|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، لا
يبلغ مدحته المادحون ، ولا ينال من عظمته القادحون ، ولا يحصي نعماءه
العادّون ، ولا يحصر آلاءه الحاسبون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، له تائبون ، وبه مستعينون ، وله عائدون ، وبه عائذون ، عليه
يتوكل المتوكلون ، هو المستعان ، ومنه الفرج ، برحمته يتعلق المذنبون ،
وبرأفته يأمل العاصون ، ولجنته يتطلع المتقون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله
، نعم المولى ونعم النصير ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن نبينا محمدًا
عبد الله ورسوله ، الهادي البشير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وكل تابعٍ مستنير ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المرجع والمصير . .
أما بعد :
فإنَّ خير ما وصّى به الموصون ، ووعظ به الواعِظون ، تقوى الله عز وجل ،
فاتقوا الله رحمكم الله ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، في هذه الخطبة ، ندخل في
مفاوز ومغاور ، لنعاون ونشاور ، نسبر آلاماً عظاماً ، ونتحرى أدواءً جساماً
، نتبين الأعراض ، ونحدد الأمراض ، ونصف العلاج ، ليحصل الفرج والانبلاج ،
فبسم الله نبتدي ، وبنوره نهتدي ، وبحمده ننتهي .
أيها الأخوة في الله : لقد أتى على المرأة حين من الدهر ، لم تكن شيئاً
مذكوراً ، لم تقم لها قائمة ، فكانت تائهة عائمة ، مسلوبة الإرادة ، محطمة
العواطف ، مهضومة الحقوق ، مغلوبة في أمرها ، متدنية في مكانتها ،
مُتَصَرَّفاً بشؤونها ، بل كانت تعد من سقط المتاع والأثاث ، ومن جملة
الميراث ، ثم انتهى بها الأمر ، إلى وأدها في مهدها ، وقتلها في صغرها ،
قال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا
بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ
أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } ، وبعد تلكم الويلات ، وإثر تلكم النقمات ،
التي كانت تحيط بالمرأة ، جاء الإسلام وأشرق نوره ، وظهر وبان أمره ، فأعلن
مكانة المرأة ، ورفع قدرها ، وأعظم شأنها ، فأخذت كامل حقوقها ، ومن أعظم
ذلك الصداق ، فالمهر ملك لها وحدها ، تقديراً لها ، ورمزاً لتكريمها ،
ووسيلة لإسعادها ، وثمناً لاستمتاع الزوج بها ، فالمَهر حقٌّ للمرأة لا
يجوز للآباء أو الأوليَاء اختصاصُهم به ، أو الاستيلاء عليه ، أو الاستئثار
به ، قال سبحانه : { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ، ومن
أخذ من مهر الفتاة ولو شيئاً يسيراً ، بغير إذنها أو رضاها ، فقد أتى باباً
عظيماً من أبواب الظلم والتعسف ، وأكل الأموال بالباطل وسوء التصرف ، قال
الواحد المتصرف : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ
أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ
بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } ، كانوا في الجاهلية الجهلاء ، والأثرة
العمياء ، يرثون نساء أقربائهم ، فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق ، أو زوجوها
وأخذوا صداقها ، أو منعوها من الزواج ليأخذوا بعض مهرها ، فحرم الله ذلك
تحريماً ، ونهى عنه نهياً ، فذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ،
قال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم
النار يوم القيامة " [ أخرجه البخاري ] ، ألا فاعلموا أن ما أخذ بسيف
الحياء فهو حرام ، فيجب إعطاء المرأة مهرها كاملاً ، ولها فيه حرية التصرف
بضوابطه الشرعية ، وحقوقه المرعية ، فإن وهبت أحداً منه شيئاً عن طيب نفس
منها فلها ذلك ، لقوله تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ
نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } ، فأعطوا النساء مهورهن , عطية
واجبة ، وفريضة من الله لازمة ، فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من المهر ،
فخذوه وتصرَّفوا فيه , فهو حلال طيب ، ولا تأخذوه بالقوة والعنجهية ، أو
التحايل والهمجية ، فذلك معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعد
لحدود الله ، قال الله تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ
مُّهِينٌ } ، فسبحان الله أيها الآباء والأولياء ، كيف تأخذون المهور ،
وتستحكمون عليها ، وتستأثرون بها ، ثم ربما أنفقتموها في مصالح جميع
الأبناء ، وصاحبة الشأن والمال ربما لم تدرك منه شيئاً ، فهذا سحت حرام ،
فاتقوا الله أيها الأولياء الكرام ، أحسنوا إلى النساء وأكرموهن ، وأعطوهن
مهورهن ، وأوفوهن حقوقهن ، فهذا هو أمر رب العالمين ، وأمر نبي الثقلين .
