|
ما هي حادثة الإفك؟
تتلخص حادثة الإفك في ترويج شائعة
من قِبَل المنافقين وبعض المؤمنين تتضمن اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله
بالزنا . حدث ذلك عندما تَخلَّفت أُمُّنا عن الجيش في غزوة بني المصطلق ، ثم
أحضرها الصحابي صفوان بن المُعطِّل السُّلَمي رضي الله عنه على ظهر جمله .
بعدها انطلقت الشائعات انطلاق النار في الهشيم ، ورَوَّجت لها أبواق الدعاية
والشر أيَّما ترويج ، فعمَّت المجتمع بأسره ، ولم تقتصر على الأشخاص المعنيين
بها أو البيت أو العائلة التي تنتمي إليها ، كما هو حال كثير من المشاكل
الاجتماعية .
ما هو مفهوم المشكلة؟ وهل تُعد
حادثة الإفك مشكلة؟
يمكن تعريف المشكلة بأنها الشعور
أو الإحساس بوجود صعوبة لا بد من تخطيها ، أو عقبة لا بد من تجاوزها ، لتحقيق
هدف . أو يمكن القول إنها الاصطدام بواقع لا نريده ، فكأننا نريد شيئا ثم نجد
خلافه . وحتى نتمكن من مواجهة المشاكل والتغلب عليها لا بد من أن ننهج طريقة
معينة نشعر فيها بوجود المشكلة ، ونتعرف عليها ونُحدد طبيعتها ، ثم نفكر في
الحلول المتعددة ، ثم نطبق الحل الأمثل ، ونتأكد من ذلك ، ثم نتفكر فيما حصل
. وهذا يتطلب بذل الجهد في التفكير في مراحل متعددة وفي مواضيع كثيرة , وقد
تحصل أحيانا بسرعة فائقة وقد تستغرق وقتا . لكن لا بد من التدرُّب والتمرُّس
على ذلك واكتساب مهارات التفكير اللازمة لهذا الأمر .
بناء على هذا التصور للمشكلة فان حادثة الإفك تعد في صميم المشاكل العويصة ،
لأنها تعلقت بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشرت في المجتمع ، وكانت
أطرافها كثيرة ، وقد ترتب عليها نتائج خطيرة وأحكام هامة ، ونزل فيها قرآن
يتلى إلى يوم القيامة . وبالنسبة لأم المؤمنين عائشة فانه يمكن النظر إليها
على أنها مشكلة ذات شقين : الأول عندما وجدت أم المؤمنين نفسها وحيدة وقد
تركها الجيش ، والثاني عندما انتشرت الشائعة عنها وهي غافلة حتى عن مجرد
التفكير في هذا الأمر .
الطريقة التي عالجت بها أم
المؤمنين هذه المشكلة
يمكن تصور الخطوات التي قامت بها
أُم المؤمنين عائشة على النحو التالي:
1.
الشعور بوجود المشكلة والوقوع فيها . من المهم معرفة انه لا معنى للمشكلة ما
لم يَحُس بها الشخص أو من له علاقة بها . فأُمُّنا عائشة أحسَّت أنها في
مشكلة عندما عادت ولم تجد الجيش ، وهذا بالنسبة للشق الأول من المشكلة . أما
من حيث الشق الثاني وهو اتهاما بالزنا ، فقد أحست بالمشكلة عندما أخبرتها أم
مِسْطح بما يشيع عنها . فلم تكن تحس بها من قبل ، لأنها تعجبت مما قيل ، وقد
دافعت أم المؤمنين عن مسطح في بداية الأمر عندما دعت عليه أمه قبل أن تخبرها
بالقصة .
2.
الحفاظ على التماسك النفسي وعدم التضعضع والخوف . فقد حافظت أُمُّنا على
رباطة جأشها وتماسكت ، مع أن الموقف في غاية الشدة لأنها وحيدة وقد تركها
الجيش ورحل . وأيضا حافظت على توازنها عندما سمعت بالإشاعة وامتصت الصدمة ،
مع أنها تفاجأت وذُهلت لما قيل عنها ، وكانت تتمثل قوله تعالى : "فصبر جميل
والله المستعان على ما تصفون" . ويتحقق التماسك النفسي بالاستعانة بالله
تعالى بالدعاء والصلاة والذكر ، وإحسان الظن بالله وبالمسلمين ممن لهم علاقة
بالموضوع ، والتفاؤل بالخير . كما أن للجانب الإيماني العام تأثيره . ولا بد
من الحفاظ على ذلك في كل مراحل حل المشكلة . وهذا ما تمسكت به أمنا عائشة على
الرغم من انه قد رُوي عنها إنها تأثرت بالأمر وأنها مرضت وكانت تبكي بكاء
شديداً ، لكن هذا تصرف طبيعي غريزي ، ولم يصل إلى الحد الذي يفقدها تماسكها .
