شيء من الوجوم والذهول ، قد أصاب الكثيرين بعد حادث التفجير الأثيم الذي استهدف
مبنى الأمن في حي الوشم في الرياض ، وما ذاك إلا لأن هذا العمل تستنكره الفطر
السوية ، فضلا عن القلوب المؤمنة الصادقة ، فضلا عن الشعب السعودي الكريم ،
الذي ارتضع التوحيد ، ونهل من معين العقيدة الصافية ، في موقف ذرفت له العيون ،
وعلت الوجوه سحائب من كمد ، واهتزت قلوب المؤمنين من بشاعة الحدث ، وشناعة
العمل ، واستحلال دماء المسلمين ، الذي لا يفرح به إلا منافق ، ولا يتبناه أو
يخطط له أو ينفذه إلا عدو متربص ، بأمن هذه البلاد الأبية المسلمة ، حاضرة
الإسلام ، ومنبت الفضلاء ، وحصن التوحيد ، وقبلة المسلمين ، ومنار الدنيا ،
ومأرز الإيمان ، والله لا يهدي كيد الخائنين .
وهذه الأعمال التفجيرية قد نزعت البرقع وأزاحت الستار ، عما يتستر به من كان
خلفها من حجج واهية ، وتأويلات خاطئة ، وأفكار مغلوطة ، لا تمت إلى الإسلام
فضلا عن الجهاد الحق بأدنى صلة ، واتضح بجلاء أن المقصد والهدف ، من مثل هذه
الأعمال ، هو هذا البلد العظيم ، بتلاحمه وأمنه ومنجزاته واستقراره ، وما ذاك
إلا بغضاً وحسداً ومكراً وكيداً أن يرى المفسدون ما يقضّ مضاجعهم ، من انتشار
الخير والفضل والأمن والإستقرار ، ومن تطبيق لشريعة الإسلام ، وما تتحلى به هذه
القيادة من ولاء ودعم ونشر لأعمال الخير في كل صقع ومصر ، كما قد اثبتت بما لا
يدع مجالا للشك ، عمق التواصل والولاء ، بين ولاة هذه البلاد المباركة وشعبها
الكريم ، وعلمائها الأخيار ، وأبنائها البررة ، ورجالاتها الصادقين ، ذلك أن
المصائب تجمع بين القلوب ، وتوحد الجهود والأهداف ، ليتوشح البلد رداء الصبر
الجميل ، ويقف أمامه كصف واحد ، وجبل أشم ، أو قل كالبنيان المرصوص .
ولسنا هنا بحاجة إلى مزايدات المزايدين ، وتشدقات المتشدقين ، من زمرة
الطابوريين ، الذين سوف يطالعوننا في الصباح بحملات منظمة ، وحلول مستوردة ، من
تلك البلاد التي تدعي الديمقراطية زعماً ، وتصدر الإرهاب حقيقة ، ليدسوا السم
في العسل ، والذين لا أشك في أنه قد علت وجوهم تلك الإبتسامات الصفراء ،
ليصادوا في ماء المصيبة العكر ، باسم الوطنية تارة ، وباسم النصيحة تارة أخرى ،
من غير حس لمعنى المسئولية ، أو فقه لتضميد الجراح ، يقتاتون بجراح بلدنا
الغالي ، ودماء أبناءه المتدفقة ، وهموم قيادته المتيقظة ، وفرق وأي فرق ، بين
من تعلو الأمة على أشلائه ، وبين من يعلو على أشلاء الأمة .
كما أنه ينبغي على كل من يهمه أمر بلدنا الحبيب ، أن لا يكتفي بالشجب
والإستنكار ، بل لابد من مساع عملية جادة ، على كافة المستويات ، تشمل البلد
بكافة مناحيه وقنواته وطاقاته ، فالأب مع أبنائه ، والأخ مع إخوته ، وإمام
المسجد في مسجده ، وخطيب الجمعة في منبره ، والداعية مع مدعويه ، والرئيس مع
مرؤسيه ، والمربي مع تلاميذه ، والقيادة مع شعبها ، والكاتب ذو الضمير الحي مع
قرائه ، والإعلامي الصادق مع جمهوره ، ليكون جهدنا منصبا على توحيد الصف ،
وتفويت الفرصة على كل متربص بأمن هذا البلد ، وعلى كل مريد للفتنة أو داع لها ،
وليعلم أنه لا مجال للسكوت أو التعاطف أو الحياد أمام مثل هذه الأعمال وما تتسم
به من الجرأة والوقاحة في استهداف معصومي الدم والحرمة ، والتساهل بأمن البلد
ومكتسباته .
ولا شك أن الأمراء والعلماء ، يناط بهم جزء كبير من المسئولية ، في تقدير الحدث
بأبعاده وتداعياته وأسبابه وطرق علاجه ، في صراحة ووضوح وجلاء وحكمة عرفوا بها
، مما سوف يثمر بإذن الله نجاحا في تجاوز الأزمة ، وتفويت الفرصة على الأعداء
والعملاء ، الذين لا يألون جهدا في النيل من بلادنا وعلمائنا وشريعتنا
ومقدساتنا ومناهجنا وأمننا وتكاتفنا في بلادنا بلاد التوحيد .
كما أنه ينبغي على كل صاحب قلم ، أن يتق الله في ما يكتب ، وأن يراع الله فيما
يقول ، وأن يستبصر فيما ينطق ، فالقلم أمانة ، وصاحبه مستأمن ، وهو يوم القيامة
سوف يسأل ، والله يقول : ( ستكتب شهادتهم ويسألون ) . كما لا يفوتنا التذكير
بمراجعة النفس والوقوف معها في ما قدمت وأسرفت من الذنوب والعصيان ، فكلنا خطاء
، والله سبحانه يقول : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن
وهم مهتدون ) . وليعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وما أخطأنا لم يكن
ليصيبنا ، وأن هذه المصائب ، تكفر بها الذنوب ، وترفع بها الدرجات ، لمن صبر
واحتسب الأجر عند الله ، والعاقبة للمتقين .
كما ليعلم ، أن لإخواننا رجال الأمن ، واجب الوقوف معهم ، وشد أزرهم ، وتخفيف
معاناتهم ، وتقدير تضحياتهم وجهودهم ، سائلين الله الكريم الرحيم ، أن يتغمد من
مات منهم برحمته ، وأن يغفر له ويتجاوز عنه ، وأن يجزيه لقاء ما قدم ، وأن يأجر
أهله وذويه في مصيبتهم ، وأن يخلف لهم خيرا منها إنه ولي ذلك والقادر عليه .
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وشبابنا ومقدساتنا وعقيدتنا بسوء ، فأشغله في
نفسه ، ورد كيده في نحره ، واجعل تدبيره ، تدميرا له ، يا قوي يا عزيز .