أيها الأخوة الفضلاء : إن منع الآباء الخاطبَ الكفء الحذق ، ذا الدين
والخلُق ، مخالفٌ لأمرِ الشّريعة ، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا
جاءكم مَن ترضون دينَه وخلقه فزوِّجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض
وفساد عريض " [ أخرجه الترمذي ] ، ألا وإن من الخيانة ، وتضييع الأمانة ،
أن يزوج الولي ابنته لرجل فاسق عاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كمن
لا يصلي ، أو سيء الخلق والمعاني ، أو يتعاطى الخمور والمسكرات ، والدخان
والمفترات ، أو غير ذلك من المعاصي والموبقات ، ولو كان يملك الملايين من
الريالات ، والقصور والبيوتات ، فذلك ظلم للفتاة ، وغش تأباه ، قال صلى
الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش
لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، لقد اغتالوا البنت حية
، لم يدفنونها في قبرها كالجاهلية ، بل هالوا عليها تراب الجحيم ، في سجن
زوج لا تطيقه ولا تريده ، من أجل حفنة قذرة من المال ، فسبحان الله العظيم
، ألم يسمعوا قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : " لا تُنْكَحُ
الثَّـيِّبُ حتَّـى تُسْتَأْمَرَ ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّـى
تُسْتَأْذَنَ " [ أخرجه مسلـم ] ، ألا فاعلموا أن زواجاً يكثر مهره ، ويعظم
همه ، ويزداد غمه ، وتكثر تكاليفه ، معقد أوله ، ومؤلم آخره ، والواقع خير
شاهد ، وعند جهينة الخبر اليقين .
أيها المسلمون : نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة ، وتدنى فيه مستوى المعيشة
، وزاد فيه منسوب البطالة ، أجارات مرتفعة ، ومعيشة غالية ، ومهور عالية ،
وأنى للشباب الإتيان بكل تلكم التكاليف ، فهنا يجب أن نقف جميعاً وقفة
صادقة مع أنفسنا ، من تسهيل للمهور ، وتيسير للزواج ، صيانة لأعراض الفتيات
والأزواج ، ولا يمكن أن يحصل ذلك ، إلا بتطبيق الرجال قول الله تعالى : "
الرجال قوامون على النساء " ، والانصياع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ أخرجه البخاري ] ، فالقوامة بيد الرجل ،
والحل والربط بيد الرجل ، أما المرأة فهي تابعة لزوجها ، لا تخرج عن رأيه
ومشورته قيد أنملة ، فلا يُترك لها زمام التصرف ، وخطام التفاوض ، فهذا غير
مشروع ، لاسيما في وقتنا هذا ، الذي طغت فيه الفضائيات ، وتقليد الأفلام
والمسلسلات ، حتى تغالت في المهور الأمهات ، وأرهق كاهل الشباب بطلبات ،
تنوء بحملها الجبال الراسيات ، قال عليه الصلاة والسلام : " خير الصداق
أيسره " [ أخرجه الحاكم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن من يُمن المرأة
، تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها " [ أخرجه الإمام أحمد بسند
جيد ] ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق
النساء ، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله عز وجل ، كان
أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم " [ أخرجه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح
] ، خمسون ألفاً مهراً ، وآلاف للأم طوعاً أو كرهاً ، فذلكم المهر كثير ،
وعلى الشباب كبير ، وما يتبعه من هداياً وتبذير ، لهي أمور تنبئ عن شر خطير
، وهول مستطير ، فلا غرو أن يكون اليوم نكاح وغداً فراق ، ولا عجب أن يكون
زواج يعقبه طلاق ، ولا غرابة أن يُكن الزوج لزوجته العداء ، فاتقوا الله
أيها الآباء والأمهات ، ساهموا في بناء اللبنات ، سهلوا المهور ، يسروا
الزواج ، كونوا قدوة صالحة ، ونواة طيبة ، فأين نحن عن أبي طلحة عندما تزوج
أم سليم مقابل إسلامه ، ورجل تزوج بامرأة بما معه من القرآن ، يعلمها ويكون
ذلك مهرها ، وتزوج صحابي بخاتم من حديد ، وآخر بوزن نواة من ذهب ، أين نحن
عن تلكم الأمثال الرائعة ، والصفحات الناصعة ، لقد ضربوا لنا أروع المثل في
شأن المهر وتسهيله ، والصداق وتيسيره ، فأفيقوا من غفلتكم ، واستيقظوا من
رقدتكم ، يرحمكم ربكم ، ويغفر لكم ذنوبكم .
