سبق أن كتبت مقالا بعنوان : ( اعترافات محمد أركون ) تجده على هذا الرابط :
هنا
وفي هذا المقال سأنقل اعترافًا من نوع آخر لمفكر آخر : هو : محمد عابد الجابري
، يكشف فيه بإيجاز عن الهدف الذي يسعى إليه من خلال كتبه ومشاريعه النقدية لما
يسميه العقل العربي .. ، وكما هو معلوم للمتابعين فإن الجابري يعد على قائمة
الرموز الذين تأثر بهم قلة من شبابنا المرضى بما يسمى ( العصرنة ) التي انتقلوا
إليها من الطرف الآخر ( الغلو والتشدد ) !
. حيث عكفوا على كتبه وتأثروا بها ، فصبغتهم بأفكارها وألفاظها ، فأصبح مايهمه
يهمهم ، مما أدى بهم إلى تحقيق شيئ من أمنياته على أرض الواقع كما سيأتي - إن
شاء الله - .
سئل أحد هؤلاء المرضى عن الكتب التي أثرت في عقله ( القروي ) فقلبته 180 درجة
!! فقال - بالنص - : ( أماالكتب المعاصرة فساذكر لك عناوين عابرة ربما تفيد
:تكوين العقل العربي ، وبنية العقل العربي كلاهما لمحمد عابد الجابري) .
هذا الاعتراف للجابري ورد في مقابلة أجراها معه الكاتب ( عبدالإله بلقزيز ) في
مجلة : المستقبل العربي ، العدد 278. أبان فيه عن سعيه إلى تحقيق الحداثة ( ! )
من خلال التراث لا من خارجه كما يفعل ( العلمانيون ) الفاشلون ! الذين لم تنجح
دعوتهم لتغريب المجتمع المسلم؛ لأنها أتت من خارجه . أما هو فسوف يلجأ إلى
أسلحة التراثيين ! ويجعلها ترتد في نحورهم ! في محاولة خبيثة لإعادة تشكيل
العقل والتاريخ والتراث حسب ما يريد . ومن هنا تأتي الخطورة !
وقد تابعه على هذا المعجبون به لدينا ، وحاولوا نقل مشروعه .....
يقول تركي الربيعو في كتابه ( المحاكمة والإرهاب ، ص 32 ) : ( الخطاب العربي
المعاصر هو خطاب محكوم بسلف ، والمطلوب تحريره من ربقة السلف . هذا ما قادنا
إليه الجابري ) .
يقول بلقزيز في سؤاله :
( مع كل هذا العطاء العلمي في ميدان الدراسات التراثية ، مقرونا بإطلالة غير
منقطعة على أسئلة العصر وأسئلة الفكر الحديث ، هل ما زلت مقتنعا بأن الطريق إلى
كسب مطالب العقلانية والحداثة والتقدم تمر حتما عبر تبيئتها وتأصيلها وعبر ربط
الجسور باللحظات الحية والتقدمية في تراثنا ؟ أم انك أفسحت مجالا آخر ؟ أو
تتفهم ذاك المجال الذي يمكن أن يكون ساحة لمنافذ أخرى قصد طلب هذه القيم
والمبادئ ، طبعا دون المرور بمسائل التراث ؟
فيرد الجابري : إن وجهة نظري في هذا الموضوع تعبر عن اقتناع شخصي ليس فقط من
خلال تجربتي منذ البداية ، وأنا على اتصال بالطلاب والمثقفين ، بل أيضا لأن هذا
الاقتناع تكون لدي أساسا كنتيجة النظر في تاريخ النهضة العربية . أنت تعرف أنه
كانت هناك ثلاثة تيارات معروفة ؛ هي التيار السلفي والتيار الليبرالي و التيار
التوفيقي أو التلفيقي ، وأنت تعرف أن تجربة مائة سنة قد أسفرت عن جمود الحركة
في هذه التيارات ، فلا أحد منها تطور وحقق أهدافه ، بل كل ما حدث هو اجترار
وعود على بدء مستمر . لقد استنتجت من ذلك تلك القضية الأساس التي أدافع عنها
وهي أن التجديد لا يمكن أن يتم إلا من داخل تراثنا باستدعائه واسترجاعه
استرجاعا معاصرًا لنا ، وفي الوقت ذاته بالحفاظ له على معاصرته لنفسه
ولتاريخيته ، حتى نتمكن من تجاوزه مع الاحتفاظ به (!) وهذا هو التجاوز العلمي
الجدلي .
هذا هو اقتناعي إذا كنا نفكر في الأمة العربية و الإسلامية كمجموع ، وليس كنخبة
محصورة العدد متصلة ببعض مظاهر الحداثة ، تنظرالى نفسها في مرآتها وتعتقد أن
الوجود كله هو ما يرى في تلك المرآة . هذا في حين أن هذه النخبة صغيرة ، قليلة
، ضعيفة الحجة أمام التراثيين . والمطلوب منا في ما يخص الحداثة ليس أن يحدث
المحدثون أنفسهم ، بل أن ينشروا الحداثة على أوسع نطاق ، والنطاق الأوسع هو
نطاق التراث . فإذا لم نكن على معرفة دقيقة وعامة بالتراث وأهله فكيف يمكن أن
نطمع في نشر الحداثة فيه ، أن نجدد فيه ، أن ندشن عصر تدوين في مجالاته ) .
ويقول في نفس المقابلة عن إحدى أمنياته :
( لو كان لدي ، وكان لدي مثل هذا الميل نحو مشروع إصلاحي ؛ لكان في برنامجي
الاشتغال على ابن تيمية أيضا ، ولقدمت للقراء وجهًا آخر عنه ، يختلف عن الوجه
السائد والمؤدلج ..) !
قلت : وقد وعدنا بعض تلاميذ الجابري عندنا بأنه سيقوم بهذه المهمة ، وسوف يبين
لنا جهلنا بالشخصية الحقيقية لشيخ الإسلام - رحمه الله - !
ولا تعجب من هذا ..
فقد حرفت نصوص نبوية ..
وتؤلت آيات قرانية ..
فما ظنك بابن تيمية .. ؟!
الخلاصة : أن خطة القوم تقوم على التغيير من داخل البيت الإسلامي ، لا من خارجه
من خلال العبث بالنصوص الشرعية بتأويلها وتفريغها من محتواها ( الحقيقي ) ،
واستبداله بالمحتوى الذي يريدون ..
فيا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ...
ولاتغتروا بتلبيسات مدعي ( الإصلاح ) و ( تجديد الخطاب الديني ) ...........
ولو كانوا من ذوي ( اللحى ) !
تنبيه :
من أراد معرفة انحرافات الجابري والرد على أفكاره فليرجع مكرما إلى رسالة (
نظرات شرعية في فكر منحرف )