسمه يحيى الأقطل وصليا صلاة الاستسقاء في مزرعة يحيى الأقطل ودعوا الله تعالى فأنزل الله المطر على تلك المزرعة دون غيرها من الأراضي الزراعية. وبعد بضعة أشهر نبت الزرع في تلك المزرعة فكان المسافر إذا مر يرى منطقة فيها زرع وباقي الأراضي ميتة ليس فيها زرع فيسألون فيقال لهم هذا زرع يحيى الأقطل الذي صلى صلاة الاستسقاء !

ب- وفي عهد الحكم الشيوعي بالحبشة اشتد القحط والجفاف وضاق الناس به حتى هلكت كثير من المواشي ومات بعض الناس جوعاً. فاضطرت الحكومة الشيوعية للسماح للمسلمين والنصارى بإظهار شعائر العبادة والدعاء لإنزال المطر. فقام النصارى في كنائسهم بالدعاء والصلاة من أجل إنزال المطر، ولكن لم يستجب الله لهم.ودعا إمام الجامع الكبير بأديس أبابا الذي يعتبر إماماً للمسلمين هناك إلى صلاة الاستسقاء في يوم معين وندب المسلمين للصيام ثلاثة أيام قبل ذلك فخرجوا لصلاة الاستسقاء، ففرح الشيوعيون بذلك ظناً منهم أنهم سيسخرون منهم كما سخروا من النصارى قبلهم. وقد قال لي إمام الجامع عندما التقيت به ومن معه:" أصبحنا في مشكلة، فلم يعد همنا نزول المطر بل أصبح همنا الخوف من الفضيحة بين النصارى والشيوعيين! فأخذنا ندعو الله ونلح في الدعاء إلى أن جاء موعد صلاة الاستسقاء فخرجنا وصلينا صلاة الاستسقاء فلم يأت وقت العصر حتى أنزل الله المطر مدراراً بعد سنوات من الجفاف. فكان غيثاً للأرض وغيثاً لقلوب الشباب ، وقال النصارى هذا مطر المسلمين وأقبل كثير من الشباب على الإسلام بعد أن كانوا قد اعرضوا عنه .

جـ- قال لي شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق رحمه الله : اشتد على أهل سيناء الجفاف فأخبروني بذلك فقلت لهم: "صلوا صلاة الاستسقاء". فجمع المحافظ الناس والعلماء. وخرجوا لصلاة الاستسقاء فأنزل الله المطر سيولاً غزيرة فاتصل بي المحافظ قائلاً: "يا شيخ المطرُ زادَ علينا فماذا نفعل ؟" فقلت له أدعو الله أن اجعله حوالينا لا علينا.

د- فاز الطيب أوردغان أحد قيادات حزب الرفاه الإسلامي في تركيا في أواسط التسعينيات برئاسة بلدية اسطنبول في تركيا فقدم خدمات هائلة للناس، وبقي عليه مشكلة الماء حيث كان نصيب الفرد من الماء مرة كل شهر ، فقال: "لقد تعلمنا في معاهد الدعاة والأئمة أنه إذا اشتد الجفاف يخرج الناس لصلاة الاستسقاء". فدعا الناس إلى ذلك فاشتدت سخرية العلمانيين من دعوته واشتد حرج المؤمنين من تلك السخرية. وقال لي الشيخ أمين سراج إمام جامع الفاتح باسطنبول: "لقد خرجنا لصلاة الاستسقاء وهّمنا شماتة العلمانيين ، فكنا نستغيث بالله ألا يفضحنا ونزلت الأمطار في اليوم الثاني لصلاة الاستسقاء ، واستمر نزول المطر حتى امتلأت سدود اسطنبول واكتفى الناس."

هـ- وحدث في عام 1417هـ أن قمت بزيارة لمنطقة يهر بيافع من بلاد اليمن، وكانت المنطقة تعانى من الجفاف وشحة المياه، فقال الناس لي أثناء محاضرة لي معهم كانت في الهواء الطلق: "انظر يا شيخ إلى الزرع كاد أن يذبل وإلى البُنّ كاد أن ييبس فاستسق الله لنا" فطلبت منهم أن يؤمنوا على دعاءي وأن يُخلصوا الدعاء، فدعونا الله وحينها قال أحد الحاضرين: "إذا نزل المطر فسأصلي وأتوب من اليوم!" وما هي إلا ساعة وثلث الساعة تقريباً حتى نزل المطر منهمراً على تلك المنطقة والوادي بعد أن كان الجو جافاً لا تلوح فيه قزعة سحابٍ فسبحان مجيب الدعاء .