أخوة الإيمان : لقد عاينا عادات ، وباينا منكرات ، ما أنزل الله بها من
آيات بينات ، فأين أنتم عن كتاب رب البريات ، وهدي نبي الهدى والرحمات ،
لقد قُصمت الظهور ، وتعسرت الأمور ، بسبب كثير من التغيير والتغبير ، فليلة
الحنا ، وليلة ثانية بعد الزواج ، وكوشة وإزعاج ، ومخالفات واتباع مزاج ،
وأخطر من ذلك وأعظم ، وأشد منه وأطم ، ما يحدث في قاعات النساء من ألبسة
خليعة ، وحركات مريعة ، تجلب الفجيعة والوجيعة ، وإننا لنخشى عقوبة الخالق
جل جلاله ، حلويات وتمور ، يتمعر لها وجه الغيور ، نعم وخيرات ، تُرمى في
سلات المهملات ، أموال تهدر ، ونقود تبعثر ، فلابد لهذا الدين ، من تطبيق
وتمكين ، فأنشدكم الله أيها الأخوة في الله ، إلا وقفتم وقفة حازمة ، مع
الله صادقة ، تأمرون بمعروف ، وتنهون عن منكر ، فما يحدث في أعراسنا ، وما
يحصل في أفراحنا ، لنخشى عقوبته ، ونخاف تبعته ، نخشى أن تبدل النعم نقم ،
وينتقم منا الجبار المنتقم ، قال المتفضل المنعم : { وَضَرَبَ اللّهُ
مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا
رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا
اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }
فالاكتفاءُ بوليمة واحدةٍ ليلةَ الزفاف ، أحبّ للزّوجين وأسلم ، وأوفق لهدي
الدين وأقوم ، إننا نرى تفاخراً بالأموال ، وتكاثراً بالأعمال ، إسراف
وتبذير ، ووعيد من الجبار الكبير ، قال العلي القدير : { وكُلُواْ
وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ،
وقال سبحانه : { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ
هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } .
عباد الله : لقد أصبحت ليالي الملكة والتأليف ، ليال باهضة التكاليف ،
وكأننا في يوم زواج وإعلان ، لا يوم ملكة وعقد قران ، تذبح فيها كثير من
النعم والبهائم ، حتى أضحى الشر عائم ، فيكفي في مثل تلكم الليالي ، دعوة
أهل العروسين للفرح والتسالي ، ومن كان لديه فضل مال ، فلا يسرف فيه وينهال
، قال رب العزة والجلال والقوة والكمال : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ
وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ كَفُوراً } ، وتذكروا يا رعاكم الله ، تذكروا الفقراء والمساكين
، والأيتام المنكسرين ، والأرامل والمعوزين ، فقد قال القوي المتين : {
وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } ، فاتقوا الله رحمكم
الله ، فقد سمعتم النقول ، فحكموا العقول ، واقبلوا بالمعقول ، أقول ما
سمعتم وأسأل الله التوفيق والتأييد ، والجنة يوم المزيد ، وأعوذ به من كل
شيطان مريد ، وأستغفر الله الحكيم الحميد ، فاستغفروه إنه هو الرحيم الرشيد
.
الحمد لله وكفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم السر
وأخفى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، أكرم من وطأت قدماه الثرى
، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل التقى ، وسلم تسليماً كثيراً
. . وبعد :
أيها الأخوة في الله : إنّ نزغَاتِ الشياطين ، وغفلات الآدميين ، لا يسلم
منها أحد ، فربما زلّت القدم ، ونزل الندم ، إذ كلُّ بني آدم خطَّاء ،
وخيرُ الخطّائين التوّابون ، فالوقوع في الزلل خطأ ظاهر ، والعود عنه نصر
باهر ، ألا فاعلموا أنّ التوبةَ من الخطأ والزّلل الملام ، والرجوعَ عنه
بشجاعةٍ وإقدام ، لهو المحمدةُ الحقّة ، والشجاعة المتمكِّنَة ، والنجاةُ
من المغبَّة ، فإذا أيقنتم بذلك ، فهناك أخطاء ومغالطات ، ومصائب مدلهمات ،
وسراديب مظلمات ، رتع فيها أناس ، أضاعوا الإحساس ، شعروا أم لم يشعروا ،
فوقع الظلم والعدوان ، والجور والاستهجان ، على المرأة من بني الإنسان ،
فأمر الله في كتابه ، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، والقول الأكيد ،
الذي ليس عنه محيد ، أن للمرأة حق في الميراث ، فليس الميراث للرجل وحده ،
ومن ظن ذلك أو اعتقده ، فقد فسد دينه ، وطار عقله ، وذهب لبه ، لأن الله جل
وعلا يقول في كتابه : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } ، فالمرأة لها نصف ميراث الرجل ، لأن الرجل
هو المسؤول عن الإنفاق ، وهو المكلف بجلب المهر باتفاق ، أما المرأة فلا