3.
تحديد ماهية المشكلة ومعرفة أبعادها . حددت أُمُّنا المشكلة في أن الجيش قد
رحل وتركها فصارت وحيدة . وهذا يترتب عليه أن تخاف على نفسها من الموت أو
الأسر أو الاعتداء . كما حدَّدت المشكلة في الشق الثاني وتعرفت عليها عندما
علمت بالإشاعة ، وانهم قد رموها بالزنا . وأي تهمة هذه وماذا يمكن أن يترتب
عليها ؟
4.
التفكير في حلول ممكنة للمشكلة . ماذا يمكن أن يكون جال بخاطر أمُّنا :
•
اللحاق بالجيش ، لكنها لم تجد الراحلة ، والظلام قد حل ، ولا يمكنها السير
لوحدها .
•
البقاء في نفس المكان مع الاختباء .
•
الذهاب إلى مكان آخر .
•
الانتظار في نفس المكان في حالة عودة الجيش أو نفر منهم ، لأنهم إذا فقدوها
فلا بد أن يعودوا أدراجهم إلى المكان ليبحثوا عنها .
•
البحث عن أحد قد تخلف مثلها من الجيش ، أو أحد يتعقب الجيش .
أما من حيث الشق الثاني أي حالة
الإشاعة فقد تكون أُمُّنا فكرت فيما يلي :
•
الدفاع عن نفسها .
•
ترك الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم مع البقاء في بيتها . لكن ربما لاحظت
تأثر الرسول بالموضوع ، وانه قد سرى وانتشر .
•
اللحاق بأهلها ، والصبر والاحتساب لله تعالى .
5.
تطبيق الحل الملائم من بين الحلول والبدائل المتاحة . ارتأت أمنا البقاء في
مكان الجيش لعلهم يرجعون أو نفر منهم . وفعلا حضر صفوان ، ويبدو أنها ظنت أنه
مُرسَل من قِبَل الجيش فركبت الجمل دون حتى أن تناقشه في الموضوع . ولهذا لم
يخطر ببالها أن يقال ما قد قيل عنها ، لان هذا قد أرسله الجيش ليأخذها . أما
في موضوع القذف فقد طلبت من الرسول أن يأذن لها باللحاق بأهلها . وحسناً فعلت
، لأن الموضوع كان يحتاج إلى أن يُبَتًّ فيه ، طالما أن الرسول لم ينطق بوحي
فيه . كما أن مواضيع مثل هذه تحتاج إلى التراخي فيها حتى تَسْكن وتهدأ ، فكان
اختيارها أن تذهب إلى بيت أهلها ينطوي على كثير من الحكمة والحنكة . ومما
يؤيد ذلك موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم بسرعة على طلبها .
6.
التفكر في المشكلة ونتائجها وأبعادها . حيث تبين لأم المؤمنين أنها كانت على
صواب فيما فكرت فيه واتخذته من قرارات . وخرجت من المشكلة أقوى مما كانت ،
فقد برَّأها الله من فوق سبع سماوات ، ونزل فيها قرآن يُتلى . وترتب على ذلك
الكثير من الأحكام والمعالجات ، فكان في ذلك الخير الكثير . كما أن مثل هذه
المشاكل صار لها حل معلوم يمكن اتباعه في حالة وقوعها ، وهذا لم يكن الحال
قبل وقوعها .
مواضيع ذات صلة للكاتب :
• مواجهة المشاكل والتغلب عليها
http://www.islamway.com/bindex?section=articles&article_id=340
• حاجة الأمة إلى التفكير
http://www.saaid.net/arabic/ar108.htm
• وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل
http://www.saaid.net/female/m121.htm