تفكروا يا أولي الألباب :

علم الله أن الكائنات الحية في الأرض ستحتاج إلى الماء، وقدر وعلم أنها ستعيش على سطح الأرض، فخلق الماء وأخرجه من باطنها إلى سطحها كما قال تعالى﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا  (النازعات:31) .  وعلم أن الماء يتعفن فجعل ماء البحار يختلط بالملح حتى لا يتعفن . وعلم أن السكان في القارات بحاجة إلى الماء ، فسخر الشمس لتبخير المياه وسخر الرياح لرفعه وسوقه وعلم أن ما على سطح الأرض يتضرر بنزول الماء كتلة واحدة فأنزله على شكل قطرات . وعلم أن تركه على سطح الأرض يفسد الحياة على سطحها، ويفسد الماء بتعفنه بسبب جراثيم التعفن، فسلكه ينابيع في الأرض بعيداً عن الجراثيم ولكي لا يعيق السير على الأرض والزراعة فيها، وأجرى من تلك الأمطار أنهاراً لتنتفع به مساحات شاسعة تمر عليها تلك الأنهار. وجعل جريان الأنهار مانعاً من التعفن كما جعل الأنهار وسيلة للانتقال أيضا.

وعلم حاجه الناس إلى هذا الماء فخزنه قريباً من سطح الأرض ليمدهم من العيون والآبار بماء دائم طوال العام حيث لا تتوافر الأنهار. فتلك آيات وأدلة شاهدة بأن الخالق عليم وأنه رحيم بعباده وأنه الرزاق سبحانه. وتأمل كيف أحكمت كمية المياه التي خلقت مع الأرض مع حاجة من سيعيش عليها وكيف أحكمت سعة أسطح البحار مع مقدار الأمطار التي تحتاج إليها الأرض، وكيف أحكمت حرارة الشمس وقدرت لترفع المقادير المطلوبة من الأمطار، وكيف أُحكم توزيع الحرارة في طبقات الجو بما يسمح بتكوين السحب وإبقاء الماء دون انفلاته عن كوكب الأرض. وكيف كان الإحكام في سرعة الرياح في طبقات الجو بما يسمح بحركة الغلاف الجوي ويمنع التدمير على الأرض.

وتأمل الإحكام في هطول المطر على شكل قطرات صغيرة لا تضر ولا تدمر والإحكام لانتشار الماء في جوف الأرض ليغطي مساحات واسعة منها تهيئها لحياة الكائنات. وتأمل الإحكام في خصائص طبقات الأرض بحيث تسمح بنفوذ المياه دون أن تغور إلى أعماق بعيدة

وسترى مما سبق آثار الرحمة التي تدلك على الرحيم، والقدرة التي تدلك على القدير، والقوة التي تدلك على القوي، والخبرة التي تدلك على العليم الخبير، وإجابة الدعاء التي تدلك على السميع المجيب . وهكذا تشهد المخلوقات ببعض صفات ربها وخالقها لكل عاقل، فكل ذلك أدلة شاهدة بأنه من تقدير الله الخالق الحكيم العليم العظيم الرزاق الرحيم سبحانه .

أرجوزة شعرية

قال الشاعر عبدالرحمن قاضي:

 

كيف غدا سيلاً يسيرُ طائراً
فهل شكرتَ للإلهِ النعمهْ
لبعثِ ما فيها من البُخار
فوقَ الجبالِ هذهِ الشمّاءِِ
لوقفِ رفعهِ إلى السماء
فلا ننالُ عندها قطاره
تُثيرهُ بعدُ سحاباً معصراً
إن شاءَ منْ وراءِها أن يَنْفُذا
بِقَدَرٍ منهُ لَه تسُتَاق
لأمطرَ الناسَ الفناءَ العاجلا
فكيفَ لو صبَّ جِبالاً من بَرَدْ
وبَعْضُه سَخّره أنهاراً
كي لا يكونَ عائقاً سيرَ الورى
يكفُّ عنهُ الغورَ في الطباقِ
خَزنهُ لليُسر في نفع البشرْ
تدبيرُ من ليسَ له تفكيرُ
جامدةٍٍ لرِبها مُطيعه
بأنّ مولاهُ الإلهُ الواحد
فنفروا ثِقالهم مَعَ الِخفَافِ
فحقّقوا الفوزَ ونالوا المخرجا
أم أنّهُ السميعُ كشافُ المِحَنْ
 

 