نفقة عليها ، ولا مهر عليها ، لذا كان نصيبها من الميراث النصف ، وللرجل
الضعف ، هذه حكمة العظيم البالغة ، فيحرم هضم ميراث المرأة ، أو كتابة
الوصية للذكور دون الإناث ، أو توزيع التركة بما يخالف الكتاب العزيز ،
واعلموا أنه لا وصية لوارث ، كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
فمن طغى وعصى ، وتعدى وبغى ، وظلم وهضم ، فإن كان على قيد الحياة ، فليسرع
بتنفيذ أمر الله في العدل ، في العطاء والبذل ، ومن مات ، وأصبح عظاماً
ورفات ، فعلى ورثته أن يتقوا الله في ميتهم ، ولا يعرضوه لسخط ربهم ،
وعقوبة خالقهم ، فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وليعيدوا الأمور إلى نصابها ،
والحقوق إلى أهلها ، ولا تغرنهم زهرة الحياة الدنيا وزينتها ، فالله جل
وعلا يقول : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ
وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ،
فالظلم في الإرث ، من أعظم الاعتراض على كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم ، ألا ما أحوجَنا إلى الثقةِ بأمر الله ، والاعتدال في الرأي ،
وتنسيقِ المواقف والإنصاف ، فلا يبقى في النّهايةِ إلا الحقّ ، ولا يصحّ
إلا الصّحيح ، فاسعوا إلى الهدى والنور ، وانبذوا شعار الخور والفجور ، ولا
تنتظروا أن يقودكم غيركم ، أو يُتصرف في شؤونكم ، فبادروا على بركة الله ،
بتنفيذ أوامر الله ، وفق كتاب الله ، ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
في الزواج والمهور والصداق ، والعدل في الإرث وعدم الاختلاق ، خذوا على
أيدي السفهاء ، واكبحوا جماح النساء ، احذروا الإسراف ، ومراتع الإسفاف ،
انتهوا عن التبذير ، ودعوا التقتير ، احذروا التصرف الأهوج ، والرأي الأعوج
، اهجروا ما يعرض عبر الشاشات ، وتقليد الكافرات ، اربئوا بأنفسكم عن
النقيصة ، ومواطن الفضيحة ، فتلكم الخسارة الفادحة ، والرعونة الواضحة ،
فهلا من رجل رشيد ، ذو رأي سديد ، يجمع الشتات ويقرب البعيد ، فالله الله ،
أوصيكم بتقوى الله ، والخوف منه سبحانه ، فتقواه قائد إلى الجنان ، وخشيته
دليل الإحسان ، فتوبوا إلى الله الواحد الديان ، ثم صلوا وسلموا على خير
الأنام ، محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد أمركم بذلك الملك العلام ، فقال
في أعظم كلام : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ، وعلى آله وأزواجه
الأماجد ، وأصحابه والتابعين ومن تبعهم من الأقارب والأباعد ، اللهم أعز
الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا
البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في الأوطان والدور ،
وأصلح الأئمة وولاة الأمور ، يا عزيز يا غفور ، اللهم احفظنا من بين أيدينا
ومن خلفنا ، وعن أيماننا وعن شمائلنا ، ومن فوقنا ، ونعوذ بك أن نغتال من
تحتنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعتق رقابنا من النار ، يا عزيز
يا غفار ، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا ، واغفر لهم الذنوب والخطايا ،
واحفظهم من الأدواء والبلايا ، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً ، وزدهم
كرامة ووقاراً ، وغفراناً مدراراً ، اللهم ارزقنا برهم وطاعتهم ، واغفر لهم
بعفوك وتقبل طاعتهم ، يا سميع الدعاء ، يا ذا المن والعطاء ، اللهم وفقنا
لما تحب وترضى ، ووفقنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا في الدنيا
والأخرى ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ، ومن العمل
والقول ما تحب وترضى ، اللهم ألف بين قلوبنا ، واجعلنا أخوة متحابين ، ولا
تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ
بناصيته للبر والتقوى ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا
عذاب النار ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
الخاسرين ، لا إله إلا الله المنان ، علا ذكره في كل زمان ومكان ، سبحان
الله الواحد الديان ، سبحان من سبح له من في السهول والوديان ، سبحانه عدد
السكون والجريان ، فاذكروه يذكركم ، واشكروه يزدكم ، سبحان ربك رب العزة
عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .