عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ . وَالْبِئْرُ جُبَارٌ . وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ . وَفِي
الرِّكَازِ الْخُمْسُ .
الجبار : الهدر الذي لاشيء فيه . والعجماء : الدابة البهيم .
في الحديث مسائل :
1= العجماء – كما فسّرها المصنف – هي : الدابة . قال النووي : وَسُمِّيَتْ
الْبَهِيمَة عَجْمَاء ؛ لأَنَّهَا لا تَتَكَلَّم
2= معنى : جُبَار : أي : هَدَر .
وفي رواية في الصحيحين : الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ .
وفي رواية للبخاري : الْعَجْمَاءُ عَقْلُهَا جُبَارٌ .
والمقصود بالعقل : الدِّيَة . قال الإمام مالك : وتفسير الجبار أنه لا دِية فيه
.
3= اخْتُلِف في ضَمان ما أتْلَفَتْه الدَّوَاب .
قال الإمام البخاري : بَاب الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ . وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ :
كَانُوا لا يُضَمِّنُونَ مِنْ النَّفْحَةِ ، وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ
الْعِنَانِ . وَقَالَ حَمَّادٌ : لا تُضْمَنُ النَّفْحَةُ إِلاَّ أَنْ يَنْخُسَ
إِنْسَانٌ الدَّابَّةَ . وَقَالَ شُرَيْحٌ : لا تُضْمَنُ مَا عَاقَبَتْ أَنْ
يَضْرِبَهَا فَتَضْرِبَ بِرِجْلِهَا . وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ : إِذَا
سَاقَ الْمُكَارِي حِمَارًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَخِرُّ لا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : إِذَا سَاقَ دَابَّةً فَأَتْعَبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ
لِمَا أَصَابَتْ ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلا لَمْ يَضْمَنْ .
وقال النووي : فَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
الْعَجْمَاء جُرْحهَا جُبَار " فَمَحْمُول عَلَى مَا إِذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا
بِالنَّهَارِ أَوْ بِاللَّيْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيط مِنْ مَالِكهَا ، أَوْ
أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَد فَهَذَا غير مَضْمُون ، وَهُوَ
مُرَاد الْحَدِيث ... وَالْمُرَاد بِجُرْحِ الْعَجْمَاء : إِتْلافهَا ، سَوَاء
كَانَ بِجُرْحٍ أَوْ غَيْره . قَالَ الْقَاضِي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى
أَنَّ جِنَايَة الْبَهَائِم بِالنَّهَارِ لا ضَمَان فِيهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ
مَعَهَا أَحَد ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاكِب أَوْ سَائِق أَوْ قَائِد
فَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى ضَمَان مَا أَتْلَفَتْهُ .
وقال الحافظ العراقي : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَالْجُمْهُورُ : إنَّمَا لا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى أَصْحَابِ الْبَهَائِمِ
إذَا كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ
عَلَيْهِمْ حِفْظَهَا ، فَإِذَا انْفَلَتَتْ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُمْ وَجَبَ
عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ الأَنْصَارِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ
بْنِ عَازِبٍ قَالَ : كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا
فَأَفْسَدَتْ فِيهِ ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيهَا ، فَقَضَى أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى
أَهْلِهَا ، وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا ،
وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ .
4= قوله : " وَالْبِئْرُ جُبَارٌ " ، أي : البئر التي يحفرها الإنسان في أرضه
ثم يسقط فيها أحد ، فإنه لا يضمن .
وبوّب عليه البخاري : بَاب مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ .
قال النووي : " الْبِئْر جُبَار " مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَحْفِرهَا فِي مِلْكه ،
أَوْ فِي مَوَات فَيَقَع فِيهَا إِنْسَان أَوْ غَيْره وَيَتْلَف فَلا ضَمَان ،
وَكَذَا لَوْ اِسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ ، فَلا
ضَمَان .
5= قال ابن حجر : قَوْلُهُ : " وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ " أَيْ : هَدَرٌ ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهِ ، إِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ
مَنْ اِسْتَأْجَرَ رَجُلا لِلْعَمَلِ فِي مَعْدِنٍ مَثَلا فَهَلَكَ فَهُوَ
هَدَرٌ ، وَلا شَيْءَ عَلَى مَنْ اِسْتَأْجَرَهُ .
ويُؤيِّد هذا ما جاء في رواية لمسلم : وَالْمَعْدِن جَرْحهَا جُبَار .
قال النووي : " وَالْمَعْدِن جُبَار " مَعْنَاهُ : أَنَّ الرَّجُل يَحْفِر
مَعْدِنًا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات فَيَمُرّ بِهَا مَارّ فَيَسْقُط فِيهَا
فَيَمُوت ، أَوْ يَسْتَأْجِر أُجَرَاء يَعْمَلُونَ فِيهَا فَيَقَع عَلَيْهِمْ
فَيَمُوتُونَ ، فَلا ضَمَان فِي ذَلِكَ . اهـ .
وقال ابن حجر : وَيَلْتَحِق بِالْبِئْرِ وَالْمَعْدِن فِي ذَلِكَ كُلّ أَجِير
عَلَى عَمَل ، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى صُعُود نَخْلَة فَسَقَطَ مِنْهَا
فَمَاتَ . اهـ . أي : أنه لا يُضمَن .
وقالت الشافعية : إن مراده عدم الخمس في المال الحاصل مِن المعدن .
6= قال مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا ، والذي سمعت أهل العلم يقولون
إن الركاز إنما هو دفن يوجد مِن دفن الجاهلية ما لم يُطلب بِمَال ، ولم يُتكلّف
فيه نفقة ، ولا كبير عمل ، ولا مؤونة ، فأما ما طُلِب بِمَال وتكلف فيه كبير
عَمل ، فأُصِيب مرة ، وأخطئ مرة ؛ فليس بركاز .
قال ابن عبد البر : يريد مالك بِقوله هذا أنه ما لم يكن رِكازا فَحُكْمه حُكْم
المعادن . اهـ .
ومذهب الْجُمْهُور في الرِّكاز أَنَّهُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ .
ويَجب فيه الْخُمس إذا كان كَما قال الإمام مالك ، أي : إذا وُجِد مِن دفن
الجاهلية ما لم يُطلب بِمَال ، ولم يُتكلّف فيه نفقة ، ولا كبير عمل ، ولا
مؤونة
7= الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا فَرْقَ فِي الرِّكَازِ بَيْنَ
الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ الـنِّصَابُ . وَقَدْ
اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ . قاله ابن دقيق العيد .
ولا يُعتبر فيه حُلول الْحَوْل .
8= قال الحافظ العراقي :
لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ يُصْرَفُ لَهُ الْخُمُسُ ، وَقَدْ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ :
مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّهُ يُصْرَفُ
مَصْرِفَ خُمُسِ الْفَيْءِ ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ ، وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ
الشَّافِعِيِّ . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ :
وَالثَّانِيَةُ أَصَحُّ وَأَقْيَسُ عَلَى مَذْهَبِهِ .
والله تعالى أعلم .
|