كُنْ يا أخي إلى السحابِ ناظراً
أرسلهُ لنا الإلهُ رحمهْ
فسلّطَ الشمسَ على البحارِ
ورفعِ مائهِ إلى السماءِ
وَحَاطهُ بباردِ الهواءِِ
ولو أرادَ أوجدَ الحراره
وسَاقَ نحوهُ الرياحَ نُشْراً
فلا الجبالُ تستطيع ردَّ ذا
وساقَ أخرى مثلَها الخلاقُ
ولو جرى من السماءِ سائلاً
هذا إذا أنزلَ سيلاً في البلدْ
أنزلهُ رفْقَاً بنا قَطّاراً
وبعضُه يمتصّهُ هذا الثرى
لكن بِقَدْرٍ لا إلى الأعماقِ
وفوقَ صحنٍ كائنٍٍ من الحَجَرْ
فيا تُرى أذلكَ التدبيرُ
منْ وثن أصمَّ أو طبيعه
أَم أنْهُ لا ريبَ حقاً شاهدُ
وكم أصابَ المسلمينَ منْ جفافِ
وطلبوا من الإلهِ الفَرَجا
فهل طبيعةُُأجابتْ أم وَثَنْ
 

وجعلنا سراجاً وهاجا

أهمية الشمس :

كيف يكون حالنا بدون شمس؟ سيلفنا الظلام من حولنا، وسيتوقف نمو النباتات ويفسد الهواء، فلا نجد الأكسجين الذي تنتجه النباتات، وينعدم وجود الغذاء، وتبرد الأرض برودة لا تبقى للحياة أثراً، وتتوقف الأمطار ، وعندئذ تستحيل الحياة للكائنات على وجه الأرض. فإذا أردنا تعويض ما تقوم به الشمس بمصابيح للإضاءة ووسائل للتدفئة فعندئذ سنحتاج إلى شبكات وخطوط للإضاءة والتدفئة تغطي بقاع الأرض كلها . وعلى افتراض وجود تلك الشبكات والخطوط فسنحتاج إلى طاقات هائلة من الحرارة تغطي أسطح البحار لتبخير المياة اللازمة لتكون السحب وتحريك الرياح ، ولابد أن يكون مصدر تلك الحرارة بعيداً عن الأرض بقدر كافٍ يمنع احتراق سكان الأرض بها ، وسنجد أن مصدر تلك الطاقة الحرارية يحتاج إلى وقود دائم مستمر حتى لا تخبو فيه نيران التدفئة، وسنحتاج إلى قوة هائلة ترفعها بعيداً عن الأرض . فمن الذي يستطيع أن يوفر كل تلك الشبكات للإضاءة، وكل تلك الأفران بتلك المواصفات ؟ لكن الله قد هيأ لنا أسباب الحياة فخلق لنا الشمس وجعلها أحد تلك الأسباب .

الشمس: ذلك السراج الوهاج :

لقد جعل الله الشمس في هيئة كرة ملتهبة هي عبارة عن فرن نووي هائل يتكون من الغازات الملتهبة يبلغ قطرها1.392,530كم وهو أطول من قطر الأرض بأكثر من مائة مرة ، ويزيد حجمها على حجم الأرض بـ 1,350,000مرة ، وتزيد كتلتها على كتلة الأرض بـ332.950 مرة ، وتساوي 1.9891× 10 30كجم(15). وتصل درجة حرارة سطح الشمس الخارجي إلى 6.000(ستة آلاف درجة مئوية) تتزايد باتجاه المركز حتى تصل إلى 20مليون درجة مئوية عند المركز، وتنتج هذه الحرارة العالية في قلب الشمس من تصادم ذرات الهيدروجين في اندماج نووي متحولة إلى ذرات الهليوم بمعدل 4بليون طن في كل ثانية ومنتجة طاقة هائلة تخرج في صورة إشعاعات من نوع جاما والتي يتم امتصاصها بواسطة الغاز المحيط بالشمس، فينتج عن ذلك طاقة حرارية هائلة، وضوء بالأطوال الموجية المختلفة المرئية منها وغير المرئية. وتشع الشمس طاقة تقدر كتلتها بـ40مليون طن في كل ثانية، مقدار ما يصل منها إلى الأرض في الثانية يعادل أربعة أرطال فقط ويبلغ الإشعاع الشمسي الساقط على الأرض كل عام 178.000تيراواط وينعكس إلى الفضاء من هذه الطاقة الواصلة إلى الأرض مرةً ثانية 30% ، وتمتص الأرض منها 50% ، تتحول إلى حرارة يعاد إشعاعها إلى الفضاء، وأما الـ20% الباقية فتتحرك بها الرياح وتدفع دورة الماء وتزود عمليات التركيب الضوئي في النبات(16)  . وتبعد الشمس عنا في المتوسط حوالي 150مليون كم، ويقطع الضوء هذه المسافة في حوالي ثمان دقائق وثلث، ولو ابتعدت الشمس عنا نصف تلك المسافة لقلت الطاقة الواصلة إلى الأرض ولتجمدت الكائنات الحية حتى أن الدماء لتتجمد في عروقنا، ولو اقتربت نصف المسافة بيننا وبينها لأحرقت الشمس كل شئ، ولكن الله يمسك الأرض والشمس على مسافات محكمة تجعل الحياة ممكنة ومزدهرة في هذا النظام البديع.

نحن والشمس :

انظر إلى حركة يديك إنها بحاجة إلى طاقة لتحركها، وتلك الطاقة هي القوة التي خلقها الله سبحانه وتعالى في الشمس ابتداءً، وانتقلت إلى أجسامنا بواسطة الطعام .فالجائع الذي منع من الطعام فترة من الزمن لايقوى على الحركة، فإذا شبع دب فيه النشاط بتلك الطاقة التي جاءته من الطعام والتي خزنها الله سبحانه وتعالى في النبات يوم أن كان النبات معرضاً لضوء الشمس، وحول الله تلك الطاقة الضوئية إلى طاقة كيمائية مخزونة في الطعام الذي نأكله . وما يقال في حركة الإنسان يقال في حركة الحيوان. كما إن حركة السحب والأنهار والأمواج في البحر مردها إلى الطاقة التي جاءت بإذن الله من الشمس، فتعمل الشمس على تسخين أسطح البحار فتتحرر جزيئات الماء الساخنة من ماء البحر فتطير في الهواء وتتكاثف مكونة السحب .وأما حركة الرياح فتحصل عندما تسخن الشمس الهواء، فيتمدد في المنطقة المعرضة لسطوع الشمس (النهار) في حين تبقى الكتلة الهوائية منكمشة في المنطقة التي يسودها الليل، وهذا التمدد والانكماش مع دوران الأرض يسبب حركة الرياح بإذن الله تعالى . وأما الأنهار فما هي إلا الأمطار التي رفعها الله بالحرارة من بخار البحر إلى عنان السماء وساقتها الرياح فتنزل على قمم الجبال، وبقوة الجاذبية تسيل وتجري، لكن السبب في رفعها إلى هذا المكان بقدرة الله هو الشمس. وتستخدم قوة انحدار مياه الأنهار في توليد الطاقة الكهربائية في كثير من البلدان . كما أن جميع أنواع الوقود التي تولد الطاقة المشاهدة سواء كان الوقود فحماً حجرياً أو بترولاً أو أحد مشتقاته(17)إنما مصدرها طاقة الشمس لأنها نشأت من النباتات التي سبق أن حزنت الطاقة الشمسية . فتصور كيف تكون الحياة بدون شمس ! وإذا كانت الحركة هي التحول من مكان إلى مكان، أو من حال إلى حال، ولا تتم تلك الحركة أو التحول إلا بقوة أو طاقة، أدركنا معنى قولنا " لاحول ولا قوة إلا بالله " . فلا حركة في الكون إلا بطاقة، وكل طاقة من عند الله سبحانه .

  حركات الشمس المقدرة :

إن هذه الكتلة الهائلة من الشمس بهذا الحجم العظيم مرفوعة في السماء بغير معالق أو أعمدة نراها، وهي مع ذلك تتحرك وتجري في حركات متعددة منتظمة مقدرة،  فهي :

1) تدور حول نفسها مرة واحدة كل 26.8يوماً باعتبار سرعتها عند خط  الاستواء(18)  .

2) وتترنح حول مركز ثقل المجموعة الشمسية .

3) وتجري حول مركز مجرة درب التبانة بسرعة 230كم في الثانية .

4) وتجري مع مجرة درب التبانة باتجاه مجرة المرأة المسلسلة بسرعة 40كم في الثانية .

5) وتجري مع درب التبانة والمرأة المسلسلة والزمرة المحلية للمجرات بسرعة 600كم في الثانية بالنسبة للنسيج الفضائي(19).

6) وتجري مع حركة التوسع العام للكون .

﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
وتجر معها في كل هذه الحركات جميع أفراد المجموعة الشمسية التابعة لها من الكواكب والأقمار. وهي في كل حركة من هذه الحركات تقطع مسافة معلومة في زمن محدد دقيق، وفي اتجاه ثابت، ولو اختلت تلك الحركات في سرعتها أو اتجاهها لاختل نظام الشمس ومجموعتها ، وقد علمنا أنها تتحرك عدة حركات في عدة اتجاهات بعدة سرعات وفي آن واحد ؟! وتبقى الشمس مع ذلك كله محافظة على علاقاتها الدقيقة المحكمة المقدرة مع سائر الكواكب والأقمار والنجوم، ويستمر ذلك السير المتقن المقدر المحكم بلايين السنين في خضم هائل من بلايين النجوم وبلايين المجرات؛ إن لكل حركة حساباً دقيقاً ولمجموع ذلك الحساب حسبان تسير به الشمس كما قال تعالى :
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5). إن تلك المقادير المحكمة لسير الشمس وتوابعها من الكواكب والأقمار، شاهدة بإرادة الذي قدر تلك الأقدار الدقيقة الصحيحة التي لو تغيرت أو تبدلت لاختل النظام بأجمعه . وسبحان الله القائل﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39)لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (30)﴾  (يس:38-40) .

 تفكروا يا أولي الألباب :

إن المتأمل في تكوين الشمس وحجمها وموقعها وسيرها ونظامها يرى آثار القوة والقدرة التي رفعت الشمس، وأشعلتها وحركتها، فتدله على قوة القوي وقدرة القادر سبحانه وتعالى. والمتأمل في حركاتها وسيرها المحكم المتقن يرى التقدير الدقيق للمسافات والأزمنة والاتجاهات بحسبان موزون يشهد للمتأمل بالتقدير المحكم البديع، ويدل على إرادة الذي قدر وأحكم واختار المقادير الصحيحة بدقة وإتقان إنه الله الحكيم الفعال لما يريد.ويرى المتأمل ما يحدثه هذا السراج من آثار في الحياة في أرضنا فيشهد له أنه من صنع الخبير العليم بحاجات أهل الأرض وما عليها من كائنات، وأنه الرزاق الرحيم الذي أمدهم بالطاقة الضروريةلإنبات النبات وإنضاج الثمروتكوين السحب وتحريك الرياح وجريان الأنهارفكيف يتخذ الناس أصناماً وطواغيت أنداداً من دون الله،ولا حول ولا قوةإلا بالله ؟

قال تعالى : ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ (فاطر:13)
  


(1) الباوند هو الرطل الإنجليزي ويساوي 453 جرام .
  Johnathan Weiner , Planet Earth, Bentam Books, USA 1986, P.93 (2)   

    Wallen, lntroduction to Phyical Gcography , USA , Win C Brown Publishers, 1992, p59(3)

(4) وتستخدم بعض الأسماك النهرية مثانتها الهوائية للتنفس ، وبعضها يستخدم القناة الهضمية إذ تبتلع الهواء ليمر في الأمعاء حيث يحدث تبادل الغازات ويخرج الهواء المتبقى من المخرج كما أن قناديل البحر (أسماك هلامية) تستخدم سطح جسمها كله للتنفس .

(5) تعمل بطريقة لا إرادية عن طريق التحكم العصبي .

(6)كان مستشاراً في وزارة التربية والتعليم في اليمن من قبل اليونسكو عام 1969م .

(7)يسمي الفيزيائيون هذه الظاهرة بظاهرةشذوذ الماء  وماهي بشذوذ بل هي تقدير العليم الحكيم الخبير سبحانه.

(8)السعة الحرارية النوعية: كمية الحرارة التي يجب ان تنساب الى او من وحدة الكتل (جرام ) من المادة لتغير درجة حرارتها درجة واحدة

(9)السعة الحرارية النوعية:للالمنيوم هي 0,21كالوري /جم

(10) يسمي المختصون هذه الظاهرة " نسيم البر والبحر"

(11) Wallen  Introduction to Phyical G eography p389  

(12) هو تماسك جزئيات السائل السطحية بقوة ، الأمر الذي يمنع اتحاد قطرات المطر مع بعضها البعض .

(13) السلك : الإدخال، يقال : سلك الشيء في الشيء أي أدخله فيه، والسلك هو الخيط .مختار الصحاح.

(14) منطقة في اليمن تبعد عن العاصمة صنعاء من جهة الشمال 130كم تقريباً .

 Atlas of Solar System, Patrick Moore, USA, p.19 (15)  

(16) مجلة العلوم الأمريكية  المجلد العاشر العدد 12 ، ديسمبر 1994م . ص8

(17) مشتقات البترول هي الكيروسين والجازولين والبنزين وزيت الديزل وزيوت التشحيم وزيت الوقود المازوت الذي يستخدم بديلاً للفحم والغاز الطبيعي.

  Atlas of Solar System, Patrick Moore, USA, p.19    (18)

 

(19 ) مجلة العلوم الأمريكية مجلد 4 عدد 4 نيسان 1988م ، ص 68 .